قصة عن وفاة الأم، ومواصلة الحياة، قصة حب

قصة عن وفاة الأم، ومواصلة الحياة، قصة حب

0 المراجعات

كنت في الثامنة من عمري عندما ماتت والدتي. توفت عندما كان عمرها 35 عامًا بسبب سرطان الثدي، على الرغم من أني استغرقت سنوات حتى عرفت ذلك.

مع مرور الوقت، تطور لدي اعتقاد أنه وبسبب وفاتها، ينقصني بعض المعرفة. إذا كان لدي أم، فسأعرف كيفية المشي بالكعب العالي والجلوس كالفتاة. سأعرف ما يجب حمله في الحقيبة أو كيفية تشغيل مكواة الشعر. ربما سأعرف الفرق بين الشامبو والبلسم، وبالتأكيد سأعرف أن الأمهات المرضعات يقدمن الحليب فقط، وليس الحليب من ثدي وعصير البرتقال من الثاني. كانت هذه أمور صغيرة، ولكن في وقت لاحق، سأريد أن أعرف ما يجب قوله للشبان، وكيفية ممارسة الجنس وكيفية تخفيف الآلام الشهرية. كنت متأكدة من أن الفتيات اللواتي لديهن أمهات يعرفن كل شيء.

تزوج والدي بعد عامين من وفاة أمي، لذلك بطريقة ما استعدت أماً. لكنني لم أراها كشخصية أم. لم أراها كأي شخص آخر غير الشخص الذي تزوجه والدي. كنا نتشاجر جميعاً، والدي، وزوجته الثانية، وأخوتي الأثنين. كنا نتشاجر بالألفاظ وأحياناً بالأيدي.

وأخيراً، أصبح التشاجر أكثر من اللازم، لأنه في يوم من الأيام، وضعت زوجة والدي حقائب سفر في ردهة المنزل وأخبرتنا أن نغادر لأننا لا يمكننا العيش بقوانين الله والدين وبالتالي، لا يمكننا العيش في منزلهم. كان أخي سامر عمره 18 عاماً تقريباً. وأخي كمال 17 عاماً. وأنا كان عمري 16 عاماً.

ثم رحلت… وخرجت إلى العالم، وعشت في البداية في سيارتي، ثم على أرائك أصدقائي، ثم في النهاية، بمجرد أن كبرت للتوقيع على عقد الإيجار، في شقق خاصة بي.

كنت أعمل في وظائف بأجور منخفضة، حصلت على الشهادة العامة للتعليم الثانوي، ذهبت إلى الجامعة وسافرت في النهاية. لم تكن زوجة والدي في حياتي ولا خارجها. لم أحاول تجاهلها، لكنني لم أبحث عنها أو عن والدي. كان والدي متديناً، وأنا كنت غير متدينة. على الرغم من أن هذه الكلمة تشير إلى نقص في الإيمان، فالحقيقة هي أنني أملك العديد من المعتقدات - فقط ليست نفس تلك التي كان يحملها.

 

كانت رحلاتي تقودني في النهاية للعيش في كمبوديا. يعتقد الكثير من الكمبوديين أن هناك عالماً من الأرواح التي تعيش بالتوازي مع عالمنا البشري. يمكن للأرواح أن تسكن أعلى الأشجار الطويلة، وتسبب المشاكل في حياة الأحياء، وتسكن في أجساد الكلاب. لا تشبه الأرواح الوحوش المخيفة والمنازل المتهالكة. فهي غالباً ما تكون أسلافاً يجب على الأحياء ابداء الاحترام لهم، ليتذكروهم ويقدموا لهم العروض حتى لا يعانوا في حياتهم القادمة.

لقد رفضت مثل هذه المعتقدات. ومع مرور السنوات، بدأت أسمع المزيد من قصص الأشباح، ليس فقط من الكمبوديين ولكن أيضاً من أصدقائي المغتربين. كان هناك شبح يقوم بإيقاظ صديقتي ويهزها في الليل ولا يتوقف حتى تقول لها كلمات مريحة: "ستكون بخير. لا يمكنني أن أؤذيك". كان هناك صديقة تعمل في وزارة الخارجية استيقظت في غرفة الفندق في ليلة ما ورأت رجلاً يمشي عبر الأرضية ويختفي. في الصباح، قال لها زوجها إنه رأى الرجل أيضاً.

ثم في يوم من الأيام، بعد 30 عاماً من وفاة والدتي، جاءت روحها إلي في شقتي. كان موسم الأمطار، وكان الضوء في غرفة المعيشة ذو لونٍ أصفر مائلٍ إلى البُرتقالي، وكنت وحدي. ماذا تقول عندما يعود الشخص الذي تحبه أكثر من أي أحد في العالم؟ قلت لأمي كم فاتها من حياتي، وأخبرتها عن الأقارب الذين توفوا. تحدثت بصوت عالٍ إلى الهواء الرطب.

وبعد ذلك، عرفت أن هناك سؤالًا واحدًا فقط كان لدي حقًا لها. "أتمنى أن تكوني هنا"، قلت، "لتساعديني في اتخاذ قرار ما إذا كان يجب عليّ أن أنجب طفلاً".

 

بعد سماع إجابتها، شعرت بنوع من الارتجاف في جسدي، وبدأت بالشعور بأن بعض الحيل التي كانت تحكم حياتي تنهار. لقد قال لي الأصدقاء الذين لديهم أمهات أحياء منذ سنوات: إنه لا توجد مبادئ حقيقية، فإن الإجابات تأتي من داخلنا. يبدو ذلك واضحاً جدًا الآن، ولكن مجرد سماعها تقول ذلك كان كافياً للتخلص من النقص الذي كان يحدد حياتي. كنت أتشبث بفكرة تقول إنني جاهلة وسأظل جاهلة بشأن نفسي، أنني فقدت فرصتي في العيش كامرأة.

هذا ما قالته والدتي: حتى لو كنت موجود معك، لا أستطيع مساعدتك في هذا القرار.

ولدت ابنتي بعد عامين، في أحد المستشفيات. عدنا إلى موطننا عندما كانت طفلة صغيرة. وعند عودتنا، قررت أن أعرّف ابنتي على جدتها وجدها. كنت أنا وأبي وزوجته الثانية نتشاجر ونسبب لبعضنا الكثير من الألم على مدار السنوات، ولكنني لم أعتقد أنه من العادل السماح لابنتي بورلثة هذه المشاجرات. يمكن لابنتي أن تختار حب جدتها وجدها أو عدم حبهم، ولكن الخيار سيكون لها.

لذلك، زرناهم سنوياً. كان أبي يأخذ ابنتي إلى المتاجر الضخمة للتجول في الممرات، ثم يأكلون الآيس كريم.

ظهر سرطان زوجة والدي بعدها بأعوام. سرطان القولون والمستقيم. اتصل بي أبي وقال: "نحن بحاجة إلى بعض المساعدة". ذهبت بأسرع ما أستطيع. كنت أطبخ حساء الفطر لهم ليقوموا بتجميده عندما جاؤوا إلى منزل أخي، حيث كنت أقيم. كانت لدى زوجة والدي أنابيب تخرج من العديد من الأماكن المختلفة التي لم أتمكن من تتبعها جميعاً، لكنني سمعتها تصطدم ببعضها بلطف. كانت تحمل وسادتها الخاصة. كانت تمرر يدها عبر شعرها، ثم تنظر في راحة يدها وينكمش وجهها.

 

"كانت أمك شجاعة جدًا، يا رشا" همست، لم أسمعها تتحدث عن أمي من قبل. شعرت فورًا بأنه حديث مقدس، نساء يهمسن إلى بعضهن البعض من كون آخر، وحياة أخرى...

سألتها عن كيفية شعور السرطان في جسدها. كان سؤالًا جريئاً من شخص لم يكسب حق المشاركة في مثل هذه الأمور الحميمة. لكنها لم تبدو متفاجئة أو ترفض الإجابة. بدلاً من ذلك، بدأت في التحدث. قالت لي إنه ليس جسدها بعد الآن، وحتى لو تعافت بمعجزة ما، فإنه لن يكون جسدها مرة أخرى، وليس الجسد الذي عرفته مرة واحدة. تحدثت إلي أكثر في تلك الليلة الأولى مما تحدثت به خلال سنوات عديدة... كان لدينا اتصالات بانتظام بعد ذلك، عدة مرات في الأسبوع. كنت أطير لزيارتها مع ابنتي أو بدونها. رأيتها شهرًا بعد شهر حيث سيطر السرطان على المزيد من جسدها. كان جسدها شجرة صغيرة، وركبتيها كالأضواء القوية. كان وزنها 41 كيلوغرام... قمت بتنفيذ مهام مع والدي يوماً ما، وقلت له: "لا أحد يتحدث عن أمي"، وأعني أمي الحقيقية. "لم أكن أعلم أنها توفت بسبب السرطان لسنوات".

لم تفعلي؟ لكن كل تلك الرحلات إلى المستشفى وخارجها. كل تلك العلاجات الكيميائية."

"كنت أعلم أنها مريضة. لم أفكر يوماً إلا أنها ستظل مريضة. لم أكن أعلم أنها قد تموت."

فهمت حينها ما كانت تعرفه زوجة والدي طوال الوقت: أنها كانت تسمح لي بطرح جميع الأسئلة التي لم أتمكن من طرحها على والدتي الحقيقية. قالت مرة: "أنا آسفة جداً لأنك تمرين بهذا مرة أخرى." شعرت بامتنان لهذا الشريط المكمل للأمهات، كيف أن واحدة قادتني إلى الأخرى، وأن الأخرى قادتني مرة أخرى.

سألت زوجة والدي: "هل أنت خائفة؟" لقد عادت للتو إلى المنزل بعد زيارة أخرى للمستشفى.

"كنت خائفة"، أخبرتني. لكن بعد ذلك جاء القس وتحدث إليها وإلى والدي، وأخيراً قالت لوالدي: لا أكثر. قالت له إنه لا يزال يمكن أن يأمل، وستأمل هي أيضًا، بحدوث معجزة. لكن في هذه الأثناء، قالت إنها تشعر بأنها مستعدة وأنها تحتاجه ليكون معها. قالت إن ملاكها كان في غرفتها طوال الأسبوع؛ كانت تستطيع رؤيته بوضوح كما تستطيع رؤيتي الآن. فكرت في كيف أن الموت في كمبوديا هو مجرد نهاية لدورة، مما يتيح المجال للبدء من جديد.

ساعدتها على الذهاب إلى المرحاض وأشارت إلى ندبات عمليات القيصرية الأربعة التي لديها. ثم سألتني إذا كنت أملك واحدة. فتحت زر بنطالي وخفضته قليلاً. "أصبحت أفضل، أليس كذلك؟" قالت. هنا نلتقي، نحن النساء وأجسادنا. حكيت لها قصة ولادة ابنتي وقالت: "أعجبتني تلك القصة، رشا." انخفضت على ركبتي على الأرض ووضعت رأسي على سرير المستشفى بجانب وركها. ووضعت يدها علي.

ثم قالت: "هل يمكنني التحدث إليك عن الرب؟ يجب أن أفعل ذلك لأنه كل حياتي."

أومأت برأسي.

كانت الملائكة الحارسة على جانبيها الأيمن والأيسر في تلك اللحظة. كانت تستطيع رؤيتهم. لم يتحدثوا، إلا مرة واحدة ليقولوا إن كل شيء سيكون على ما يرام. أردت فقط أن أعرف أنها تستطيع رؤيتهم، ملائكتها، وأنهم جاءوا لمساعدتها في رحلتها إلى أي مكان وأي شيء يأتي بعد ذلك.

أومأت برأسي، استمعت. صدقتها. بالطبع فعلت. نسافر مع أشباحنا. من الأفضل لقيادتنا إلى ما يأتي بعد ذلك؟ حياتنا القادمة، جنتنا، ميلاد ابنة، أم جديدة، أم قديمة.

فهمت حينها. لم تكن تروي لي قصة عن الإسلام أو الإيمان أو الروحانية. لم تكن تروي لي حتى قصة عن الله. كانت تروي لي فقط قصة حب. وكنت جزءا منها.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

7

متابعين

8

متابعهم

19

مقالات مشابة