خطأ لا رجوع فيه الفصل الاول

خطأ لا رجوع فيه الفصل الاول

0 المراجعات

خطأ لا رجوع فيه

 

 

 

الفصل الاول

 

 

بصراحةا نا متعودة على نوع حكايات معينة بحب اتابعها ولو كتبت بحب اكتب عنها كمان، لكن مش عارفة ايه اللى خلاني اقرر اكتب الحكاية دي، برغم اني لما افتكرتها محسيتش بأى راحة لكن حبيت احكيهالكم، كنت سهرانة قدام التليفزيون بتفرج على فيلم عربي اول مرة اشوفه، مش هقدر اقول اسمه الحقيقة لأني محبش ابقى بنشر حاجة ممكن تركبني ذنب، برغم ان الفيلم مصنف اثارة الا اني لقيت منه حكاية شبه حقيقية حصلت فى نفس المنطقة اللى كنت ساكنة فيها زمان، واحدة من بطلات الفيلم ده كانت برغم طبيعيتها وجمالها العادي ان لم يكن الاقل من العادي الا ان كل اللى حواليها بيحبوها، ظروفها ووضعها وطيبتها وبرائتها كانوا سبب فى ان بيوت المنطقة كلها تكون مفتوحة ليها، البلطلة دي كان كل اللى حواليها بيقول عليها عبيطة، اطفال المنطقة اللى هي ساكنة فيها لما بينادوا عليها كانوا لازم يلقبوها بالعبيطة علشان الناس يعرفوا مين المقصود، الكلمة سخيفة ومهينة لكن لأنها اطيب من انها تزعل من حاجة او من حد كانت بتبسم وبس، قالت جملة لواحد من الممثلين:

  • ربنا بيعمل حاجة علشان خاطر حاجة تانية.

البطلة دي برغم طيبتها وغُلبها وفقرها الا ان اهل المنطقة محدش منهم سايبها من غير اكل، من غير هدوم، اه محدش بيشتري جديد لكن اللى عنده حاجة بيفتكرها بيها، وهي كانت قنوعة وبتفرح بأقل حاجة، البطلة دي مامتها وابوها ماتوا وهي طفلة فى حادثة وجدتها هي اللى فضلت عايشة، برغم انها بيتقال عليها عبيطة الا انها هي اللى مسؤولة عن جدتها وبتعرف تخدمها وتغيرلها وتحميها كمان وقدرت من صغرها تتحمل حاجات مفيش واحدة كبيرة وناضجة وبكامل عقلها بتتحملها بسهولة، خاصة ان الجدة دي كان لها ظروف صحية خاصة بتمنعها من الحركة اصلا، اتكلمت البطلة وقالت جملة تانية من اللى فكرتني بالبطلة بتاعت حكايتي:

  • انا مش زعلانة من حد، كل الناس بتقول عليا عبيطة، لكن انا مش زعلانة، انا عارفة ان ربنا اختار اني افضل عايشة علشان مسيبش ستي لواحدها، وربنا مش بيعمل حاجة وحشة...انا بس كان نفسي يسيبلي امي...حتى لو كان اخد مكانها ستي.

كتير زي البطلة دي موجودين وسطنا، وبين كل الناس اللى بيساعدوها كان فيه حد جواه عكس اللى باين عليه، وبدل ما يساعدها اذاها، معملهاش حاجة لكن كان حابب يعمل، وبرغم انهم قالوا عليها عبيطة الا انها قدرت تحمي نفسها وتصرخ وتسمع الدنيا كلها بيه، فى الوقت ده استغل وضعها واللى معروف عنها وابتدا يرمي عليها التهم اللى محدش فى المنطقة كلها قدر يصدقها، بالعكس بدل ما يصدقوا العاقل المحترم الواعي، صدقوا البنت اللى برغم انها تخطيت ال18 سنة مثلا لكن لسه بعقل وبراءة طفلة بعمل ال6 او 7 سنين، برغم اني مش من هواة الممثلة دي ولا بحب اتفرج على حاجة هي فيها، لكن لأول مرة اشوفها بتجسد شخصية حقيقية شوفتها قدامي، ايوة....شيماء...شيماء العبيطة.

 

بطلة حكايتي اسمها شيماء، كنا من نفس المنطقة، اطفال لكن هي مكانتش من الاطفال اللى بلعب معاهم فى الشارع، كانوا من الناس اللى تحت خط الفقر بخطين تلاتة كده، وده كان بيخليها علطول هدومها مقطعة ومنكوشة وشكلها مبهدل، والحقيقة مش غباء مني والله او حاجة بس انا كنت بخاف اتعامل معاها لأن حتى الناس اللى هي بتلعب معاهم بنفس الوضع بتاعها بالظبط، كنت صغيرة ومش فاهمة حاجة، وانا طفلة مكنتش فاهمة في ايه ولا ايه وضعهم وحكايتهم لحد ما وصلت لأولى اعدادي مثلا وكنت اشوفها وهي قاعدة على باب الشارع بتاع البيت اللى ساكنة فيه وبتتفرج على العيال وهما رايحين المدرسة، الغريبة ان حتى اخواتها كانوا بيروحوا المدرسة لكن هي لاء، وفى يوم مرات عمي كانت عندنا ومش عارفة ايه اللى فتح الكلام ولقيت نفسي بقولها:

  • طيب وهي ليه طنط سعدية مش بتخلي شيماء تروح المدرسة مع اخواتها؟

مرات عمي تعرف سعدية دي لانهم بلديات من الارياف، وبيتكلموا مع بعض كتير وعلشان كده من الساعه دي عرفت كل حاجة عن شيماء، اتكلمت مرات عمي وقالتلي اللى وجع قلبي:

  • شيماء دي امها وابوها ولع بيهم البيت وهي مع ستها فى السوق، كانت عندها 4 سنين، فى الوقت ده لما رجعت ستها وشافت بنتها نازلة من البيت مش باينلها ملامح وفارقت الدنيا من قبل ما الاسعاف توصل حتى، الولية اتجلطت وقعدت فى المستشفى شهر وربنا افتكرها.

برقت عيني بزعل:

  • طيب وشيماء؟ ابوها عاش ولا مات؟ راحت فين وستها تعبانة؟

مرات عمي:

  • ابوها مات بعد ما دخل المستشفى ب3 ايام، والبت اخدتها سعدية من يوم الحريقة ولحد دلوقتي، بس سعدية حالها على قد القد، واهل جوزها هما اللى مدخلين بناتها المدرسة وشارطين عليها انهم مش هيكملوا بعد الاعدادية وبعد كده تدورلهم على شغلانة، فطبعا ده خلاها متقدرش تدخل شيماء مدارس، كفاية عليها انها قادرة تأكل شيماء وبناتها الاربعة.

اتصدمت من اللى عرفته:

  • انا كل ده كنت فاكرة ان شيماء بنت طنط سعدية.

مرات عمي:

  • بنت غلبانة، عقلها على قدها، بتاعت ربنا.

مفهمتش الكلمة وسألت:

  • يعني ايه؟ بتصلي قصدك يعني؟

مرات عمي بتضحك:

  • لاء يا حبيبتي، هي تحسيها مبروكة كده، مش عايزة اقولها احسن اركب ذنب، بس طيبة بهبل، عقلها مش بيكبر، لكن ربنا حارسها.

زعلت من نفسي جدا:

  • انا كنت بخاف العب معاهم، بخاف اكلمهم.

مرات عمي:

  • ماهو بلاش تلعبي معاهم فعلا، بصي برضو هما اخلاقهم وتربيتهم مختلفة عنك، هما مش هيتعلموا منك، وانتي مش هينفع تتعاملي بطريقتهم، لكن اللى مينفعش تعمليه خالص بقى هو انك تخافي منهم، دول غلابة والعالم بحالهم ربنا.

انا من الناس اللى دمعتها قريبة زيادة عن اللزوم، صعبت عليا شيماء جدا، برغم ان مرات عمي قالت ان سعدية حاولت على قد ما تقدر تراعي ربنا فى شيماء، لكن اللى حصل فيها وحالها وجعني، خوفي منها وبعدي عنها وجعني، بقيت بعيط وبس، ازاي انا كنت غبية للدرجة دي؟ استحقرت نفسي اوي، بس برضو هما لعبهم فى الشارع  والفاظهم خلتني معرفش اقرب منهم، لكن كل اللى عملته هو ان اى هدوم عندي اقول لماما:

  • شوفي يا ماما الحلو فيهم وينفع شيماء اديه لمرات عمي تديهولها.

ده بالنسبالي اللى قدرت اساعد بيه، اما ماما بقى كانت بتحاول على قد ما تقدر انها تعمل معاهم الخير، بس برضو احنا ظروفنا العادية يعني مش احسن حاجة، نظرتي ليها اختلفت وبقيت كل ما اشوفها اعيط، اتخيلها وهي صغيرة وشايفة الاطفال مع امهاتهم وابهاتهم، حتى لو بنات سعدية كمان باباهم متوفي من سنين بس على الاقل مامتهم معاهم، ليهم حد متكفل بيهم نوعا ما حتى لو بالعافية لكن موجود اهل، شيماء اللى تكفلت بيها جارة العالم بحالها ربنا، طبيعي جدا تبقى مبهدلة وحدش واخد باله منها، ماهي سعدية بتشتغل علشان تقدر تأكلهم، ولو معاها قرش زيادة طبيعي جدا بناتها هيكونوا فى الاولوية، كويس انها مرميتهاش فى ملجأ، انا لحد دلوقتي بعيط لما اتخيل انها كانت تبقى تعبانة ومحتاجة حضن يخفف عنها واتخيل انها كانت مش بتلاقيه، طيب لو خايفة مين اللى كان بيطمنها؟ طيب بتاكل وبتشبع ولا بتستنى بنات سعدية يخلصوا الاول وتاكل لو فضل اكل؟ كل حاجة بتيجي فى بالي من ناحيتها كانت ولازالت بتخليني اعيط لما افتكرها واحس اني شايفاها قدامي، شوفوا كل اللى بحكيه ده، هي كانت متصالحة جدا معاه، عمري ما شوفتها بتبص لحد بحقد، مبتسمة دايما، حتى عنيها المطفية كانت بتبص للأطفال وهما رايحين المدرسة او وهما لابسين لبس العيد بأبتسامة، اه ابتسامة ناقصها حاجة....حاجات، لكن مبتسمة، كنت استغرب جدا انها مش بتقول لاء لحد على اي حاجة، الاقي طنط سميرة تنادي عليها:

  • بت يا شيماء، تعالي هاتيلي عيش من الفرن.

تجري شيماء بأبتسامة حلوة تاخد شبكة العيش والفلوس وتروح على الفرن، تغيب وقت طويل جدا وفى الاخر تيجي جايبة عيش، كنت استغرب هي ليه بتتأخر كده، كانت طنط سميرة تقول:

  • تلاقيها بتلعب مع العيال.

لحد ما فيه مرة روحت اجيب لماما عيش فى الاجازة وكانت هي واقفة فى الفرن، اليوم ده انا عرفت هي بتتأخر ليه، كانت تبقى واقفة عنيها بتلف حواليها، بتتفرج على الناس وبتضحك، اللى انا مفهمتهوش غير لما اتحكالي تقريبا كان واضح لكل الناس اللى حتى ميعرفوهاش، علشان كده كانوا بيستغلوا طيبتها دي ولقيت واحدة ورا التانية ييجوا يقفوا مكانها ويقولوا بمنتهى البجاحة:

  • انا مستعجلة، اقفي انتي ورايا.

وغيرها تقول:

  • انا حاجزة قدامك هنا وروحت اجيب حاجات.

واللى تيجي تقف قدامها من غير ما تتكلم اصلا، اليوم ده مقدرتش اعمل حاجة مع كل اللى عملوا كده، لكن روحت لشيماء وقولتلها:

  • هاتي الفلوس انا هجيبلك العيش يا شيماء.

ضحكت ورديت عليا وقالتلي:

  • اقعدي على الرصيف علشان متتعبيش وانا اجيبلك.

قالتلي الجملة دي لقيت قلبي وجعني وعيني دمعت، ايه اللى شايفة انها مطلوب منها تريح بنت فى سنها تقريبا من غير اي اسباب؟ صعبت عليا انها شافت ان غيرها المفروض يكون مرتاح وموفر مجهوده وهي اللى تقوم بالدور بتاعه، برغم ان دموعي نزلت ومقدرتش اتكلم الا انها قالتلي بأبتسامة:

  • انتي عيانة ولا ايه؟ انتي زعلتي مني؟ انا بس مش عايزة رجلك توجعك، اصل انا كل يوم بقف الطابور ده كله لحد ما رجلي توجعني.

عيطت...عيطت وقتها وعيطت دلوقتي وانا بحكيلكم، مش هقدر اوصفلكم مدى الطيبة والسذاجة اللى كانت فيها، حاولت اتكلم لكن مقدرتش الحقيقة، مسكت ايديها طبطبت عليها ومسحت دموعي فى كم التيشيرت بتاعي وقولتلها:

  • لاء، انا هجيب العيش النهاردة، يلا اقعدي انتي بقى استنيني.

فى اللحظة دي لقيتها عملت تصرف مش قادرة انساه ابدا، بمنتهى السعادة والابتسامة الحلوة حضنتني وباستني من خدي وقالتلي:

  • ربنا يحبك يارب.

 

 

يتبع

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

57

متابعين

8

متابعهم

5

مقالات مشابة