بحر الصين وجزائره وما به من العجائب و الغرائب
يسمى هذا البحر بأسماء عديدة بحر الصين وبحر الهند وبحر صقجي وهو متصل بالمحيط من المشرق وليس على وجه الأرض بحر أكبر منه إلا المحيط وهو كثير الموج عظيم الإضطراب بعيد القعر فيه المد والجزر كما في بحر فارس ويستدل على هيجان هذا البحر بأن يطفو السمك على وجهه قبل هيجانه بيوم واحد ويستدل على سكونه ببيض طائر معروف يبيض على وجه الماء في مجتمع القذى وهو طائر لا يأوى الأرض أبدا ولا يعرف إلا لجة البحر وفي هذا البحر مغاص اللؤلؤ يطلع منه الحب الجيد الذي لا قيمة له وفي هذا البحر من الجزائر ما لا يعلمه إلا الله عدداً إلا أن بعضها مشهور يصل إليه الناس قيل إن فيه إثنى عشر ألف جزيرة وثلاثمائة جزيرة عامرة مسكونة وبها عدة ملوك وفي بعض جزائره ينبت الذهب و ويكثر في بعض السنين ويقل في بعضها كالنبات.
( فمن جزائره جزيرة زانج ) وتشتمل على جزائر كثيرة في آخر حدود الصين وأقصى بلاد الهند عامرة خصبة ليس فيها خراب يسافرون فيها بلا مال ولا زاد لكثرة الخصب والعمارة وهي نحو مائة فرسخ. قال محمد بن زكريا : وملك هذه الجزيرة يسمى المهراج وله جباية تقطع في كل يوم ثلاثمائة من الذهب كل من ستمائة درهم فيتحصل له في كل ما يزيد على مائة ألف مثقال وخمسة وعشرين ألف مثقال يتخذ منها لبنا ويطرحه في البحر وهو خزانته . وقال ابن الفقيه بهذه الجزيرة سكان تشبه الآدميين الى إلا أن أخلاقهم بالوحوش أشبه ولهم كلام لا يفهم وعندهم أشجار وهم يطيرون من شجرة إلى شجرة وبها نوع من السنانير الوحشية حمر منقطة ببياض أذنابها كأذناب الظباء وبها أيضا نوع من السنانير المذكورة ولها أجنحة كأجنحة الخفاش وبها أبقار وحشية حمر منقطة ببياض أيضاً ولحومها حامضة وبها دابة الزباد وهي كالهرة وفأرة المسك وبها جبل يقال له النصان مشهور به . وبه حيات عظام تبتلع الفيلة وبه قردة كأمثال الجواميس والكباش الكبار. ومن القردة ما هو أبيض كالقرطاس ومنها ما هو أبيض الظهر أسود البطن وبالعكس .ومنها ما هو أسود كالفأر وبها من الببغا وهي الدرة شيء كثير بيض وحمر وصفر وخضر ويتكلمون مع الناس بأي لسان سمعوه منهم وبها خلق على صورة الإنسان وهم بيض وسود وشقر وخضر يأكلون ويشربون ويتكلمون بكلام لا يفهم ولهم أجنحة يطيرون بها.
حكى ابن السيرافي قال كنت ببعض جزائر الزانج فرأيت وردا كثيرا أحمر وأ بيض وأزرق وأصفر وألوانا شتى فأخذت ملاءة وجعلت فيها شيء من ذلك الورد الأزرق ، فلما أردت حملها رأيت نارا في الملاءة فأحرقت جميع ما كان فيها من الورد ولم تحترق الملاءة فسألت الناس عن ذلك ، فقالوا : إن في هذا الورد منافع كثيرة ولا يمكن إخراجه من هذه الغياض بوجه أبدا وفي هذه الجزيرة شجر الكافور وهو شجر عظيم هائل تظل كل شجرة مائة إنسان وأكثر ، وفي هذه الجزيرة قوم يعرفون بالمخرمين مخرمة آنافهم ، وفيها خلق فيها سلاسل إذا جاءهم عدو لمحاربتهم قدموا أولئك المخرمين متسلحين ويأخذ كل رجل بطرف سلسلة من تلك الرجال المخرمة يمنعه بها من التقدم إلى العدو فإن انتظم صلح بين العدو وأهل الجزيرة فلا يفلتون السلاسل وإن لم ينتظم صلح لفت تلك السلاسل في أعناقهم وأطلقوهم على العدو فيحطمون العدو حطمة واحدة ويأكلون منهم كل من وقعت أعينهم عليه ولا يثبت لحطمهم أحد أبدا .