قتلتني مرتين: الجريمة الغامضة - حلقة ٣
جلس حسام فوراً و عيناه تراقبان ملامح اللواء شمس في محاولة منه ليستشف ما يريده منه في ذلك الوقت المتأخر، و لم يلبث أن نهض الأخير من مكانه و أستدار و أعطي ظهره لحسام و وقف أمام تلك النافذة الصغيرة في مكتبه عاقداً كفيه خلف ظهره و هو ينظر في شرود إلي الخارج، قبل أن يلوح بيده في الهواء قائلاً:
طبعاً مفيش جديد في قضية نبيل سيف الدين ....
ابتلع حسام ريقه بصعوبة شديدة، قبل أن يجيب في توتر بلغ أشده:
سيادة اللواء احنا مش بننام و شغالين ليل نهار و ....
إلتفت إليه اللواء شمس مقاطعاً إياه في عصبية بلغت ذروتها:
و النتيجة إيه يا باشا ها؟ النتيجة ايه؟
داخلين علي شهر و موصلناش لطرف خيط واحد نقدر منه نحدد احنا بنتعامل مين بالظبط؟
لما حد يتصل يبلغنا عن جريمة قتل في محطة مصر و بعدها بيومين حد تاني يتصل يبلغنا عن جريمة في الساحل، و في الآخر نكتشف إن في صلة بين القتيلين، اللي واحد فيهم من ولادنا و التاني مش بس أبوه لأ ده رجل أعمال مهم جدا في البلد، لأ و مش بس كدة، دا كمان سايبلنا الخيط اللي يعرفنا إن في ربط بين الجريمتين و صلة بين القتيلين و طبيعي هيكون هو نفس الشخص اللي بلغ في الحالتين ....
مين اللي يقدر يعمل كل ده؟ و ليه؟
استجوابنا لكل اللي ليهم صلة حتي و لو من بعيد بآدم و نبيل من أصحاب و أقارب و جيران خصوصاً أصحاب الفيلات اللي حوالين فيلا القتيل .. كل ده للأسف مطلعناش منه بأي نتيجة ....
بقية جثة آدم فين؟
الموضوع بقي قضية رأي عام .... الإعلام و الصحافة مش هيرحمونا .. و كل يوم كلام كلام عايزين يعرفوا الحقيقة! ..
إجابات لأسئلة إحنا نفسنا مش لاقيين ليها إجابات و لا تفسير
أنا طلبت حظر النشر عشان نقدر نعيد حساباتنا و تقييمنا للأمور من جديد بهدوء ....
واضح إننا ماشيين في إتجاه غلط و محتاجين نعيد البحث و التحقيق من تاني في القضية .. عشان كدة عايزك تتفضل تروح دلوقتي و تجيلي بكرا الصبح بدري فايق و مركز عشان عندنا إجتماع مهم .. يلا اتفضل ....
لم يجرؤ حسام أن يقاطعه بحرف واحد، فهو مدرك أن الحق كل الحق معه، و ما إن انتهي من حديثه، حتي نهض حسام من مقعده مؤدياً التحية بصوت مبحوح من فرط توتره:
تمام يا فندم ....
قالها و غادر المكتب فوراً، و توجه بسرعة البرق إلي مكتبه و أخذ يرتب أوراقه و ملفاته المبعثرة هنا و هناك، و ....
و غادر بعدها مبني المديرية و استقل سيارته الفضية ماركة (كيا - سيراتو) عائداً إلي منزله، و هو يعلم أنه لابد أن يحظي بقسط وافر من النوم في الساعات القليلة القادمة قبل أن يعود باكراً إلي مكتبه حيث ستنتظره ساعات بل أيام طويلة من العمل و الله وحده أعلم متي سينعم بتلك الساعات القليلة من النوم مري أخري؟ ....
و عندما وصل إلي منزله و دخل شقته كان علامات الإنهاك قد بلغت منه مداها ... فلم يستطع حتي تغيير ملابسه، فسألته زوجته التي استقبلته و هي تحمل في نظراتها كل تعاطف و إشفاق الدنيا: - حبيبي مش هتاكل
فرد عليها في تعب و إرهاق شديدين:
أمل .. مش قادر بجد .... تعبان و محتاج بس أنام، عشان أصحي الصبح بدري عندي إجتماع مهم
نظرت إليه في حب و حنان و هي تجيب:
و لا حتي هتغير هدومك و تاخد شاور يفوقك ....
أجابها بنفس اللهجة و هو يتلفت حوله:
مش هقدر .. لما أصحي إن شاء الله .. أمال فين محمد؟
أجابته بإبتسامة حاولت أن تبعث بها الدفء و الراحة بداخله و هي تقول:
قعد مستنيك كتير و لما اتأخرت نمت ....
يبدو أنها نجحت في ذلك، حيث أقترب منها و ضمها إليه في رفق و قام بتقبيلها قُبلة كم كانا كليهما بحاجة إليها، و استغرق الأمر ثواني قليلة، ثم نظر إلي عينيها مباشرة نظرة حانية حملت كل حب الدنيا قائلاً:
إن شاء الله هعوضك عن كل لحظة بكون فيها بعيد عنك و عن إبني .. قالها و قام بضمها إليه بحنان جارف مُقبلاً إياها بشدة تلك المرة، ثم تركها في هدوء و قد إغرورقت عيناها بالدموع، في حين دخل هو إلي غرفة النوم و استلقي بظهره علي السرير، و رغم من اللحظات الرومانسية التي لم تمض لحظات قليلة علي مرورها، إلا أنه لم يستطع أن يمنع عقله قط من التفكير في كل تفصيلة من تفاصيل تلك القضية ....
لقد حاول .. و حاول .. و ....
و فشل ....
و استسلم في النهاية إلي نومٍ عميق ....