رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ٢٠

رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ٢٠

0 المراجعات

لم تكن مجرد كلمات، فلقد ميزتها أذني و تعرفت عليها ذاكرتي، كثيرا ما كنت أقرأها و أتأمل في معانيها الجميلة، تلك الكلمات التي كان لها أجمل ذكريات في حياتي حينما كنت أهوي القراءة و أنا صغيرة جالسة بجانب أبي الذي كان دائما ما يشجعني علي ذلك، فقد كانت مقتطفات من رُباعيات الخيام للشاعر الفارسي عُمر الخيام، و هي مجموعة من القصائد الشعرية تتراوح بين الإيمان والإلحاد وبين الدعوة للمجون والدعوة للهو وبين طلب العفو من الله عزّ وجلّ وإعلان التوبة، فالقصيدة تناقش وتحاور كل مايدور بالنفس البشرية بين الحياة وزهوها و مغرياتها و الاخرة و وعود الجنة لمن ابتعد عن ملذات الحياة المغرية و المحرمة و انقضاء حياة الانسان قبل ان يتلذذ بمباهج الحياة وهل الانسان مسير ام مخير، لذلك فقد مسَّني ما سمعت بشدة، و قررت فوراً مغادرة غرفتي و النزول إلي أسفل و التوجه بسرعة إلي ساحة الدير لأري صاحب هذا الصوت العذب الذي حتماً يعي و يفهم ما يقول، فتلك ليست مجرد كلمات أو أغنية مثلاً، إنها من أعظم القصائد التي قرأتها، و حتماً من قرأها و ينشدها بهذا الصوت الجميل هو شخص مميز للغاية، و لكن تري من يكون هذا المميز و ما الذي أتى به إلي هنا و ....
و وقعت عيني عليه ....
شاباً وسيماً ذو بشرة سمراء متوسط الطول، و كان يحمل بعض الألواح الخشبية الرقيقة متوجهاً إلي إحدي الكبائن الخاصة بالدير و التي يتم توزيع عُمَّال الدير بها ....
و يبدوا أنه أحد العاملين بالدير و لكن لا أعلم بالضبط ما نوع العمل الذي يقوم به؟
طوال ساعة كاملة إكتفيت بمراقبته من بعيد دون أن يلاحظ وجودي، و غربت شمس اليوم و بدأ الظلام يتسلل شيئاً فشيئاً، و بدأت الكشافات الموجودة حول ساحة الدير و داخله بالإنارة، هذا إلي جانب ضوء القمر الذي كان  بدراً مكتملاً يومها، أخيراً يبدو أنني بدأت أميز طبيعة عمل هذا الوسيم صاحب الصوت الجميل ....
كان جالساً أمام ما تبدو و كإنها لوحة للرسم .... 
نعم إنها كذلك بالفعل ....
لقد كان رسَّاماً ....
‌هذا هو الرسَّام الذي سمعت عنه و من يرسم اللوحات الزيتية خاصة بمكتبة الدير و التي كان يتم تجديدها آنذاك ....
و فجأة توقف صوته و يبدو أنه كان منهمكاً في الرسم و ....
و لكن مهلاً ....
أين أختفي؟ لم أعد أراه ....
الكابينة خالية ....
لا أثر لوجوده ....
كيف؟
لقد كان أمام عيني منذ لحظات قليلة ....
وقفت لبضع دقائق أتلفت يميناً و يساراً بحثاً عن ما إذا كان قد ترك مكانه ليحضر بعض أدواته الموجودة بالجوار، و ما إن أستدرت خلفي حتي شهقت شهقة قوية شقَّت سكون الليل و هوي قلبي بين ضلوعي بينما كانت يداً توضع علي فمي و صوتاً بالغ الرقة يقول بهدوء شديد هدأ من روعي قليلاً:
أصمتي ..
لا داعي لكل تلك الرهبة ..
اهدئي فأنتي بأمان ..
و ظلت يده علي فمي للحظات أخذ بعدها يمررها علي وجهي ....
كأعمي يراني بلمسات أنامله ....
أخذ يلمس خدي و شفتاي بيده بينما تعلقت عيناه بعيني ....
سرت في جسدي قشعريرة باردة، و بينما كان يسحب هو يده في رفق وجدتني و قد أمسكت بها مرة أخري عائدة بها إلي وجهي، و قمت بضمها إلي شفتاي بشدة، و لم أعد أدري ما أفعل فقد قمت بتقبيلها ....
مرة .... ثم مرة .... ثم مرة ....
بينما لم يحرك هو ساكناً ....
علي الإطلاق ....

تابع

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

613

followings

116

مقالات مشابة