حين تناديك النجوم
في مدينة ساحلية هادئة، حيث يمتزج صوت الأمواج بنسيم الليل العليل، كانت “ليلى” تقف على شرفة منزلها المطل على البحر. لم تكن تلك الليلة عادية، فقد كانت السماء مضاءة بنجومٍ أكثر إشراقاً من المعتاد، وكأنها تبث رسائل خفية لا يفهمها سوى من يتأملها بعمق.
كانت ليلى تحمل بين يديها دفتر مذكراتها الذي خطّت فيه كل ما عجزت عن قوله للعالم. كانت تعيش بين الكلمات، تصنع لنفسها عوالم خيالية هرباً من الوحدة التي أحاطت بها منذ سنوات.
لكن تلك الليلة، تغير كل شيء.
في الجهة المقابلة من الشارع، انتقلت عائلة جديدة للسكن في المنزل القديم المهجور. وبين صناديق الأثاث وأصوات التحركات، لفت نظرها شابٌ طويل القامة، بشعرٍ بني غامق وعينين بلون العسل، كان يحاول بحذر إدخال بيانو كبير إلى المنزل. بدا وكأنه ينتمي لعالم مختلف، شخص غامض يحمل بين طياته قصة تنتظر أن تُروى
لم تستطع ليلى أن تزيح عينيها عنه. شعرت وكأن النجوم نفسها تشير إليه، وكأنها تهمس لها بأنه سيكون جزءاً من حكايتها القادمة.
في صباح اليوم التالي، بينما كانت تتجول على الشاطئ، اصطدمت به صدفة. ابتسمت بخجل وهي تحاول الاعتذار، لكنه سبقها بالكلام:
“لا بأس… أنا كريم. أنتِ تسكنين في المنزل المقابل، أليس كذلك؟”
تلعثمت للحظة ثم أجابت:
“نعم… وأنا ليلى.”
ابتسم وقال:
“سررت بلقائك، ليلى. يبدو أن هذا المكان يحمل الكثير من المفاجآت.”
ومن تلك اللحظة، بدأت فصول حكاية لا تنسى، حيث يكتشف كل منهما أن القدر أحياناً يخبئ لنا أشخاصاً يغيرون مسار حياتنا بأكملها
حين تناديك النجوم (الفصل الثاني)
مرّت الأيام ببطء، لكن لقاءات ليلى وكريم أصبحت تتكرر بشكل غير متوقع. كان كريم يعزف ألحانه على البيانو بصوت خافت يصل إلى مسامع ليلى في منتصف الليل. لم تكن تعرف كيف يُحرك مشاعرها بتلك الألحان، لكنها شعرت وكأن كل نغمة تُداعب قلبها.
ذات يوم، وبينما كانت ليلى تجلس على الشاطئ كعادتها، وجدت كريم يتقدم نحوها حاملًا كوبين من القهوة.
“هل تمانعين أن أنضم إليكِ؟” سأل بابتسامة دافئة.
هزّت رأسها بالإيجاب، وأشار إلى مكان بجانبها. جلس كريم بهدوء، ثم قال:
“أنتِ دائمًا هنا… لماذا تحبين الشاطئ إلى هذا الحد؟”
أجابت ليلى وهي تنظر بعيدًا نحو الأفق:
“أشعر وكأنه يسمعني… كل شيء حولي صامت، لكن البحر وحده يفهمني. ربما لأنني أكتب كثيرًا، والكتابة تجعلني أبحث عن أماكن لا تحكمها الكلمات.”
ابتسم كريم وأضاف:
“هذا جميل. لكن أحيانًا، نحتاج إلى من يسمعنا دون الحاجة إلى البحر أو الورق.”
سكتت ليلى للحظة، ثم قالت بصوت خافت:
“وأنت؟ لماذا تعزف تلك الألحان الحزينة كل ليلة؟ يبدو وكأنك تحكي قصة من نوع خاص.”
ضحك كريم بخفة وقال:
“أحيانًا، تكون الموسيقى وسيلة للتخلص من الماضي. إنها لغتي عندما تخونني الكلمات.”
الفصل الثالث: قلبان يبحثان عن شفاء
في الأسابيع التي تلت، بدأت علاقة ليلى وكريم تنمو ببطء، كزهرة تنبثق من شقوق الصخور. اكتشفت ليلى أن كريم فقد عائلته في حادث قبل سنوات، وأنه لجأ إلى الموسيقى كوسيلة للهروب من ألم الفقد. أما كريم، فقد عرف أن ليلى تعيش وحدها بعد انفصال والديها، وأن الكتابة كانت طريقتها للتصالح مع الوحدة.
في إحدى الليالي، دعاها كريم إلى منزله. عندما دخلت، شعرت وكأنها في عالم مختلف. الجدران مغطاة بصور قديمة لمدن مختلفة، والبيانو يحتل الركن الأكبر من الغرفة.
“أردت أن أعزف لكِ شيئًا كتبته مؤخرًا… أنتِ مصدر إلهامي.”
تفاجأت ليلى، لكنها جلست تستمع. بدأ يعزف لحنًا ساحرًا، كانت نغماته عذبة لكنها تحمل حزنًا خفيًا. شعرت ليلى وكأن الموسيقى تحكي عن كل ما لم يُقال بينهما.
عندما انتهى، نظرت إليه بعينين لامعتين وقالت:
“كريم… هذا أجمل شيء سمعتُه في حياتي. لكن لماذا أشعر أنك تخفي شيئًا؟”
تنهد كريم وقال:
“لأنني أخشى أن أؤذيكِ، ليلى. أحيانًا، الذين يحملون قلوبًا ثقيلة مثلي لا يجيدون الحب كما يجب.”
ابتسمت ليلى وقالت بثقة:
“القلب الذي يستطيع أن يعزف هذه الألحان، لا يمكن أن يكون قاسيًا.”
الفصل الرابع: الحب كعلاج
بدأت علاقتهما تتعمق. كان كريم يساعد ليلى على نشر كتاباتها، وشجعها على إرسال قصصها إلى المجلات، بينما كانت ليلى تلهمه ليؤلف مقطوعات جديدة أكثر إشراقًا. مع مرور الوقت، بدأ كل منهما يشفي الآخر من آلام الماضي.
لكن، وكما هي الحياة دائمًا، لم تكن الأمور سهلة. في أحد الأيام، تلقى كريم عرضًا كبيرًا للانتقال إلى مدينة أخرى للعمل مع فرقة موسيقية مشهورة.
“ليلى، هذا حلمي منذ سنوات… لكنه يعني أنني سأترك هذا المكان.”
شعرت ليلى أن قلبها ينهار، لكنها قالت بشجاعة:
“كريم، لا أريد أن أكون السبب في تخلّيك عن حلمك. لكن أعدني أن لا تنسى المكان الذي جمعنا.”
غادر كريم المدينة، لكنها لم تكن
الفصل الخامس: حين يختبر الحب المسافة
غادر كريم المدينة إلى حياة جديدة مليئة بالأضواء والنجاحات. كانت أخباره تصل إلى ليلى من حين لآخر، عبر رسائل مقتضبة لا تشبع شوقها لكنها تطمئن قلبها. كان يخبرها عن حفلاته، عن المدن التي يزورها، وعن حنينه للشاطئ وللأحاديث الطويلة التي كانت تجمعهما.
أما ليلى، فقد واصلت حياتها بهدوء. أصبحت كتاباتها أكثر عمقًا، وأكثر شغفًا. كانت ترسل لكريم بعض النصوص التي تكتبها، وكان يرد أحيانًا برسالة قصيرة:
“كتاباتك هي ما يبقيني متصلًا بكِ.”
رغم المسافة، كانت ليلى تشعر أن شيئًا ما لم يتغير. كريم لم ينسها، لكن الحياة التي يعيشها بدت وكأنها تُبعده شيئًا فشيئًا.
في إحدى الليالي، بينما كانت تجلس في غرفتها وتُمعن النظر في النجوم، تلقت مكالمة من رقم غريب.
“مرحبًا؟” قالت بصوت متردد.
وجاءها صوته: “ليلى، هل ما زلتِ تكتبين عني؟”
تسارعت نبضات قلبها، لكنها ردّت بخفوت:
“دائمًا، كريم. وأنت، هل ما زلت تعزف لي؟”
صمت لثوانٍ قبل أن يقول:
“ما زلتُ أحاول، لكن يبدو أنني فقدت شيئًا… شيئًا كنت أحتاجه لأكمل لحني.”
الفصل السادس: عودة غير متوقعة
بعد أشهر طويلة من الغياب، عاد كريم فجأة إلى المدينة. لم يخبر ليلى بقدومه، لكنه كان يعلم تمامًا أين يمكنه العثور عليها. وجدها جالسة على الشاطئ، في المكان الذي جمعهما أول مرة.
حين رأته من بعيد، وقفت مذهولة. اقترب منها وهو يحمل حقيبة صغيرة وبيانوه المحمول.
“كريم… ماذا تفعل هنا؟ ألم تكن حياتك هناك؟”
ابتسم وقال:
“حياتي لم تكن هناك أبدًا، ليلى. اعتقدتُ أنني كنت أبحث عن النجاح، لكن الحقيقة أنني كنت أهرب. وعندما وصلت إلى كل ما ظننت أنني أريده، اكتشفت أنني كنت أحتاج شيئًا بسيطًا جدًا… كنت أحتاجكِ.”
لم تستطع ليلى منع دموعها، لكنها قالت وهي تحاول أن تبقي صوتها ثابتًا:
“كريم، تركتني لأجل حلمك، كيف أستطيع أن أثق بأنك لن تتركني مجددًا؟”
اقترب منها ووضع يده على قلبه:
“لأن الحلم الحقيقي هو أن أكون معك. ومن دونك، لن تكون أي لحن لي مكتملًا.”
الفصل السابع: حين تكتمل النغمة
منذ تلك اللحظة، بدأ كريم وليلى بناء حياة مشتركة، مليئة بالموسيقى والكلمات. كانا يعزفان معًا، هي بأقلامها التي ترسم الحكايات، وهو بألحانه التي تحييها.
بدأ كريم تنظيم حفلات صغيرة في المدينة، يقدم فيها مقطوعاته المستوحاة من كتابات ليلى، وأصبحت نصوصها تُنشر في كُتب تحمل في مقدمتها عبارة:
“إلى كريم، الذي علّمني أن الحب أجمل من أي رواية.”
أما ليلى، فكانت دائمًا تخبره أن لحظة عودته كانت أعظم حبكة لقصتها.
في إحدى الليالي، بينما كانا يجلسان تحت السماء الممتلئة بالنجوم، سألها كريم:
“ليلى، هل ما زلتِ تظنين أن البحر هو من يفهمك؟”
ابتسمت وقالت:
“ربما… لكن