حكاية النعوشة والغربال

حكاية النعوشة والغربال

0 المراجعات

حكاية النّعوشة والغربال

من الفولكلور التونسي

أخرج وقت المغرب وستراها

منذ زمن بعيد عاشت إمرأة فقيرة مع زوجها  في أحد القرى البعيدة ،وكنات تعمل معه في الحقل ورغم تعبها وتفانيها في شغل البيت، إلا أنّ زوجها دائمًا ما كان يعاملها بقسوة ،ويعاقبها على أبسط الأشياء بالضّرب والإهانة، كانت تلك المرأة  صابرة ،فعلى الأقل لديها سقف يأويها ،وحقل تأكل منه ،لكن أمنيتها الوحيدة هي إنجاب طفل يكون أنيسًا لها في تلك الحياة القاسية التي تعيشها ،المشكلة أنّها كلما حملت ،فقدت الجنين بسبب الإجهاد الشديد، والتعب.
وفي أحد الأيام علمت المرأة أنّها حامل، ففرحت فرحًا شديدًا ،ودعت ربّها أن يكمل هذا الحمل ،وبالفعل استجاب لها الله ،وولدت طفلا جميل الوجه، كانت تشعر بالسّعادة كلما نظرت إليه ،فهو الصّديق المنتظر، الذي طالما حلمت به، كانت تأخذه معها إلى الحقل ،وتضعه فوق ظهرها ،فلم تكن تريد أن يبتعد عنها ولو لحظة واحدة ،مع الوقت كبر الولد ،وأصبح يساعدها في شغل الحقل،ووقت الطعام يجلسان ويأكلان معا كتب الله ،أمّا زوجها فصار أكثر رقّة معها لمّا رأى اهتمامها بالطفل ،ورغم أنّه يحرمها، إلا أنّ جاراتها يشفقن عليها ،ودائما يعطينها الملابس ،والمال لتنفق عن ابنها ،وبدأت حياتها تتحسّن ،وحمدت الله على ذلك .
وفي أحد الأيّام كانت في الحقل ،وطلبت منه أن يحضر غربالا من عند جارتها لإعداد العولة، وبالفعل اتّجه الولد إلى جارتهم، وطلب منها الغربال ،لكنه لمّا استدار لييعود لأمّه، وجد أرنبا جريحا ،لفت انتباهه، فرمى الغربال أمام دارهم ،ومدّ يده ليمسك به، إلا أنّه هرب ،ثمّ وقف ينظر إليه، فجرى الولد ورائه  ،لكنه  إبتعد دون أن يشعر داخل الغابة ،وفجأة تذكّر أمّه ،فرجع وبحث عن الغربال في كلّ مكان لكنّه لم يجده ،ونسي أنّه تركه قرب دارهم ،أحسّ الولد أنّه تأخّر، وأنّ والدته سوف تعاقبه، لكن لم يكن أمامه سوى العودة دون الغربال، و حكى لها أنّه فقده، فغضبت الأمّ، وصارت تضربه بقسوة بعصا حتى مات في يدها، وهنا كانت صدمة الأمّ قوية فقد مات ابنها الذي طالما انتظرته ،وحلمت به ،فبكت طول اليوم ،ولطمت وجهها ،ثم نامت ،وفجأة سمعت صوتا يتحّرك قربها، ولما فتحت عينها رأت طائرا قبيح الوجه أحمر العينين ،وقال لها: لم يتبقّ لك شيئ بعد موت الطفل، فلن تجدي المساعدة من جيرانك ،وسيعود زوجك لضربك ،هل هذا ما تريدينه ؟ 
لكن المرأة أصبحت دون إحساس ،ولم تشعر بالخوف منه ،وأجابت :لقد إنتهت حياتي، لكني سأنتقم من كلّ من أذاني ،وخصوصا زوجي، والأطفال الذين يعصون أوامر آبائهم !!! قال الطائر :هذا جيّد سأحقّق أمنيتك ،فأنا أيضا أكره الأطفال، فهم لمّا يجيئون للغابة ينبشون أعشاش الطّيور ويكسرون بيضها على الصّخور ويقتلعون الزّهور ويقتلون الفراشات، لا بد من عقابهم !!! ثمّ تمتم بكلمات غير مفهومة ، فظهر للمرأة ريش وجناحان ،لكن بقي لها وجه إنسان.وأصبحت نعوشة  ،ثم طارت بعيدًا ،واختفت في الغابة، وكلّما تغرب الشّمس، تغطّي نفسها ،وتخرج للقرى التي حولها ، تتمشّى في الأزقّة، وما أن ترى أحد الأطفال حتى تخطفه ،وتحمله لأحد الأركان ،ثم تمتصّ دماغه من أنفه ،وكان ذلك يجعلها شابّة على الدّوام فلا يأثّر فيها الزّمن ،ولا يمكن تمييزها عن بقية النّساء ،لكن النّاس تعلّمت أن تحذر من امرأة تلتحف بسفساري، وتدور وحدها أثناء مغرب الشّمس حافية القدمين .
ويحكى أنّ الكثير من النّاس قد شاهدوها وهي تهيم على وجهها  ،وكلّ مرّة يجدون طفلا ميتّا، وفي البداية لم يعرفوا كيف حدث ذلك ،لكنهم سرعان ما ربطوا بين ظهورها في القرى ،وموت الأطفال ،ولمّا بحثوا عنها ،وجدوا زوجها مقتولا ،وغربال الجارة ملقى أمام الدّار، فصاروا يعلّقون على أبواب بيوتهم غربالا لمّا تغرب الشّمس ،ويقال أنّها ربّما  تدخل من النّوافذ ،وتخطف الرّضع ،ولا يعلم أحد أين تقودهم ، لأنّها تحنّ إلى طفلها الذي مات ،وحتى وقت قريب كانت الجدّات يروين لأحفادهنّ قصّة عجوزة المغارب ،التي تخطف من لا يسمع الكلام ،والكثيرون يعتقدون أنّ قصّة النّعوشة خياليّة، لكن عليك أن تصدّقها، فقد تمرّ بك صدفة ،وأنت لا تعلم من هي ،وهكذا الحال منذ زمن طويل ..

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Aya elyabany
المستخدم أخفى الأرباح

articles

19

followers

26

followings

2

مقالات مشابة