عن حرب الجواسيس ما بين المخابرات الألمانية و البريطانية - ج١
يتميز الألمان بالدقة و الانضباط الشديد والحرص على النظام في أعمالهم وأنشطتهم ، وانعكس هذا على عمل الجاسوسية والتفوق على بقية الدول الأوربية، وتمكنت أجهة الجاسوسية في الحرب العالمية الأولى من إلقاء القبض على 411 جاسوساً تابع لأوربا يتجسسون على الجيوش الألمانية ومصالحها وبرع الألمان في عالم الجاسوسية وإنشاء مدرسة الجاسوسية ويتم انتقائهم بعناية تامة منذ الصغر، وتخرج فيها أمهر الجواسيس الذين برعوا وتفننوا في عمل الجاسوسية التي اعتمدت عليها المخابرات الألمانية.
وقبل بداية الحرب العالمية الثانية أبدى الألمان اهتماماً تاماً بدراسة شؤون الدول التي تقع إلى جوارهم ، وجمع كافة المعلومات العسكرية واستعداداتها ، ونوع الأسلحة وموقفها الاقتصادي.
وجمع هتلر حوله رجال كثيرون ومفكرين حصلوا على أهم المناصب في الدولة والحزب، منهم ردولف هيس نائب الرئيس وهيرمان جورنج مسؤول الأمن والنظام وعمد النظام إلى إنشاء جهاز يحمي أفراد الحكومة والحزب والزعيم هتلر وكونوا جهازاً أطلقوا عليه (الجستابو ) البوليس السري..
وقبل بداية الحرب زرع الألمان كثير من الجواسيس في كل أنحاء أوربا ، إلى جانب إنشاء شبكات عديدة من الجواسيس المحترفين، وقدموا تقاريراً ومعلومات عن كافة حالات الدول الأوربية، وعن نوعية أسلحته واستعدادها وموقعها الاقتصادي الأمر الذي جعل بإمكان الألمان وضع خطة لمهاجمة تلك الدول وبرع الجواسيس في أدق التفاصيل وتحليلها وتسليمها للألمان ، ثم زودوا الألمان بكشف كامل لكل الجواسيس المعادية لألمانيا ، والتي تم القبض عليهم جميعاً ، وتم إعدامهم ، ولعل أخطر عمل قام به الجواسيس عندما فكرت ألمانيا في غزو بولندا كانوا قد وضعوا خطة بقتل الملحق الألماني في العاصمة وارسو ليتخذوه ذريعة لغزو بولندا، ولكن غيروا الخطة بعد أن قدم لهم الجواسيس عملية أدق وأهم ، فقام الجواسيس باحتلال الإذاعة البولندية وإذاعة بيان ثوري يعلن استيلاء قوات المقاومة الشعبية البولندية على السلطة في البلاد الأمر الذي أدى إلى مواجهة وبث الفوضى بين الجيش والشعب فوجدت القوات الألمانية المتأهبة لغزو بولندا الفرصة لاقتحام بولندا، وكانت الشرارة الأولى للحرب العالمية الثانية وأطلقوا على هذه العملية (الخبرة الميتة.) هذه واحدة من آلاف العمليات التي قامت بها المخابرات الألمانية عبر تاريخها الطويل والحافل بالمغامرات والوقائع التي لا تصدق وهي أغرب من الخيال.
وتفوقت الجاسوسية الألمانية في حجم عملياتها وامكانياتها والاستفادة من التقنية الألمانية على كثير من الدول التي لم تستطيع مجاراتها، وأرتبط عمل الجاسوسية الألمانية ارتباطاً وثيقاً بحروب ألمانيا العالمية الأولى والثانية، التي شهدت أكبر قصص للجاسوسية إثارة وغموضاً.
والجاسوسية مرتبطة أعمالها بالصراعات العسكرية والسياسية فهي تمثل العمود الفقري في جمع المعلومات وتحليلها ، ومنذ بداية القرن العشرين أصبحت هناك مدارس للجاسوسية في كل من انجلترا وروسيا وفرنسا وأهمهم المدرسة الألمانية العريقة صاحبة الفكرة وتميزت بمزايا خاصة وحقق خريجوها نجاحات عالية وسجلوا أسماءهم على صفحات تاريخ الجاسوسية واستطاعوا إختراق الحواجز المنيعة، وسرقة أدق الأسرار وتقديمها لألمانيا، ومن أشهر النجاحات التي حققتها اختراق شفرة الأسطول البريطاني عام 1940م، ومعرفة كل تحركاته، والتعليمات التي تصدرها القيادة البريطانية إلى جانب المعرفة التامة بتحرك الأسطول التجاري، الأمر الذي جعل الألمان في مأمن، وإغراق كل السفن البريطانية.
و أكبر خدعة قام بها الألمان تلك الخدعة التي استمرت حوالى سنتين ونصف دون أن تكشفها إنجلترا والتي كشف تفاصيلها بعد هزيمة ألمانيا. ولازالت انجلترا حائرة في خدعة الألمان حتى الآن بعد أن تكشف حقائق ومعلومات مثيرة قامت بها المخابرات الألمانية، والتلاعب بالحلفاء، ووقعت أحداث هذه الخدعة في هولندا التي احتلتها ألمانيا ،وفي خلال هذه الخدعة تمكن الألمان من إلقاء القبض على مئات الجواسيس البريطانيين ودول الحلفاء وتلاعبت بأجهزة المخابرات المعادية طيلة سنتين ونصف دون أن يكشف أحد سرها، وهو أكبر النجاحات التي حققها جهاز المخابرات الألمانية من خلال شبكة الجواسيس المدعومة بأحدث أجهزة الاتصالات و التقاط الشفرات وفكها.