بذلة الغوص و الفراشة: الجزء العشرون

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء العشرون

0 المراجعات

باريس


أبتعد ببطء، لكن بثقة. مثل بخار يتابع من عرض البحر اختفاء الساحل الذي انطلق منه، أحس باضي يتلاشى.

لا تزال حياتي القديمة موقدة داخلي، ولكنها بصدد التحول شيئا فشيئا إلى رماد للذكري.

منذ أن استوطنت بذلة غوصي، قمت رغم ذلك برحلتين خاطفتين إلى باريس، وسط رعاية طبية، بهدف جمع آراء أقطاب عالم
الطب.

في المرة الأولى غمرني التأثر لمجرد أن مرت سيارة الإسعاف بالصدفة أمام العمارة المفرطة الحداثة التي كنت أمارس فيها حتى
عهد قريب مهنتي الأئمة كرئيس تحرير أسبوعية نسائية مشهورة.

في البداية تعرفتُ العمارة المجاورة، وهي بناء عتيق يعود إلى السنوات الستين علته لوحة تعلن قرار هدمه، ثم واجهتنا الزجاجية، وعليها
كانت تنعكس الغيوم والطائرات. في الفناء كان هنالك بعض تلك الوجوه المألوفة التي نصادفها كل يوم على امتداد عشر سنوات ولا
نستطيع أن نضع عليها الاسم المناسب. أرخيت رأسي ناظرا عسى وجه أكثر دلالة يمر وراء السيدة ذات الشعر المعقود على شكل
كعكة والرجل الضخم ذي الميدعة البنية. لكن القدر أبي.

تُرى هل رآني أحدهم من عند مكاتب الطابق الخامس وأنا أمرّ على عربتي؟
انهمرت مني بعض الدموع أمام محل لبيع التبغ والكحول كنت أذهب إليه بين الحين والآخر لتناول «طبق اليوم». بإمكاني أن أبكي
بشيء من التكتم. لنقل إذن إن عيني كانت تسيل.
زيارتي الثانية لباريس جرت بعد أربعة أشهر، وقد صرت تقريبا لا مباليا.

بدا الشارع في حلة تموز، في حين كنت أعلم أننا ما نزال في الشتاء.

إن هو إذن إلا ديكور مصور كانوا يعرضونه لي خلف شبابيك سيارة الإسعاف.

وهو ما نسميه في السينما «الإسقاط الخلفي» كأن تنطلق سيارة البطل مسرعة على الطريق، عبر جدار في الأستوديو.
ولا ريب في أن أفلام هيتشكوك تدين بالكثير من شعريتها إلى استعمال هذه التقنية، وإن لم تكن حينها مكتملة.
لم يختلف في عبوري بباريس أثرا يذكر. رغم ألآ شيء نقص.

ربات البيوت بفساتينهن المزركشة بالورود، المراهقون على عرباتهم ذات العجلات، قرقعة الحافلات وسباب السعاة على دراجاتهم النارية.
ساحة الأوبرا، الخارجة من لوحة لدوفي(. الأشجار المواجهة لاجتياح الواجهات، وقليل من القطن في السماء الزرقاء.

لم ينقص شيء، غيري أنا كنتُ خارجا.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

المقالات

460

followers

610

followings

115

مقالات مشابة