بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الثالث و العشرون

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الثالث و العشرون

0 المراجعات

عشرون ضد واحد 


فعلتها. استعدت اسم الحصان. كان يسمى ميثر اغرانشان.
من تلك المفترض أن فانسون بصدد عبور «آبارفيل»، وهي النقطة التي يشعر عندها القادم من باريس على متن سيارة بأن رحلته
قد طالت. عقب الطريق السيارة السريعة جدا، والخالية تقريبا، طريق فرعية بمسلكين، تصطف فيها السيارات والشاحنات، خطا
طويلاً بلا تقطعات .


مضى على هذه القصة، أكثر من عشرة أعوام، كنت وفانسون وآخرون قد حالفنا حظ خارق وتولينا مقاليد جريدة يومية صباحية، لم يعد لها اليوم وجود.

و تفاصيل ذلك أن مالكها -وهو رجل صناعة
شغوف بالصحافة- أبدى جرأة منقطعة النظير وعهد بمولوده إلى أصغر فريق عمل في باريس، في وقت كانت تحاك فيه ضده مؤامرة
سياسية وبنكية جهنمية، ترمي إلى سلبه الأصل التجاري الذي أنشأه قبل خمس سنوات أو ست. فما كان منه إلا أن رمى، دون علم منا،
بأوراقه الأخيرة في المعركة لنلتزم بها جميعا منذ تلك اللحظة ألفا ا في زيالمائة.


يمر فانسون الآن بتقاطع طرق، وعليه أن يترك يسارا الطريق المؤدي إلى روان وكروتوي ويسلك المصران الطويل باتجاه بارك عبر
سلسلة من التجمعات السكنية الصغيرة.

 يمكن لهذه الدوارات أن تضلل الأشخاص غير الخبيرين بها، أما فانسون فلا يضيع الشمال
البتة، لا سيما وقد أتى لرؤيتي مرات عديدة.

 مضيفا إلى قدرته على تحديد الوجهة، قدرة فائقة على الوفاء.
كنا منشغلين بالعمل طوال الوقت. نبكر في الصباح ونتأخر في المساء، نعمل في الليل، وفي عطلة نهاية الأسبوع، مطيحين ونحن
خمسة بمردودية دزينة من الأشخاص، بلا وعي نعم ولكن بسرور.


يطرح فانسون عشرة أفكار كبرى في الأسبوع: ثلاث ممتازة، خمس
جيدة واثنتان كارثيتان. بالتالي كان دوري يتمثل في إجباره على فرزها و لو قليلاً، في تعارض واضح مع طبعه العجول التواق لرؤية كل ما
يدور في خلده يتحقق لساعته.


أكاد أسمعه من هنا وهو يخبط مقوده، لاعنا الجسور والمستنقعات. في غضون عامين ستفتتح الطريق السيارة لتؤمن الوصول إلى بارك،ولكن في الوقت الحالي ليس هناك سوى حضيرة بناء نتقدم عبرهازببطئ، عالقين وراء قوافل من السيارات.


الواقع، أننا لم نفترق البتة. لم نكن نحيا ونأكل ونشرب وننامزونحب ونحلم إلا في الجريدة، ولأجل الجريدة. من منا اقترح قضاء تلك الظهيرة في المركض؟ في يوم أحد شتوي جميل، أزرق، بارد وجاف، كان هناك سباق خيول في فانسين. ورغم أننا لم نكن من
المتراهنين، فقد عمد المعلق على السباق، تعبيرا عن تقديره الكبير لنا، إلى تجاذب أطراف الحديث معنا بالمطعم القريب من المضار ومن ثمة مدنا بكلمة السر الفاتحة لأبواب عالم السباقات الغامض. معلومة خفية، بدت لنا ونحن نستمع إليها تطريزا فائق الجودة، وبضان مرفق بالفاتورة. نعم، لقد كان ميثر اغرانشان ينطلق بقيمة مراهنة عليه تساوي عشرين نظير واحد، ما يعني غنتها ماليا جيدا، أفضل بكثير مما يمكن أن يجنيه رب عائلة عن طريق الاستثمار.
ها هو فانسون يصل إلى مدخل بارك، وككل الناس، يتساءل برهة في جزع عما جاء يفعله هنا.
كانت أجواء غداء لطيفة تلك التي عشناها في قاعة الأكل الكبيرة، المطلة على ميادين السباق، والمستقبلة مجموعات متأنقة
من رجال العصابات والقوادين والممنوعين من الإقامة وغيرهم من المنحرفين المنجذبين إلى عالم الخبب. قانعين وشبعانين، لبثنا
نمز سجائرنا الطويلة بنهم منتظرين السباق الرابع وسط ذلك الجوّ الساخن الذي تنمو فيه سجلات القضاء نمو نبتة السحلبية.


بوصوله عبر الجزء المطل على البحر، ينحرف فانسون عائدا إلى الفناء الأمامي الكبير دون أن يعلم شيئا عمّا تخفيه حشود المصطافين
من قفر بارك الشتاء وبردها القارس.
انتظرنا في ثانسين طويلاً حتى انتهى بنا الأمر إلى أن انطلق السباق دون حضورنا. كان شباك المتراهنين قد أغلق أمام أنوفنا و أنا
أسحب من جيبي حزمة التذاكر التي أودعتها عندي هيئة التحرير.
رغم التوصية بالتكتم، جال اسم ميثر اغرانشان في الأقسام، لتحول الإشاعة الحصان الضئيل الحظ وغير المعروف حيوانا أسطوريا يرغب
الجميع في المراهنة عليه. لم يتبق غير مشاهدة السباق والرجاء..

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

610

followings

115

مقالات مشابة