ألحان قلبين: قصة حب بين بلكونتين
روايه ألحان قلبين: قصة حب بين بلكونتين
البارت الاول
كان حي "الزيتون" من الأحياء الهادئة التي تميزت بشوارعها الواسعة وأشجارها العالية التي تلقي بظلالها الوارفة على الأرصفة. في هذا الحي، كانت البيوت متراصة بألوانها المبهجة وتفاصيلها الصغيرة التي جعلت لكل منها شخصيته الخاصة. من بين هذه البيوت، كان هناك بيت صغير و نوافذ زرقاء وأبواب بيضاء، يجاوره بيت آخر مشابه له، إلا أن لونه كان رمادياً وله شرفة صغيرة تطل على الشارع. في هذا البيت الرمادي كانت تعيش سارة.كانت سارة فتاة في العشرين من عمرها، تعيش مع والديها وأختها الصغيرة ليلى. منذ أن انتقلت للعيش في هذا الحي قبل عامين، جذبت انتباه الجيران بابتسامتها الخجولة وعينيها البنيتين الواسعتين اللتين تشعان بالحياة. كانت سارة تهوى القراءة، خاصة الكتب الأدبية والشعر، وتحب الخروج إلى الحديقة الصغيرة أمام منزلها حيث تجلس لساعات تقرأ أو تكتب ملاحظاتها الخاصة. كانت تشعر بأن هناك شيئًا مميزًا في هذا المكان، وأنه يمنحها نوعًا من السلام الداخلي الذي لم تجده في أي مكان آخر.على الجانب الآخر، في البيت المقابل، كان يسكن يوسف. يوسف شاب في الخامسة والعشرين من عمره، طالب في كلية الهندسة المدنية، يدرس بجد ليحقق حلمه في أن يصبح مهندسًا ناجحًا. كان يوسف يتمتع بروح مرحة وشخصية قوية، ولكنه كان دائمًا منشغلاً بين دراسته والعمل الجزئي الذي يقوم به لدعم نفسه. عندما كان يعود إلى منزله كل مساء، كان يشعر بأن المنزل مكانه الآمن، وخاصة شرفته الصغيرة التي اعتاد الجلوس عليها ليعزف على جيتاره، وهو ما كان يعتبره وسيلة للاسترخاء بعد يوم طويل من الجهد.منذ أن انتقلت سارة للعيش بجوار يوسف، لاحظت وجوده، كما لاحظ هو وجودها. كان يراها تجلس على الشرفة في الصباح، وهي تسقي الأزهار بعناية فائقة، وكأنها تعطي كل زهرة جزءاً من روحها. كان يمر من أمام منزلها في طريقه إلى الجامعة، وكانت هي تلمحه أحياناً من خلف ستائر نافذتها. ومع ذلك، لم يتبادلا أي حديث أو حتى تحية، وكأن كلاً منهما يخشى الاقتراب من الآخر، رغم أن شيئًا ما في داخل كل منهما كان يدفعه لذلك.في إحدى الأمسيات، بينما كان يوسف يجلس على شرفته يعزف على جيتاره، لفت انتباهه صوت خافت ينبعث من الشارع. نظر إلى الأسفل ورأى سارة تمر بهدوء متجهة نحو الحديقة المجاورة. شعر يوسف بدافع غريب يتملكه، ترك الجيتار واتجه نحو الباب. قرر أن يخرج، دون أن يعرف سبباً واضحاً لذلك. سار في الشارع الضيق حتى وصل إلى الحديقة، حيث وجد سارة تجلس على مقعد خشبي تحت شجرة كبيرة، وبجانبها كتاب مفتوح.كانت سارة غارقة في القراءة، ولم تنتبه لوجود يوسف حتى اقترب منها قائلاً بصوت هادئ: "مساء الخير، سارة."رفعت سارة رأسها بسرعة، وكانت تعابير وجهها مزيجًا من الدهشة والخجل. لم تتوقع أن يتحدث إليها يوسف، الشاب الذي لطالما شعرت بانجذاب غامض نحوه. ابتسمت بخجل وردت: "مساء الخير، يوسف. لم أرك من قبل في الحديقة."ضحك يوسف بلطف وقال: "نعم، عادةً ما أقضي وقتي على الشرفة، ولكن اليوم شعرت بالحاجة للخروج."ثم أشار إلى الكتاب بين يديها وسأل: "ماذا تقرأين؟"أجابت سارة بابتسامة: "أقرأ رواية "البحث عن الزمن المفقود" لمارسيل بروست. أحب هذا النوع من الأدب الذي يعيدني إلى عوالم مختلفة."نظر يوسف إلى الكتاب بإعجاب وقال: "اختيار رائع. أنا أحب الكتب أيضاً، رغم أنني أميل أكثر للكتب التقنية والعلمية بسبب دراستي."منذ تلك اللحظة، بدأت المحادثة بينهما تتدفق بسلاسة. تحدثا عن كتبهما المفضلة، والأشياء التي يستمتعان بفعلها في أوقات فراغهما. تحدث يوسف عن حبه للموسيقى وكيف بدأ تعلم العزف على الجيتار منذ سنوات، وكيف أن الموسيقى كانت تساعده على التعبير عن مشاعره. بينما تحدثت سارة عن شغفها بالكتابة وكيف أنها تجد في الكلمات ملاذها الخاص من ضغوط الحياة اليومية.مع مرور الوقت، بدأت الأحاديث بينهما تزداد طولاً وتنوعاً. أصبحت الحديقة مكان لقاءهما المعتاد. كل يوم تقريباً، كانا يجلسان في نفس المكان، يتحدثان ويضحكان وكأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات. كان يوسف يشاركها بعض القصص من حياته الدراسية، بينما كانت سارة تخبره عن عائلتها وأحلامها المستقبلية.بالنسبة ليوسف، كانت سارة تبدو كالشمس التي تضيء حياته. كلما التقى بها، كان يشعر بالراحة والسكينة، وكأنها تملك قدرة سحرية على تخفيف همومه. أما بالنسبة لسارة، فقد وجدت في يوسف شخصاً مميزاً، شخصاً يفهمها دون أن تتحدث كثيراً، ويقدر الأشياء الصغيرة التي تحبها.ورغم كل هذه الأحاديث والمشاعر التي بدأت تتشكل بينهما، كان هناك شيء ما يمنع كلاً منهما من التعبير بصراحة عما يشعر به. ربما كان الخوف من رفض الآخر، أو ربما كان الخجل، لكنهما اختارا أن يتركا الأمور تتطور بشكل طبيعي، دون استعجال.ومع الأيام، أصبح يوسف ينظر إلى سارة نظرة مختلفة. لم تكن مجرد فتاة جارة له، بل أصبحت جزءاً من يومه، شخصاً ينتظر بفارغ الصبر أن يراه ويتحدث معه. وكان يشعر بالسعادة كلما رآها تبتسم أو تضحك على نكتة يقولها. لكن، بالرغم من ذلك، لم يكن يوسف يعلم كيف يعترف لها بما يشعر، ولم يكن يعلم إن كانت هي تشعر بنفس الشيء تجاهه.ذات يوم، بينما كانا يجلسان معاً في الحديقة، قررت سارة أن تتحدث بصراحة. قالت له: "يوسف، هل تعلم أنني لم أكن أتوقع أن أجد صديقاً قريباً مثلك عندما انتقلنا إلى هذا الحي؟"أجاب يوسف مبتسماً: "وأنا أيضاً، لم أكن أتوقع أن أجد شخصاً يشبهني كثيراً ويشعرني بهذا القدر من الراحة."نظرت سارة في عينيه وقالت بخجل: "هل تعتقد أن هذه الصداقة قد تكون بداية لشيء أكبر؟"شعر يوسف بقلبه ينبض بسرعة، لكنه قرر أن يتحدث بصدق قائلاً: "سارة، أنا لا أعرف ما يخبئه لنا المستقبل، لكنني أعرف شيئاً واحداً… أنني أحب قضاء الوقت معك، وأشعر بأن هناك شيئاً خاصاً بيننا."ابتسمت سارة وقالت: "أنا أيضاً، يوسف. أشعر بنفس الشيء."وبهذا الاعتراف البسيط، بدأ يوسف وسارة يقتربان أكثر من بعضهما، ويكتشفان معاً عالم الحب الذي لم يكونا يتوقعانه، عالم مليء بالمشاعر الجميلة والتجارب الجديدة التي كانا على وشك استكشافها معاً.