الجزء الثالث من نقطة الزمن
هيا بنا نكمل بقية الحكاية.
في الجزء السابق، عرفنا أن عمر قد غيّر بعض الأحداث الرئيسية في ماضي المهندس، لكن أحمد أوضح له أنه رغم تغيير الأحداث الرئيسية، فإن الحدث النهائي في هذا الزمن لم يتغير.
المهم، ذهب عمر إلى المدرب ليسأله إذا كانوا سيلعبون مباريات أخرى أم لا. أجابه المدرب: "للأسف لا. لأوضح لك الأمر، سواء فزتم أم خسرتم، كان سيتم هدم الملعب على أي حال، ولهذا السبب لن تلعبوا مباريات أخرى. وهذا ما كان يقصده أحمد، أنهم لن يلعبوا مجددًا. لكن كسر ساق الكابتن، ألم يؤثر ذلك في المستقبل؟ هناك شيء غريب يحدث." بعد ذلك، قام عمر بتصوير فريقه، ثم أخذ الكابتن إلى منزله لأنه كان مصابًا. أوصل عمر الرسالة التي أراد المهندس أن ينقلها للكابتن في ذلك الزمن، فابتسم الكابتن حينها. في الطريق، قابل عمر حبيبة المهندس، وهي أخت الكابتن، وشعر عمر بنفس إحساس المهندس وحبه لها. الرسالة الثانية كانت موجهة لها، لكن عمر لم يخبر الكابتن بأنه يحبها. أخذ الكابتن أخته لتوصله إلى المنزل، في حين قال أحمد لعمر الكلمات التي يجب أن يقولها لها، ثم عاد عمر إلى منزله وتناول الطعام مع أمه.
قال أحمد لعمر: "اهدأ يا صديقي، ما زلت ستتعارك مع أم المهندس. علينا أن نسير على نفس التسلسل الزمني للأحداث." ثم أوضح أحمد لعمر ما يجب أن يقوله، وبدأ الجدال بين عمر وأم المهندس. قال عمر: "سأترك هذه البلدة وأذهب للدراسة في الخارج. لقد سئمت من هذا الوضع. وبالمناسبة، بعد أن أنهي دراستي وأتخرج، سأجد عملًا." غضبت الأم وقالت: "أنت وأبوك متشابهان. كلاكما تريدان تركي وحيدة. منذ أن ترك أبوك البيت، لا أعلم إن كان حيًا أم ميتًا!" وانهارت الأم بالبكاء. كانت لحظة مؤثرة بكل معنى الكلمة، فقلب الأم دائمًا رقيق، خاصة تجاه ولدها، فهي تتمنى أن يبقى بجانبها دائمًا وترى وجهه أمامها، وتخشى أن يمسه مكروه. لكن للأسف، أغلب الشباب لا يدركون هذه المشاعر، ولا يفهمونها إلا عندما يصبحون في مكان والديهم.
المهم، أخبر أحمد عمر الرسالة التي كتبها المهندس لأمه. قال عمر لأم المهندس الرسالة، فابتسمت وشعرت بالراحة. أراد المهندس أن يوصل بعض الكلمات الرقيقة فقط لتلطيف الأجواء، صحيح أنها لن تغيّر شيئًا، لكن أسلوب الكلام يحفظ مكانتك في قلوب من تحب. بعد ذلك، أكمل عمر طعامه، ثم قدمت له الأم طبقًا من الشعرية، فرفض أكله. قالت الأم: "هل نسيت أننا نأكل الشعرية في عيد ميلاد أبيك؟!" فقال عمر: "عيد ميلاد أبي! نحن في أي سنة الآن؟" ردت الأم: "نحن في عام 2008، هل أنت معنا أم ماذا؟" حينها تذكر عمر ذكرى مريرة من ماضيه في عام 2008، حين وقع زلزال مدمر، ولم يرَ والديه بعده. فقد مات والديه في ذلك العام. أدرك عمر أن هذا هو الحدث النهائي الذي لم يتغير رغم كل التغييرات التي أجراها على الأحداث حتى الآن. فهم أحمد أن عمر قد استوعب كل شيء وقال له: "اخرج من الصورة حالًا، إياك أن تفعل أي شيء." قال عمر: “لا، كيف يمكنني أن أترك كل هؤلاء يموتون؟ أنت أكثر من يعرف كيف عانيت من هذا الزلزال وفقدت والديَّ فيه. وأنت تعلم أن المهندس سيعاني نفس معاناتي عندما تفقد أمه وأصدقاؤه حياتهم. كان المهندس يريد فقط أن يرسل لهم رسالة يرضي بها ضميره. لماذا لم تخبرني منذ البداية أن كل شيء لن يتغير وأنهم سيموتون؟”
رد أحمد: "إياك يا صديقي. اترك كل شيء كما هو." هرع عمر وهو يصرخ: "لن أتركهم! أنت لا تعرف ما يشعر به الناس في هذا الزمن، لقد شعرت بما يشعرون به الآن. هذه حياة أشخاص، وليست مجرد أرقام يا صديقي." حاول أحمد تحذيره: “لا تفعل أي شيء. الموت جزء مهم في الماضي، ولا يمكن تغييره. مهما حاولت، لن تتمكن من تغييره. وإذا حاولت تغيير أي شيء، ستكون هناك عواقب وخيمة.”
توجه عمر إلى منزل الكابتن، وقال له الكابتن: "ما الذي أتى بك إلى هنا الآن؟" رد عمر دون مقدمات: "اترك المكان فورًا." أجابه الكابتن: "ساقي لم تشفَ بعد، وإلى أين سأذهب في هذا الوقت؟ هل أنت متشوق لهذه الدرجة إلى البطولة؟ ما زال هناك أسبوعين قبلها." قال عمر: "ارحل فورًا من هنا. ليست هناك بطولة، والقاعة ستهدم، وهذه كانت آخر مباراة لنا." أتت أخت الكابتن مستغربة من تصرف عمر وقالت: "ما الأمر؟" قال عمر: "هناك زلزال سيقع في الساعة 8:30." لم يصدقه أحد وضحكوا عليه، لحسن حظه لأنه تحدث عن المستقبل.
قال أحمد: "توقف يا صديقي، ما فعلته حتى الآن لن يغير شيئًا، بل قد يتسبب في مقتل المزيد من الأشخاص." قرر عمر العودة إلى المنزل مستسلمًا وقال: "على الأقل سأنقذ أم المهندس." قال أحمد: "حسنًا، لكن اتبع تعليماتي وابقَ في المنزل لأنه المكان الأكثر أمانًا." فعل عمر ما قاله أحمد، وأخذ أم المهندس تحت المنضدة، وقال لها: "هناك زلزال سيقع قريبًا يا أمي، ابقي تحت المنضدة." وعندها دقت ساعة الصفر وبدأ الزلزال. احتمى عمر وأم المهندس تحت المنضدة، وكل شيء انهار من حولهم، واحتجزا تحت الأنقاض. بدأ عمر في البكاء من شدة الألم، ولم يكن يعلم إن كانت أم المهندس لا تزال على قيد الحياة أم لا.
قال أحمد لعمر: "اخرج من الصورة إذا لم تستطع تحمل الألم." في اللحظات الأخيرة، تذكرت الأم لحظاتها الجميلة مع ابنها وقالت: "إذا كنت تريد الرحيل، فافعل ذلك. أنا لا أريد أن أؤذيك. كنت فقط أريدك أن لا تتركني وحدي." ثم اختفى صوتها وماتت. كان أحمد يعلم أن الأم ستموت، ولهذا ترك عمر يحاول إنقاذها. بدأ عمر بالبكاء بحرقة وتخيلها كأمه. وصل رجال الإسعاف وأنقذوا عمر، لكن للأسف كانت أم المهندس قد فارقت الحياة. بدأ عمر بالصراخ، لكن ما حدث قد حدث وانتهى الأمر. خرج عمر من الصورة وقال لأحمد: "لماذا كذبت علي؟ لماذا أعطيتني الأمل بأنها قد تعيش؟ كنت تعلم، أليس كذلك؟ كنت تعلم!" رد أحمد: "لا أستطيع تغيير الماضي، وأنت تعلم ذلك جيدًا. ألم أقل لك مرارًا وتكرارًا ألا تتأثر بمشاعر الأشخاص الذين تدخل أجسادهم؟" انهار عمر نفسيًا، وطلب أحمد منه أن يتوقفوا عن العمل لفترة حتى يرتاح نفسيًا، لكن فجأة دخل عليهما شخص غامض. من هو هذا الشخص؟ وماذا يريد من عمر وأحمد؟ هذا ما سنعرفه في الجزء القادم.