
كنت فاكره نفسى شخص عادى ......حتى نادتلى شجرة لم تكن رؤي.......كانت دعوه من الماضى
في قريةهل سبق وشعرت أن هناك شيئًا في داخلك لا يشبه من حولك
ليان كانت فتاة عادية في قرية هادئة، حتى بدأت الغابة تهمس باسمها...
ما بين الرؤى، والقلادة، والرجل المقيد، بدأت قصتها التي لم تنتهِ بعد…
فتاه صغيرة تُدعى "السرين"، محاطة بالغابات الكثيفة والجبال الصامتة، كان الناس يعيشون على بساطة الأيام وخوف الليالي. لم تكن تلك القرية عادية، بل كانت تملك سرًّا عتيقًا لا يعرفه إلا من عاش طويلاً بين جدرانها الطينية. كان الجميع يتجنّب الغابة، خصوصًا بعد المغيب، حيث يُقال إن الأشجار تتكلم، والريح تهمس بأسماء موتى لم يُدفنوا أبدًا.
وسط هذا الغموض، وُلدت فتاة تُدعى "ليان" في ليلة عاصفة. قيل إن البرق ضرب الأرض ثلاث مرات متتالية عندما خرجت أول صرخة منها. لم تكن كالأطفال الآخرين. عيناها كانتا بلون العسل، وفي نظراتها بريق غريب، كأنها ترى ما لا يُرى. كبرت ليان وسط الحذر والخوف، لا من الناس، بل من شيء يسكن قلب الغابة ويشعر بها.
عندما بلغت السادسة عشرة، بدأت تسمع صوتًا غريبًا يهمس لها ليلًا. لم يكن واضحًا، لكنه كان يتكرر كل ليلة: "اقتربي... الشجرة تنتظر." حاولت تجاهله، ظنته حلمًا أو وهمًا، لكن الصوت كان أقوى من أن يُنسى. في صباح أحد الأيام، خرجت وحدها باتجاه أطراف الغابة، كأن قدميها تعرفان الطريق دون أن تفكر. عبرت الممرات الضيقة، وتسلقّت صخورًا لم تطأها قدم، حتى وصلت إلى شجرة عملاقة، أوراقها تميل إلى الأرجواني، جذعها متشقق كأنها تعرضت لعاصفة قبل قرون.
عندما لمست ليان الجذع، حدث ما لم تتوقعه. سرت قشعريرة في جسدها، ورأت في عقلها صورة رجل مقيد داخل كهف مظلم، يصرخ طلبًا للنجدة، وصوت امرأة يقول: "سأعود... سأعود لأفي بوعدي." فتحت عينيها مذعورة، لكن الشجرة همست من جديد: "دمك يحمل المفاتيح، والساعة اقتربت."
عادت إلى المنزل شاحبة الوجه، وعندما نظرت إليها والدتها، ارتجفت للحظة ثم قالت بصوت خافت: "كنت أعلم أن هذه اللحظة ستأتي." جلست بجوارها وأخبرتها بالحقيقة. لم تكن ليان ابنتها الحقيقية. قبل ستة عشر عامًا، جاءت امرأة إلى بابهم ليلاً، تنزف وتحمل رضيعة، وأعطتها لوالدة ليان قائلة: "خبئيها... يومًا ما ستفهم، يومًا ما ستنقذنا جميعًا." ثم اختفت وسط العاصفة، ولم تُرَ بعدها أبدًا.
في تلك الليلة، نظرت ليان إلى المرآة، ولم ترَ فقط ملامح فتاة قروية، بل ومضة من الماضي، قوة نائمة بداخلها، شيءٌ أكبر من القرية والغابة. أصبحت تعرف أن حياتها كانت مجرد بداية لقصة أعمق، وأن الشجرة لم تكن إلا البوابة.
الآن، بينما تعصف الرياح في الخارج، وتتراقص الظلال على الجدران، أدركت ليان أن عليها أن تعود. إلى الغابة. إلى الكهف. إلى الرجل المقيّد والسر المدفون منذ قرون. ما لم تفهمه بعد، أن العالم كله قد يتغير إذا اختارت أن تفتح الباب.
الرياح تضرب نوافذ القرية كأنها تحذر من شيء قادم. ليان لم تنم تلك الليلة. جلست أمام الشمعة التي تذوب ببطء، تحدّق في القلادة التي أعطتها لها والدتها—نفس القلادة التي كانت مع المرأة الغريبة التي تركتها رضيعة على العتبة قبل ستة عشر عامًا. كانت القلادة تتوهج في الظلام. لم تكن مجرّد قطعة حليّ، بل كانت حيّة... تتنفس.
في قلبها، كانت تعرف أن الوقت قد حان. الشجرة نادتها، والكهف ظهر لها في رؤى متكرّرة، والرجل المقيّد داخل الظلام لم يكن مجرد رؤية. بل رسالة. رسالة من ماضٍ لم تعشه، لكنها مرتبطة به بدمها.
خرجت من البيت دون أن تنظر خلفها. الغابة كانت صامتة بشكل غير طبيعي، الأشجار كأنها تنحني لها في طريقها. لم تخف. هذه المرة، لم تكن تلك الفتاة القروية التي تسكنها الأسئلة. كانت تسير كمن يعرف ما عليه فعله.
وقفت أمام الشجرة، ولمستها مجددًا. الجذع انفتح كأنه باب. خلفه ظهرت درجات حجرية تنزل إلى عمق الأرض، ومصباح أخضر يتوهج في نهاية الممر.
تنفست بعمق، وسمعت الصوت من جديد، واضحًا للمرة الأولى:
"أنتِ الأخيرة من نسل الحُماة. إما أن تفتحي الباب... أو ينهض الظل."
نظرت إلى الأسفل، ترددت للحظة... ثم رفعت قدمها، وخطت أولى خطواتها إلى المجهول.
في اللحظة التي اختفت فيها داخل الجذع، انطفأت الرياح، وساد سكون مخيف.
في مكان بعيد، في أرض لم يرها أحد منذ قرون، بدأت عين مغطاة بالغبار تُفتح ببطء...
--ليلة واحدة... حلم غريب... وقلادة بدأت تلمع فجأة.
ما الذي ينتظر ليان داخل الشجرة؟ وهل كانت حقًا رؤى... أم نداء لا يمكن تجاهله؟
تنتهي القصة... لتبدأ.
كانت خطوات ليان تتردد على الدرج الحجري كأنها صدى من زمن بعيد. كانت تنزل ببطء، تحمل في يدها القلادة المتوهجة، وفي قلبها شعور غريب: مزيج من الخوف واليقين. الجدران المحيطة بها كانت ملساء، منحوتة كأنها نُقشت بأصابع غير بشرية، وفي كل بضعة أمتار، وُجدت رموز غريبة تضيء كلما مرّت بجوارها.
عندما وصلت إلى نهاية الممر، وجدت نفسها في قاعة دائرية ضخمة. في منتصفها، كانت هناك منصة حجرية تعلوها سلاسل سوداء ملتفّة حول ما بدا كأنه جسد بشري. كان الرجل هناك... كما رأته في رؤياها. وجهه شاحب، مغلق العينين، لكن صدره كان يتحرك ببطء... حي.
اقتربت ليان ببطء، وكلما تقدّمت، خفّت إضاءة المكان حتى لم يبقَ سوى نور القلادة يسطع. عندما وقفت أمامه تمامًا، همس صوت من داخل عقلها، ليس خارجه:
"هل أنتِ مستعدة لتُفي بوعد الدم؟"
لكن ليان لم تكن تعرف ما هو الوعد، ولا ما المقصود بـ"دمها". مدت يدها نحو السلاسل، وقبل أن تلمسها، اشتعلت القلادة فجأة بضوء أبيض نقي. شعرت بحرارة تسري في عروقها، وصوت ينبض من داخل العظام يقول:
"إذا حررته، يتغير كل شيء... إذا تركته، يبقى الظل نائمًا. أنتِ مفتاح التوازن."
وقفت ليان لحظة، تردّدت. هل هذا الرجل سجين أم سلاح؟ هل هي منقذة أم بداية كارثة؟
لكنها لم تكن تملك الوقت. فالأرض بدأت تهتز تحت قدميها، والجدران تعوي بصوت الريح، وكأن الغابة كلها تعلم أنها هناك.
في لحظة حاسمة، وضعت القلادة على السلاسل. اختفت فجأة، كأنها ذابت داخلها، ومعها تلاشت السلاسل.
فتح الرجل عينيه... لم تكن عيناه بشريتين. كانتا بلون النار، وفيهما عُمق يشبه الليل نفسه. نظر إلى ليان وقال بصوت خافت، لكنه قوي:
"أخيرًا... استيقظتِ."
قبل أن تتمكن ليان من الرد، ارتفعت الأرض من تحتها، وابتلعتها دوامة من الضوء والظلال. لم تعد ترى شيئًا، فقط شعرت بأنها تسقط في عالم آخر... أو زمن آخر... أو داخل ذاتها.
وفي مكان آخر، بعيدًا عن القاعة والحجر، وقفت امرأة مغطاة بعباءة سوداء، على حافة بحيرة مجمدة، تراقب السماء. ابتسمت وقالت:
- "لقد فُتح الباب... لن يعود العالم كما كان."
---
وتظل الأسئلة معلّقة: من هو هذا الرجل؟ ما هو "وعد الدم"؟ هل ليان منقذة... أم مجرد قطعة في لعبة أكبر منها؟