حين تتكلم العيون

حين تتكلم العيون

0 المراجعات

لم يكن خالد يومين بالحب من النظرة الأولى .كان يرى أن القلوب تكسب بالعشرة،وان العاطفة لا تبنى إلا على أسس من المعرفة والثقة.لكن كل تلك القناعات تبددت فى لحظة واحدة،حين التقت عيناه بعينى سارة.

كانت ظهيرة خريفية دافئة،والهواء يحمل عبير أشجار الليمون المتساقطة فى الحديقة العامة.

جلس خالد على مقعده المعتاد،يقرأ فى رواية أحضرها من مكتبته الصغيرة.وبينما هو مستغرق فى القراءة شعر بظل يمر بجانبه،تبعه صوت ناعم يطلب الاذن بالجلوس على طرف المقعد.

رفع رأسه،فرأى فتاه ترتدى معطفا رماديا،وشالا بلون الخريف.عيناها كانتا واسعتين،بلون البحر قبل الغروب،وفيهما شئ من الحزن القديم الذى لا يعرف مصدره،لكنه يأسر القلب فورا.

“تفضلى ”قالها وهو يبتسم،لكن صوته خرج أضعف مما توقع.كأن شيئا فى داخله قد اهتز.

لم تكن تلك مصادفة عابرة .تكررت اللقاءات،بداية كتحية خجولة،ثم كحوار قصير عن الطقس،ثم تطورت إلى نقاشات مطولةعن الكتب والموسيقى والطفولة والخيبات .

اكتشاف معا أن كلاهما يعشق الصمت،ويجد راحته فى الأماكن الهادئة،وان بينهما لغة صامته تفهمها العيون قبل الشفاه.

سارة،كانت فتاة حالمة،ترسم حين تحزن،وتغنى بصوت منخفض حين تشتاق.كانت تحمل داخلها قلبا هشا،جرح كثيرا لكنها ما زالت تؤمن بأن الحب الحقيقى ممكن.

أما خالد،فكان شخصا واقعيا،يخشى التعلق ويهرب من كل ما يربكه…حتى جاءت هى،وكأنها الخيط الذى ربط كل فوضاه.

فى أحد الايام،جلسا سويا تحت شجرة معمرة ،ودار بينهما هذا الحوار

قالت سارة وهى تنظر إلى الغيم:

اتعرف؟حين رأيتك اول مرة،شعرت أننى اعرفك منذ زمن.كأنك تعيش فى خيالى منذ الطفولة.

ابتسم خالد وقال،وهو يحاول أن يبدو هادئا:

وانا،شعرت أن العالم كله توقف للحظة.لا اعلم كيف ولماذا،لكنى أدركت انك لست شخصا عابرا فى طريقة.

مرت الايام،وتحولت اللقاءات إلى إنتظار.اصبح كل منهما يفتقد الآخر حتى وهو بجانبه.لم تعد الكلمات ضرورية ،فالنظرات كانت تكفى لتقول كل شئ.

لكن،كما فى كل حكاية ،لابد من اختبار .

وصل خبر إن خالد قد قبل فى منحة دراسية فى الخارج،لعام كامل.لحظة سماع الخبر كانت صامته.سارة اكتفت بالنظر اليه،اما هو،فكان يخشى أن ينكسر شئ بينهما.

فى آخر يوم قبل السفر،وقفا فى ذات الحديقة،تحت ذات الشجرة.

قالت سارة،والدمع فى عينيها:

سأنتظرك،لا لانك وعدت،بل لأن قلبى لا يعرف طريقا غيرك.

رد خالد وهو يمسك يدها:

وسأعود،لا لأن الغربة صعبة،بل لانك الوطن.

ثم افترقا،لكن قلبيهما بقيا معا،يتحدثان عبر المسافات ويكبران بالحب،ويؤمنان أن اللقاء ليس دائما بداية،بل احيانا يكون الفراق هو الذى يثبت أن الحب حقيقى.رغم البعد يبقى الحب حيا بينهما كأن العيون ما زالت تتكلم.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة