
ظل القرية المنسية
*الفصل 1: النداء الغامض**
كانت الليلة عاصفةً لا تُنسى، حيث كانت السماء ملبدة بالغيوم السوداء، والرياح تعصف بقوة، تزمجر كأنها تنادي بأصوات غامضة من أعماق الظلام. أمطار غزيرة كانت تتساقط على قرية نائية، صغيرة، محاطة بأشجار طويلة ومرتفعة، تكاد تختفي في ظلام الليل الكثيف. أصوات الرعد كانت ترعد في الأفق، وتخترق سكون الليل، بينما تلمع أضواء البرق فجأة، تضيء السماء لثوانٍ معدودة.
داخل منزل صغير على أطراف القرية، كان يونس جالسًا بجانب المدفأة القديمة، يحاول أن يهرب من برودة الجو، لكن قلبه كان يخفق بسرعة، وكأنه يعاني من توتر داخلي لا يستطيع السيطرة عليه. شعر بيديه ترتجفان، وعيونه تتسع من الخوف، رغم أنه حاول أن يظهر هادئًا، إلا أن داخله كان مليئًا بالقلق والتساؤلات.
حين سمع طرقًا غريبة على الباب الخارجي، توقف كل شيء في داخله. لم تكن الطرق معتادة، بل كانت متقطعة، وكأن شخصًا يختبر صبره أو يهدده. ارتفعت نبضاته أكثر، وشعر وكأن شيئًا غير مرئي يراقبه من الظلام.
"من هناك؟" همس بصوت مرتجف، وهو يحاول أن يسيطر على خفقان قلبه، لكنه لم يسمع ردًا. فقط استمرت الطرق، بشكل متقطع، وكأنه يناديه، أو يطلب مساعدته.
تردد للحظة، ثم نهض ببطء، وهو يشعر بثقل غريب في صدره، كأنه يحمل عبئًا من الخوف والفضول معًا. خرج من غرفته، وتسلل نحو الباب، يضع يده على المقبض، وهو يتنفس بصعوبة، يحاول أن يهدئ من روعه.
فتح الباب ببطء، ووقف أمامه ظلٌ غامض، غير واضح المعالم، يختلط فيه الظلام والضباب. لم يتكلم، فقط ألقى نظرة عميقة، وكأنه يحمل رسالة سرية، أو تحذيرًا من شيء قادم.
وفي تلك اللحظة، شعر يونس بشيء غريب، كأنه نداء داخلي يدعوه للمغامرة، أو ربما للخطر القادم. لم يعرف بعد، لكنه أدرك أن شيئًا ما قد بدأ يتغير في حياته، وأن هذا الظل ليس إلا بداية لرحلة لن تكون سهلة.
مشاعره كانت مختلطة بين الخوف والفضول، وبين رغبة قوية في معرفة الحقيقة، وبين خوفه من المجهول الذي يلوح في الأفق. قلبه كان ينبض بسرعة، وكأنه يحذر نفسه من أن يتخذ خطوة خاطئة، لكنه في الوقت ذاته كان يشعر بأن عليه أن يواجه ما ينتظره.
تردد للحظة، ثم قرر أن يخطو خطوة للأمام، ليخبر أصدقائه بما حدث، فهو يعلم أن الفضول وحده لن يكفي، وأن عليه أن يواجه المجهول قبل أن يبتلع الظلام القرية كلها.
وفي النهاية، وقف يونس هناك، ينظر إلى الظل الذي اختفى بين الأشجار، وهو يشعر بأن الليل لن يكون كما كان من قبل. شيء غامض، شيء مخيف، بدأ يقترب، ويبدو أنه لن يتوقف عند حد معين.
أما المحيط، فكان يحيط بالقرية من كل جانب، يمتد بلا نهاية، مظلمًا وهادئًا، كأنه يختزن أسرارًا عميقة، وأصواتًا خافتة تتردد في أذهان من يقتربون منه. الرياح كانت تعصف بأغصان الأشجار، وتهمس بأصوات غامضة، وكأنها تحمل رسائل من عالم آخر، عالم لا يراه إلا القليل.
---
*الفصل 2: أسرار الظلام**
استيقظ يونس في صباح يوم جديد وهو يحمل في قلبه مزيجًا من الفضول والخوف. لم يستطع أن ينسى الظل الغامض الذي رأه الليلة الماضية، وكأنه يحمل رسالة من عالم آخر. كانت الشمس تتسلل بين غيوم السماء، لكن الجو لا يزال باردًا، والهواء مشحونًا بسحر غير مرئي.
وقف يونس على الشرفة يتأمل المحيط الواسع، الذي يمتد بلا نهاية، كأنه يحرس أسرارًا عميقة. الأمواج تتلاطم برفق على الشاطئ، وتصدر أصواتًا خافتة، كأنها تهمس بأسرار قديمة. شعر بنسمة هواء باردة تمر عبر وجهه، تحمل معها رائحة الملح والأمل، لكنها أيضًا تثير لديه شعورًا غامضًا بالخطر.
تذكر كيف كان قلبه يخفق بشدة عندما رأى الظل الليلة الماضية، وكيف أن مشاعره كانت متضاربة بين الخوف والرغبة في معرفة الحقيقة. بدأ يتساءل: هل هناك علاقة بين ذلك الظل والمحيط؟ هل يحمل معه سرًا مخفيًا، أم أنه مجرد خيال ناشئ من خوفه؟
وفي تلك اللحظة، سمع خطوات خفيفة تقترب من خلفه. استدار بسرعة، ليجد أمامه فتاة صغيرة ترتدي ملابس بسيطة، عيناها لامعتان ووجهها يعكس فضولًا بريئًا. كانت تعرف باسم ليلى، وهي من سكان القرية، وكانت دائمًا تتحدث عن أسرار البحر والأماكن المخفية على طول الساحل.
"صباح الخير، يونس"، قالت بابتسامة ودودة، "هل سمعت الصوت الليلة الماضية؟"