
محمد على باشا اعظم من حكمو مصر
محمد على باشا اعظم من حكمو مصر
نستعرض معًا قصصًا من التاريخ تحمل في طياتها دروسًا مالية واقتصادية هامة. اليوم، سنتوقف عند شخصية محورية لا يمكن الحديث عن تاريخ مصر الحديث دون ذكرها، إنه محمد علي باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة. لم يكن حكم محمد علي مجرد فترة سياسية عابرة، بل كان ثورة اقتصادية شاملة غيّرت وجه مصر للأبد. فكيف استطاع هذا الرجل، خلال فترة قصيرة، تحويل مصر من مجرد ولاية عثمانية متخلفة إلى قوة إقليمية..؟
معلومات عن محمد على
ولد محمد علي باشا في مدينة قَوَلة (Kavala)، وهي مدينة ساحلية تقع في منطقة مقدونيا باليونان حاليًا، وكانت في ذلك الوقت تابعة للدولة العثمانية.
تاريخ الميلاد:
4 مارس 1769م.
تاريخ الوفاة:
2 أغسطس 1849م. توفي محمد علي في قصر رأس التين بالإسكندرية، ودفن في مسجده الشهير بقلعة صلاح الدين بالقاهرة.
حكم محمد علي باشا مصر.؟
في الفترة من 1805م حتى 1848م ، واستمر واليًا على مصر حتى عام 1848م، حيث تم عزله فعليًا بسبب تدهور حالته الصحية، وتولى ابنه إبراهيم باشا الحكم لفترة قصيرة قبل وفاته.
نظام "الاحتكار": حجر الزاوية في الاقتصاد الجديد
كانت الركيزة الأساسية لنهضة محمد علي الاقتصادية هي نظام "الاحتكار". هذا النظام لم يكن مجرد سياسة اقتصادية، بل كان فلسفة حكم كاملة سيطر من خلالها على جميع جوانب الاقتصاد المصري. يمكن تلخيص هذا النظام في سيطرة الدولة الكاملة على:
الزراعة: ألغى محمد علي نظام الالتزام الذي كان سائدًا، وأصبح المالك الوحيد للأرض. أقر سياسات زراعية تهدف إلى زيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي ثم التصدير. كان أبرز إنجازاته في هذا القطاع هو إدخال زراعة "القطن طويل التيلة" الذي أصبح سلعة تصدير رئيسية ومصدرًا هائلاً للدخل، وساهم في تمويل مشاريعه الضخمة.
الصناعة: أدرك محمد علي أن القوة العسكرية تعتمد على القوة الصناعية. لذلك، أنشأ العديد من المصانع الحكومية في مجالات حيوية مثل الأسلحة، والذخائر، والمنسوجات، ومعامل السكر. كانت هذه المصانع تعمل تحت إشراف الدولة بشكل كامل، وتعتمد على خامات محلية، لتلبية احتياجات الجيش المتزايدة وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
التجارة: كان محمد علي هو التاجر الأكبر في البلاد. فالدولة كانت تحتكر شراء جميع المحاصيل الزراعية بأسعار محددة، وتبيعها في الأسواق المحلية أو الخارجية. هذه السيطرة الكاملة على الإنتاج والتوزيع والتصدير سمحت له بجمع ثروات هائلة، استخدمها في بناء جيش قوي، وتطوير البنية التحتية، وتحديث البلاد.
الربط بين الاقتصاد والجيش: سر القوة
لم تكن الإصلاحات الاقتصادية هدفًا في حد ذاتها، بل كانت وسيلة لتحقيق هدف أكبر: بناء دولة قوية ذات جيش حديث. فقد استخدم محمد علي الأرباح الطائلة من نظام الاحتكار لتمويل حملاته العسكرية وتحديث الجيش المصري، الذي أصبح في وقت ما ينافس أقوى الجيوش الأوروبية. كان الجيش هو القوة الدافعة وراء كل قرار اقتصادي، فكانت الصناعات موجهة لخدمته، والتجارة لتمويله، والتعليم لتزويده بالخبراء والمهندسين.
نهاية الاحتكار وبداية عصر جديد
على الرغم من النجاحات الباهرة التي حققها نظام الاحتكار، إلا أنه لم يدم طويلاً. فقد بدأت القوى الأوروبية، وخاصة بريطانيا، تشعر بالتهديد من قوة محمد علي الاقتصادية والعسكرية. مارست هذه الدول ضغوطًا كبيرة على السلطان العثماني، وأسفر ذلك عن توقيع "معاهدة بلطة ليمان" عام 1838، التي نصت على إلغاء نظام الاحتكار وفتح الأسواق المصرية أمام التجارة الأوروبية الحرة. كان هذا بمثابة ضربة قاصمة لمشروع محمد علي، وأدى إلى تدهور صناعاته وزراعته، وانتهى به الأمر إلى التخلي عن طموحاته التوسعية.
في الختام، يظل حكم محمد علي باشا علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث. فبالرغم من الطبيعة الاستبدادية لنظام الاحتكار، إلا أنه وضع حجر الأساس لاقتصاد مصري حديث، وأرسى دعائم الدولة المركزية، وأيقظ في المصريين روح التطلع إلى التقدم والحداثة. كانت فترة حكمه مثالًا على أن الإرادة السياسية، إذا ما اقترنت ببعد نظر اقتصادي، يمكن أن تحقق نهضة شاملة رغم كل التحديات.