واحة ولاد سْعيد في الجزائر: شهدت منذ زمن طويل مجتمعات زراعية دائمة.
واحة ولاد سْعيد في الجزائر: شهدت منذ زمن طويل مجتمعات زراعية دائمة.
الماء شريان حياة الصحراء، وإن مئات الواحات المبعثرة في أنحاء الصحراء الكبرى هي بمنزلة جزرٍ خصبة في خضمٍ بحرٍ موحش.
فالواحة عبارة عن صورة رومانسية تتمثل في أشجار نخيل متموجة بجانب مجتمع من الماء الزلال، يتزود منها البدو الرحل قبل الانتقال إلى مكان آخر. إنها رؤية حالمة، لكنها ليست صحيحة تماماً؛ ذلك أن بعض الواحات ، كواحة ولاد سْعيد في الجزائر، شهدت منذ زمن طويل مجتمعاتٍ زراعية دائمة.
واحة ولاد سْعيد، بكل ما فيها من غياض نخيلٍ ومزارع خضراوات، بقعة جذابة ساحرة، حيث تضيف أثوابُ النساء فيها لمساتٍ لونيةً لشوارع تنتظم على جانبيها بيوتٌ مبنيةٌ من الطين الأحمر. وهي تقف في تباين صارخٍ مع محيطها – العرق الغربي الكبير. هناك ترتفع كثبان عظيمةٌ شبيهةٌ بأمواج بحرٍ متحركٍ من الرمال، وتعمل الشمسُ اللاهبة على رفع درجة حرارة نهار الصيف إلى 49 درجة مئوية أو يزيد؛ فالمسافر الذي تتقطع به السُّبُل بلا ظلٍّ ولا ماء يهلك لا محالة من ضربة الحرِّ أو التجفاف في غضون 48 ساعة. وسكان ولاد سعيد في معظمهم مزارعون يبيعون غلالهم في الأسواق؛ فهم يزرعون أراضيهم – التي تروى سقايةً- خضراواتٍ وأعناباً وتيناً وخوخاً وبرتقالاً، إضافةً إلى أشجار النخيل، أثمن محصول صحراوي على الإطلاق. وضمن غياض النخيل ثمة أعمدة ما زالت شاهدةً على موقع سوق النخاسة العتيق حيث كان العبيد من ذوي الحظ العاثر يستخدمون لشق قنوات الري أو ما يسمونها الفجرات (مسايل الماء) التي جلبت كل هذه الخصوبة. وتستنبط هذه القنوات المياه الجوفية المحتواة ضمن خزانات رملية " إسفنجية" هائلة الحجم ربما بلغت ثخانتها 1800 متر في بعض الأماكن .
ويقال إن شجرة النخيل تزدهر عندما يكون رأسها في اللهب وأصلها في الماء، وهي – شأن الجمل – قوام الحياة في الصحراء. وبسبب من أهميتها الكبرى يتعامل معها باحترامٍ شديد كما لو أنها من الأقارب الأدنين، وهي إلى ذلك موضوع نسجت حوله الخرافات والأساطير.
تقول إحدى هذه الأساطير إن الله تعالى خلق شجرة النخيل من الصلصال المتخلف عن خلق آدم عليه السلام . وتزعم أسطورة أخرى أن الله، بعد أن أخرج آدم من الجنة، أمره أن يقص شعره وأظفاره ويدفنها في الأرض، حيث نمت شجرة ريَّانة الثمار.
شجرة الحياة:
يقال أيضا إن أشجار النخيل تقيم علاقات وشيجة فيما بينها. فإذا ماتت شجرةٌ منها حزنت لفقدها جارتها القريبة منها، فامتنعت عن إنتاج الثمار ؛ في حين تموت شجرة أنثى إذا ما قُطِع " عشيقها".
ويجدر بالذكر أن ثمار هذه الشجرة النفيسة غذاءٌ رئيسي؛ فإلى جانب أن التمور تؤكل طازجة، فقد ت جفف وتُطحن لتصبح دقيقاً. وليس من الشجرة جزء إلا ويستفاد منه؛ فجذعها يُستعمل خشباً للبناء ووقوداً، ولحاؤها الليفي الخشن يُنسج حبالاً، وساقها تستعمل في الأسيجة والسطوح، وأوراقها تُحاك سلالاً ومكانس وأكياساً وخفافاً.
وعصير بعض أنواع ثمرها تُصنع منه أشربةٌ سكرية مركزة، في حين يمكن تخمير عصير أنواع أخرى منه لتتحول إلى خمورٍ قوية التأثير. بل إنهم استفادوا حتى من النوى، وذلك بشيها وسحنها لصنع " قهوة" التمر التي تُشرب بديلاً من الشاي الحار في الأمسيات الصحراوية الباردة.
الخاتمة:
واحة ولاد سْعيد (تُكتب أحيانًا: أولاد سعيد) في الجزائر من الواحات التي عُرفت منذ القدم بوجود مجتمعات زراعية مستقرة.
🔹 مميزات هذه الواحة تاريخيًا:
الزراعة الدائمة: اعتمد أهلها على نظام السقي التقليدي (الفَقّارة أو السواقي) لري النخيل والمحاصيل.
النخيل كمصدر أساسي: التمور كانت الدعامة الاقتصادية، إضافة إلى الشعير والقمح وبعض الخضروات.
المجتمع الواحي: الحياة هناك تقوم على التضامن بين السكان لتوزيع المياه وحماية الأراضي من التصحر.
الدور التجاري: مثل باقي واحات الجزائر، شكّلت محطة عبور للتجار والمسافرين القادمين من الصحراء نحو الشمال.
✨ الواحات مثل ولاد سعيد تُعتبر اليوم تراثًا زراعيًا وثقافيًا، يجمع بين البُعد البيئي (التأقلم مع المناخ الصحراوي) والبُعد الاجتماعي (التعاون بين الأسر والعروش).
