
"كانت خادمة في عيونهم، وصارت سيدة في قلبه"
الله اما صلي وسلم علي سيدنا محمدعلي اليه وصحبه أجمعين دايما للزم نبدأ اي حاجه بالصلي علي النبي صلو عليه
في عالمٍ تسوده التقاليد والقوة، تأتي رواية "الخادمة والأسد" لتكسر الصورة النمطية وتفتح أبوابًا من الصراع النفسي والعاطفي بين طبقتين مختلفتين تمامًا. تدور أحداث الرواية حول خادمة بسيطة تُجبرها الظروف على العمل في قصر فخم، لتجد نفسها أمام رجلٍ يحمل صفات "الأسد": قاسي، قوي، ومُهاب، لكنه يخفي جراحًا لا تُرى بالعين. الرواية ليست مجرد قصة حب تقليدية، بل تحمل في طيّاتها رسائل عميقة عن الكرامة، والعدالة، ومعنى القوة الحقيقية. فبين لحظات الضعف، وحوارات التحدي، تتغير نظرة كلٍّ من البطلين تجاه الحياة، وتجاه بعضهما البعض.في رواية "الخادمة والأسد"، لا تبدأ الحكاية كما نتوقّع، بل تنفجر من أول لحظة. "راوية"، فتاة بسيطة جاءت لتخدم في قصر لا تعرف عن سكانه شيئًا. لكن ما إن تطأ قدماها أرض القصر، حتى تسمع صراخًا هائجًا يهز الجدران. رجال وخدم يجرون في كل اتجاه، الكل يخاف، الكل يصمت، إلا هي.
ينزل "الأسد" بنفسه — هكذا ينادونه — رجل ضخم، عابس الوجه، صوته يرعب ولا يُرد، يأمر، فيُطاع. لكن "منال " لم تكن كالباقين. لم تهرب. لم تسكت. وقفت وقالت له بصوت متحدٍ:
“إنت بتزعق ليه؟ هو في إيه يعني؟!”
الصدمة ارتسمت على وجوه الجميع. كيف تجرؤ؟!
لكنها لم تتراجع.
فقال لها بصوت غاضب:
“إنتِ بتكلميني أنا كده؟ أنا الأسد! محدش يقدر يرفع عينه في وشي!”
نظرت له بدون خوف وقالت:
"هو يعني لما تبقى صوتك عالي تبقى راجل؟ الجو كله اتجمّد.
هو ما استحملش الكلمة، مد إيده وصفعها بالقلم، وقال بصوت زئيره المعتاد:
“اخرصي يا حيوانة، أنا راجل غصب عنك وعن اللي خلفوك!”
وقفت "منال " ما بين الألم والإهانة، تمسك خدها اللي اتلسع، لكن عينيها ما كانتش فيها دمعة، كانت فيها نار.
بصّت له بنظرة كلها انتقام، وقالت له بهدوء بارد يهز أي جبروت:
“عارف مش هرد عليك،يا أستاذ أسد... عشان مفيش راجل حقيقي يضرب واحدة بالقلم.”
وسابت المكان ومشيت.
وهو واقف، ما عرفش يرد، ولا حتى يواجه نفسه.بعد ما "راوية" قالتله الجملة اللي كسرت غروره:
“مفيش راجل يضرب واحدة بالقلم”
وخرجت تمشي من غير ما تبص وراها،
وقف "الأسد" ساكت، ووشه نار، بس مش من الغضب… من القهر.
دخل أوضته، وسابهم كلهم ساكتين، حتى رجله ما كانتش قادرة تحمِل جسمه
وقتها، حس إن الدنيا كلها بتضحك عليه، هو اللي كان دايمًا صوته أعلى من الكل،
بقى ساكت، وجواه صوت واحد بيرن:
“هي عندها حق؟!”
خرج من أوضته وهو بيحاول يرجع صورته القاسية، وقال في نفسه:
“لأ، لازم أنطقهم… أنا لازم أوريهم مين الأسد.”
نده على "زينب " — الست الكبيرة اللي مسؤولة عن الخدم، وقال لها بنبرة آمرة:
“خلي البت راوية تيجيلي، وديني أكل.”
ردّت عليه منال:
“هي نايمة يا بيه، أصلها تعبانة من اللي حصل.”
سكت ثانية، وعينه ولعت، وقال لها:
“هو القصر ده بقى عزبة؟! مين اللي ينام من غير إذني؟! ومين اللي ياخد راحة من ورايا؟”
قالت له زينب بهدوء:
“معلش يا بيه، دي لسه جديدة… ومش متعودة على العيشة هنا. يمكن تأخذ على المكان مع الوقت.”
بص لها بنظرة كلها قسوة وقال:
“قولي لها تصحى… وتيجي… دلوقتي.”
وفي اللحظة دي، إحنا كقرّاء بنبدأ نفهم حاجة أعمق… إن "الأسد" مش بيغضب علشان اتكلمت،
هو بيغضب لأنه حس إن حد لمس الجرح اللي مخبيه.
كأنها أول مرة حد يقول له:
“أنا شايفك… شايف ضعفك قبل قوتك.”
وهنا الرواية بتدخل منعطف جديد. مش بس بين "منال" و"الأسد"،
لكن بين "الأسد" ونفسه، بين جواه اللي بيغلي، ووشه اللي متماسك.
"الخادمة والأسد" مش رواية رومانسية تقليدية.
دي مرآة.
بتورينا إزاي الجبروت أوقات بيخبي خوف،
وإزاي الكلمة الصح ممكن تهز جبل.وبعد ما "الأسد" أمر بصوت مليان غليان:
“خلي منال تصحى وتيجي!”
صحيت "منال" وهي لسه بتلم في نفسها من اللي حصل، لكن مشيت بخطوات ثابتة، شايلة الأكل على صينية قدامها، ورايحة له في أوضته.
دخلت، ووقفت قدامه، وقالت وهي بتحط الأكل:
“اتفضل.”
بصلها ببرود، وقال:
“ماشي.”
سكتت شوية، وبعدها بصت له وقالت:
“ماشي؟! ماشي إيه؟! هو ماما وبابا ما علموكش لما حد يقدم لك حاجة تقول شكراً؟! مش تقول ماشي كأنك بتكلّف!”
اتنفض واقف، عينه ولعت، وقال لها:
“انتي بتكلّمني كده؟!”
قالت له:
“آه… بكلمك كده، وأكتر كمان. أنا مش جايالك عبدة، أنا جاي أشتغل، مش أتهان.”
مد إيده بسرعة وشال فازة من على الطاولة، رماها في الأرض بحدة، والشرار طالع من عينه، وقرب منها، مسك إيدها بقوة.
لكنها شدّت إيدها وقالت له:
“انسى… إوعى تفتكر إني هسكت! إوعى تفتكر إني من النوع اللي بيخاف من الزعيق والعنف! كنت ممكن أروح… كنت ممكن أسيبك وأمشي، بس أنا اللي قررت أفضّل هنا… علشان أوريك إنك مش قدّي.”
قرب منها وقال لها بصوت واطي بس مرعب:
“أنا الأسد… أنا أقدر أجيب عشرة زيك!”
ابتسمت ابتسامة ساخرة، وقالت له:
“وأنا كمان كنت أقدر أجيب عشرة زيك… بس الفرق إنك عارف إني أقوى منك، وأنا كمان عارفة. بس لازم تفضل تعيّط جواك، وتلبس القناع ده علشان الناس تقول 'يا سلام، إيه هيبة الأسد'… وهي في الحقيقة قشرة فاضية، خايفة تتكسر.”
وسابته وخرجت.
هو ما اتحرّكش، ولا حتى نطق. كأن كلامها دخل جوه قلبه زي السهم، وجمده مكانه.لكن في لحظة ضعف… بعد ما "منال " سابته وخرجت، وسابته الكلمة ترن جواه زي خنجر، رجع يقعد على الكرسي وهو بيحس لأول مرة إنه مش قادر يتنفس.
ندا بصوت ضعيف ما يشبهوش أبداً:
“منال... منال... منال.”
جات منال بسرعة وقالت:
“أيوه يا اسد ”قالها أسد من غير القاب قالت منال اذا كان عاجب .
بصّ لها بعينين فيها حيرة وضعف، وقال:
“إنتي... إزاي قوية كده؟ إزاي بتوقفي قدامي كإني مش الأسد اللي الكل بيخاف منه ؟”
ردّت عليه منال، والهدوء مالي صوتها:
“أنا مش قوية يا اسد... أنت اللي من جواك ضايع. لما البني آدم بيكون مهزوم من نفسه، بيشوف أي حد قدامه أقوى منه.”
سكت لحظة، وهي كملت:
“إنت مش شايف الناس على حقيقتها، إنت شايفهم من خلال كسر جواك، كسر من زمان… بقاله سنين ساكنك. وعلشان كده، كل ما حد يقرّب، او يلمس جرحك. بتقسى، بتنهش.”
بدأت دموع تتجمع في عينه، لكن رفض ينهار، فقال بعناد:
“أنا أقوى واحد هنا… أنا اللي عندي القصر، وعندي الرجالة، وعندي الفلوس!”
قالت له منال بنظرة كلها صدق ووجع:ده بتهيألك
“والله يا اسد ، ولا قصرك نافعك، ولا فلوسك دفّيتك، ولا رجالتك حموك من اللي جواك. أنت مش قوي… أنت متداري. كل اللي بتصرخ فيه هو خوف. كل اللي بتعذبنا عشانه، هو صراعك مع نفسك.”
سكت. سكت كأنه لأول مرة يسمع الكلام ده.
كأنه حد دخل قلبه وشاف الخوف مرمي جوه ومكشوف.
منال وقتها ما كانت خدامة…
كانت الحقيقة اللي ما قدرش يواجهها.
كانت المراية اللي شافته من غير تاج، ولا لقب…
وشافته بني آدم.وفي لحظة سكون، بعد كل الغضب، بعد كل الصراخ،
بصّت له "منال" نظرة مش خوف…
ولا تحدي…
دي كانت نظرة إنسانة شايفة الجرح اللي محدش شافه.
قربت منه وقالت له بصوت هادي مليان إحساس:
“أسد… أنا عارفة إني مش مامتك ولا باباك ولا حد قريب منك ، ولا الحاجة اللي بتدور عليها… بس أنا حاسة… وحاسة جدًا.”
سكت، وهي كملت كلامها:
"أنا عارفة إنك مش محتاج خدامة ترد عليك…
ولا مرات تخاف منك…
أنت محتاج تفرّغ…
تحكي…
تحس إن في حد سامعك."
قربت أكتر وقالت له بهمس:
"إيه اللي حصل زمان يا أسد؟
مين كسرك كده؟
مين سابك لوحدك؟
إيه الكلمة اللي اتقالتلك وانت صغير ولسه لحد دلوقتي بتسمعها في دماغك؟
احكي… أنا سامعاك."
ساعتها، سكت "الأسد".
لكن الملامح على وشه اتغيّرت.
المرة دي، ما كانش غضبان،
كان طفل صغير تايه،
بيحاول يفتكر إزاي الدنيا خذلته.
دمعة صغيرة نزلت،
مش دمعة ضعف…
دي دمعة أول مرة يلاقي حد بيقوله:
“أنا شايفك… ومش خايف منك.”
وفي اللحظة دي…
ما بقاش في أسد، ولا خادمة.
بقى في اتنين…
إنسانين.
سكت شوية… وعيونه بدأت تدمع.
حاول يقوم، لكن رجليه ما شالتوش.
وقع على الكرسي…
زي طفل صغير فقد السيطرة على دموعه وصوته.
قال بصوت مكسور:
"أنا مش قادر أستحمل… أنا خلاص!
أنا طول عمري بلبس وش الأسد…
وبجري في الدنيا كإني أقوى واحد…
بس أنا من جوا… مفيش."
بصّت له منال، وسكتت،
كأنها بتقوله:
“كمّل… أنا سامعاك.”
قال وهو بيحضن راسه بإيده:
"كنت صغير… 8 سنين…
أمي ماتت وأنا قدامها…
وأبوي؟!
سافر من غير ما يبص ورا، وسبني عند جدتي،
اللي كانت شايفاني عار في حياتها."
صوته بدأ يتكسر أكتر:
"جدتي كانت تقول لي كل يوم:
'أبوك سابك علشانك… أمك ماتت في وشك…
إنت نحس يا أسد… إنت لعنة.'"
دموعه نزلت فعلاً، بصوت متقطع:
"كبرت وأنا شايل الكلام ده جوايا،
كل ما أفتكر، أعيّط وأنا مخنوق…
بس لما كبرت، قررت ما أعيّطش تاني…
قررت أصرخ بدل ما أعيّط…
أزعق بدل ما أتكلم…
أضرب بدل ما أتوجع."
سكت شوية وقال:
"وعليكِ يا منال … عليكِ إن كل ده أنا مش قلتوش لحد قبل كده.
أنا أول مرة أقول الكلام ده،
لحد… شافني… من غير ما يحكّمني… ولا يخاف مني."
في اللحظة دي، منال كانت دموعها نازلة بس ما اتكلمتش،
قربت منه، ولمست كتفه بلطف، وقالت:
"مش عيب تبكي… العيب إنك تفضل طول عمرك تعيش لابس وش مش بتاعك.
النهاردة… أنت أسد حقيقي، بس مش لأنك خوّفتنا…
لأنك أخيرًا واجهت جرحك."
---
وهنّا الرواية بتتغيّر.
من صراع… لشفاء.
من غضب… لاعتراف.
ومن كراهية… لبداية فهم.
وعندما رحلت "منال"، كانت دموعها في عينها، بس قلبها مرتاح.
فهمت إنه مش وحش…
هو كان إنسان موجوع، محتاج حد يحن عليه، مش حد يخاف منه.
رجعت تلم حاجتها وهي بتقول لنفسها:
“أنا عملت اللي عليّ… دلوقتي أقدر أمشي.”
لكن قبل ما تخرج من القصر، نداها صوته:
“منال… استني!”
رجعت تبص له، لقيته واقف قدام كل الناس في ساحة القصر،
قالها بصوت كله رجاء:
“أنا لو كنت عايش من غيرك … فمش هعرف دلوقتي أعيش من غيرك.”
وبدون تردد…
ركع على ركبته، وقدّم لها الخاتم،
وقال بصوت واضح قدام الجميع
لكن الرد جه من كل اللي حواليها،
الكل كان بيصفق… يفرح… يبكي.
مش لأن في فرح…
لكن لأن "الأسد" أخيرًا بقى إنسان.
فرحة "منال" كانت نقية،
مش لأنها اتجوزته،
لكن لأنها غيرته…
رجّعته بني آدم.
وبعد الجواز، عاشوا… مش حياة وردية،
لكن حياة فيها احترام…
حب…
وسلام.
---
خلاصة الرواية:
"الخادمة والأسد" مش بس رواية عن حب،
دي رواية عن الشفاء، عن مواجهة الماضي،
عن إن البني آدم ممكن يتغير،
ولو لقى اللي يسمعه،
يرجع حي… بعد ما كان ميت من جوه.
---
بقلم: فرح عماد
كاتبة مصرية بتبدا الطريق شابة تؤمن إن كل إنسان فيه جانب مكسور،
بس كمان… فيه نور لو لقى اللي ينوره.
---