
"إيثرا: العالم الذي يبتلع الغرباء"
الفصل الأول – الليل الذي لم ينتهِ
كان الليل هادئًا على نحوٍ يثير القلق، والرياح تتسلل بين الأشجار العالية كأنها تهمس بسرٍ قديم.
القمر نصف مكتمل، يسكب ضوءه الباهت على الغابة، كأنه يرسم طريقًا خفيًا.
إلارا كانت تمشي وحيدة على الطريق الحجري، خطواتها تتردد في الصمت وكأن الغابة كلها تراقبها.
كانت تبحث عن قرية "فالون" التي حكى عنها جدها، القرية التي لا تظهر على أي خريطة.
قالوا إنها تختفي وتعود حسب مزاجها، لكنها الليلة شعرت بأنها قريبة… قريبة جدًا.
بين الأشجار، لاح أمامها ضوء خافت.
تسارعت دقات قلبها، واقتربت بحذر، حتى رأت كوخًا صغيرًا بابه نصف مفتوح.
من الداخل، انبعث ضوء أصفر دافئ، وخلف الباب سُمعت خطوات بطيئة.
"هل يوجد أحد هنا؟" همست بصوت مرتجف، لكن لم يجبها أحد.
الباب انفتح قليلًا من تلقاء نفسه، كاشفًا عن غرفة مليئة بالكتب القديمة.
على الطاولة، كانت هناك خريطة بالية، ألوانها باهتة، لكن ملامحها غريبة.
الخريطة لم تكن لأي مكان تعرفه، بل كانت لعالم آخر… بثلاثة أقمار تزين سماءه.
فجأة، جاءتها همسة باردة من خلفها: “أنتِ تأخرتِ…”
التفتت بسرعة، ولم تجد أحدًا.
أغلق الباب فجأة، وأصبح الضوء أكثر اصفرارًا، ثم بدأ يخفت ببطء.
الخريطة أمامها تحركت وحدها، خطوطها أعادت رسم نفسها، وظهرت كلمة واحدة في المنتصف: "إيثرا".
شعرت بأن الغرفة تدور حولها، ورياح باردة هبت من مكان مجهول، حتى أن الكتب على الرفوف اهتزت وسقط أحدها أمام قدميها.
كان كتابًا أسود بغلاف جلدي، وعلى غلافه نفس الكلمة: "إيثرا".
مدّت يدها لتفتحه، لكن يدًا باردة كالثلج أمسكت بمعصمها.
صوت رجل همس من الظلام: "لا تفتحيه… إن أردتِ البقاء حيّة".
ارتجفت إلارا، وحاولت رؤية ملامحه لكن الظلال كانت تبتلعه بالكامل.
أشار الرجل إلى الخريطة التي بدأت تشتعل ببطء، وهمس: "هذا هو الطريق إلى نهايتك… أو بدايتك".
الفصل الثاني – العالم خلف الخريطة
لم تمهلها يد الرجل لتسأل، بل دفعها بقوة نحو الجدار الخشبي.
لكن بدلاً من أن تصطدم، شعرت وكأنها تسقط من مكان عالٍ.
صرخة قصيرة خرجت منها، قبل أن تجد نفسها واقفة في حقل واسع تحت سماء لا تشبه سماء عالمها.
كانت هناك ثلاثة أقمار ضخمة، واحد أزرق، وآخر فضي، وثالث أحمر يضيء الأفق بوميض غريب.
الهواء كان أخف، ورائحة الأرض مختلفة… وكأنها لم تُلمس من بشر منذ قرون.
التفتت تبحث عن الرجل، لكنه اختفى.
لم يبقَ سوى الخريطة، ملقاة على العشب، وكأنها كانت تنتظرها.
اقتربت منها ببطء، وعندما لمستها، شعرت بحرارة تتسلل إلى أصابعها.
الخطوط على الخريطة تحركت مجددًا، مكوّنة مسارًا أحمر يمتد نحو غابة سوداء في الأفق.
وقبل أن تفهم ما يحدث، دوّى صرير معدني خلفها.
التفتت، فرأت كائنًا يقف على بعد أمتار… طويل القامة، بوجه مغطى بقناع معدني عليه رموز متوهجة.
صوته كان عميقًا ومشوّهًا: "المدخل لم يكن مخصصًا لكِ".
تراجعت إلارا خطوة للخلف، لكنها شعرت بشيء يلمس كعبها.
كانت جذور أشجار تتحرك وحدها، تحاول الالتفاف حول قدميها.
ركضت بلا وعي، والخريطة في يدها، حتى دخلت الغابة السوداء.
الظلام هناك كان كثيفًا، لكن غريب بما يكفي لأن ترى من خلاله ألوانًا متحركة، كأن الأشجار نفسها تتنفس.
كلما تعمقت، سمعت أصواتًا بعيدة، همسات بلغة لا تعرفها، وكأن الغابة تتكلم عنها.
ثم… ظهر أمامها كوخ آخر، لكن هذا كان مصنوعًا بالكامل من الزجاج الأسود.
اقتربت بحذر، فرأت انعكاسها على الجدار الزجاجي.
لكن الانعكاس… لم يكن يفعل ما كانت تفعله.
انعكاسها كان يبتسم ابتسامة باردة، ويرفع يده نحوها، مشيرًا إلى الباب.
فتحت الباب ودخلت.
الداخل كان أكبر بعشرات المرات مما بدا من الخارج.
رفوف عالية تصل إلى السماء، مليئة بجرار زجاجية، وكل جرة تحتوي على ضوء صغير نابض.
صوت خلفها همس: "هذه أرواح المسافرين… وأنتِ ستصبحين إحداها إن لم تختاري الطريق الصحيح".