الخليفة العباسي: عبدالله أبو العباس (ربيع الأول 132- ذو الحجة 136هـ/ 750- 754م)

الخليفة العباسي: عبدالله أبو العباس (ربيع الأول 132- ذو الحجة 136هـ/ 750- 754م)

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الخليفة العباسي: عبدالله أبو العباس (ربيع الأول 132- ذو الحجة 136هـ/ 750- 754م)

هو أبو العباس عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب هاشم. وأمه ريطة بنت عبيدالله بن عبدالله الحارثية العربية، ولد بالحميمة في أوائل القرن الثاني الهجري، وأدرك الدعوة العباسية في شبابه، وعمل من أجلها مع والده، وعرف الكثير عن أسرارها، ولما توفي والده، وعهد بأمر الدعوة من بعده إلى ابنه إبراهيم – الذي لقب فيما بعد بالإمام – كان خير عون لأخيه، ولما قبض الخليفة الأموي مروان بن محمد ( 127-132هـ) على إبراهيم الإمام عهد بأمر الدعوة من بعده لأخيه أبي العباس دون أخيه أبي جعفر، مع أنه أسن منه بثماني سنوات، وترجع معظم المصادر ذلك لأنه عربي الأم، أما أبو جعفر فكانت أمه بربرية، واسمها سلاّمة.

ويرى بعض الباحثين أن العهد بأمانة الدعوة لأبي العباس لا يرجع إلى عروبته الخالصة. وإنما لأنه كان الرجل المناسب لهذه المهمة، فلم يكن صاحب أطماع كبرى تحول بين بقية أبناء البيت العباسي، وبين ما يطمحون إليه من مناصب في الدولة الجديدة، كما أنه كان على جانب كبير من التسامح أتاح لأعداء العباسيين وخاصة العلويين أن يعيشوا في صفاء مع الدولة الجديدة طوال فترة حكمه.

الخليفة العباسي: عبدالله أبو العباس (ربيع الأول 132- ذو الحجة 136هـ/ 750- 754م)

فلقد سمح لأخيه وأعمامه أن يشاركوه حكم الدولة، كما كان حريصاً على عزل الغرباء وإتاحة الفرصة لأبناء الأسرة لتولي الولايات، ومن جهة أخرى كان عنده الكثير ليمنح العلويين كل ما يحتاجون إليه، فأرضى طموحاتهم، وصادق كبار شخصياتهم، فلم يعارضه أحد منهم طوال عهده.

عهد إبراهيم بالأمر من بعده لأخيه أبي العباس، وأمره أن يسير بأهل بيته سراً إلى الكوفة، فسار إليها، وبويع في مسجد الكوفة بالخلافة على الأرجح في الثاني عشر من ربيع الآخر سنة 132هـ، وخطب فيها خطبته الشهيرة التي أتمها عمه من بعده، ثم قود القواد وولى الولايات ، وأرسل عمه عبدالله بن علي لمحاربة مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية، فانتصر عليه في موقعة الزاب وهرب مروان، فتتبعته الجيوش العباسية حتى ظفرت به وقتلته في قرية " بوصير" بالجيزة في مصر.

كما أرسل أخاه أبا جعفر للقضاء على ابن هبيرة الوالي الأموي المتحصن في واسط بالعراق، فظفر به بعد أن أعطاه الأمان، ولكن أبا العباس لم يحفظ له أمانة، فقتله فيما بعد، وبذلك دانت الدولة الإسلامية كلها للعباسيين تحت خلافة أبي العباس .

لم يتبع أبو العباس نظاما مركزياً في حكمه لدولته، ولم يجمع كل مقوماتها في يده – كما فعل أخيه أبو جعفر فيما بعد – وإنما وزع أعباءها على أبناء أسرته، وربما كان لأخوته وأعمامه في دولته أكثر مما كان له.

اتخذ أبو العباس من حمام أعين قرب الكوفة عاصمة له لمدة ثلاثة أشهر، ثم تركها ونزل الهاشمية في قصر بالكوفة، ثم تركها إلى الحيرة، ثم إلى الأنباء وبنى بها الهاشمية، وظلت عاصمة لدولته حتى وفاته.

كان كريماً حليماً، وصولاً لذوي رحمه، جواداً، وكان يضرب المثل بجوده، استمرت خلافته منذ أن بويع بالكوفة أربع سنوات وتسعة أشهر، ومات وعنده إحدى وثلاثين سنة، وتزوج بامرأة واحدة قبل خلافته، ولم يتزوج غيرها، وخلف ابناً وبنتاً.

ورث أبو العباس عن الأمويين مملكة طويلة عريضة، يذكر الجغرافيون العرب أنها كانت تمتد بين أقصى المشرق عند كاشغر في بلاد الصين إلى المغرب الأقصى على شاطئ الظلمات (المحيط الأطلسي)، ومن شاطئ بحر قزوين إلى أقصى بلاد النوبة، وتنقسم إلى أربعة عشر إقليماً تشتمل على ثلاثة وثمانين كورة، يجبى من جميعها الخراج، ويحمل إلى عاصمة الدولة.

والملاحظ أن عدد الولاة في الدولة العباسية لم يكن بعدد الأقاليم، فكان أحياناً يجمع أكثر من إقليم لوال واحد، وأحياناً يسند الإقليم الواحد لواليين أو ثلاثة.

اعتمد أبو العباس على أسرته في إدارة هذه الدولة المترامية الأطراف بصفة عامة، وعلى ثلاثة رجال بصفة خاصة، هم: أخوه أبو جعفر المنصور في الجزيرة وأرمينية والعراق ، وعمه عبدالله بن علي في الشام ومصر، وقائده أبو مسلم الخراساني في بلاد خراسان، وعلى أيدي هؤلاء الثلاثة كانت تدار الأمور في الدولة العباسية رغم ما كان بين هذه الشخصيات الثلاث من حقد وتنافس ، فلقد أبغض أبو جعفر أبا مسلم لسعة سلطانه، وقوة أتباعه، وطاعة أهل خراسان له، حتى أنه طلب من أبي العباس أن يقتله أكثر من مرة، ولولا خوف أبي العباس من قوة الجيش المحيط بأبي مسلم لفعلها، أما عبدالله بن علي فكان يطمع أن تكون له الخلافة بعد أبي العباس دون أبي جعفر لما قام به من أعمال جليلة في سبيل تأسيس الدولة.

وكان أبو العباس أول من استعان بالوزراء في الدولة الإسلامية، وكان أبو مسلمة الحلال أول وزراء العباسيين، وقيل أن أبا مسلم هو الذي لقب نفسه بوزير آل محمد قبل بيعة أبي العباس، ولما مات الإمام إبراهيم أبراد أبو سلمة أن ينقل الخلافة من العباسيين إلى العلويين ، وقيل أنه أخفى أبا العباس ومن معه من أهل بيته في الكوفة، واتصل بثلاثة من زعماء العلويين لينقل إلى أحدهم الخلافة، ولكنه لم ينجح في ذلك مما أحفظ أبا العباس عليه وأضمرها في نفسه، فلما بويع بالخلافة أغرى أبا مسلم الخراساني بقتله فأرسل إليه من قام بذلك، وأشاعوا أن الخوارج قتلته، ثم قُتل بعد ذلك جميع عماله بخراسان.

كما قام أبو مسلم في عهد أبي العباس بقتل شخصية كبرى أفنت عمرها في خدمة العباسيين، وهو سليمان بن كثير الخزاعي داعي دعاة العباسيين في خراسان قبل أبي مسلم، ولما جاء إليها أبو مسلم أمره إبراهيم الإمام بأن يسمع له ويطيع، وأن لا يخالف له رأياً، فكان أبو مسلم لا يبرم أمراً إلا بعد استشارته، ولكنه بعد أن مكن لنفسه أراد تصفيته جسدياً، فلم تشفع له سابقته ولا حسن أثره، بل اتهمه بالتشيع، وقتله ليخلو له حكم خراسان دون منازع.

وينسب إلى أبي العباس العنف، والقسوة في معاملة بني أمية، وأنه استعمل التصفية الجسدية في التخلص منهم في كل أقاليم الدولة، والحقيقة أن يد أبي العباس تكادتكون نظيفة من دماء بني أمية، وأن الذي يتحمل وزرهم هم أخوته وأعمامه، والمصادر التاريخية حافلة بشتى الصور التي اتبعها هؤلاء في التخلص من الأمويين، كما فعل عم عبدالله بن علي في الشام ، وسليمان بن داود بن علي بالبصرة، وداود بن علي في مكة والمدينة وبقية أبناء البيت العباسي في بقية  الأقاليم.

ولقد أدى هذا العنف والاضطهاد إلى هروب واحد من أبناء البيت الأموي إلى بلاد الأندلس هو عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك، والذي سينجح في عصر المنصور من إقامة دولة للأمويين في هذه البلاد.

ولكثرة من قتل من أبناء البيت الأموي في عهد أبي العباس لقبه جماعة من المؤرخين بلقب السفاح ، ويبدو أنهم خلطوا بين ما فعله أبو العباس، وما فعله أعمامه الذين أقاموا المجازر للأمويين، خاصة عمه عبدالله بن علي، كما أن هذا اللقب لم يطلق على أبي العباس إلا في المصادر المتأخرة في القرن الرابع الهجري بدءا من المسعودي في كتابه " مروج الذهب ومعادن الجوهر" ، أما المصادر المتقدمة كالطبري والجهشياري وابن قتيبة واليعقوبي فلم تذكره بهذا اللقب.

ويذكر المسعودي لقبا آخر لأبي العباس وهو " المهدي" ، وقد أيدت الكشوف الأثرية باليمن هذا اللقب لأبي العباس، فلقد وجد بمسجد صنعاء نقشاً ورد فيه اسم أبي العباس مقترناً باسم المهدي.

أصيب أبو العباس بالجدري في سنة 136هـ عندما تفشى الوباء بالأنبار ، ومات به في ذي الحجة من نفس السنة، وعهد بالخلافة من بعده لأخيه أبي جعفر، ومن بعده إلى  ابن أخيه عيسى بن موسى.

المرجع: في تاريخ دولة بني العباس للدكتور محمد أحمد محمود حسب الله .

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

353

متابعهم

608

متابعهم

6669

مقالات مشابة
-