الحياة وكيف ظهرت على الأرض

الحياة وكيف ظهرت على الأرض

0 المراجعات

 (ظهر الجد الأول للأحياء من نبات وحيوان وإنسان من بليون سنة. أما الجد الأول للإنسان فظهر من نصف مليون سنة).

سجل الجد الأول للأحياء من نبات وحيوان وإنسان ظهوره على الأرض من ألف مليون سنة، كمايدعى بعض العلماء. وهم لا يعرفون شكله، ولا كيف تطور نسله في الحقب الأولى من ذلك التاريخ الطويل؛ لأن صفحات كتاب الأرض لم تحتفظ بأي أثر منه. وكل ما استطاع العلماء قوله، أنهم يظنون أنهم عثروا له على أشباه ونظائر في عصرنا الحديث. وبعض تلك الأشباه هي المواد الهلامية التي استخرجت من الأعماق السحيقة للمحيطات؛ وفيها رأى العلماء بذرة الحياة، وهي تتأرجح بين ما نسميه بالموت والحياة.

ومن أشباه بذرة الحياة، الكائنات المعروفة باسم " فيروس" ؛ تلك المخلوقات العجيبة التي عرفنا بعض أمرها أخيراً، بعد أن ظلت السنوات الطوال تداعبنا في غلظة وقسوة، إذ تزور الإنسان والحيوان والنبات، وتحل ضيفة عليهم، وفي صحبتها أمراض قتالة، كأمراض الكلب، وشلل الأطفال في الإنسان، " والفرة" في الطيور، ومرض فيروس الطباق في النبات. وأدرك الباحثون وجودها من فعلها السيء في كل حي يستضيفها. وأطلقوا عليها اسم " فيروس" قبل أن يروها بسنوات، لأنها صغيرة لا ترى إلا بأقوى ميكروسكوب حديث. 

ولما اكتشف الميكروسكوب الإلكتروني، وجهه الباحثون إليها، فرأوها كأشباح، وما زالوا عاجزين عن معرفة الكثير من أسرارها؛ ولكن ما أدركوه من أمرها، دلهم على أنها يجوز أن تكون بذرة الحياة. فهي مخلوقات غريبة تقف بين حالتي الموت والحياة، وهي في أكثر حالاتها نوع من الجماد، كما لو كانت ذرات من تراب؛ ولكن وضعها في بيئتها الملائمة في جسم حي، تجدها تنشط، وتتكاثر، وتتوالد كأي كائن حي. فإذا فتكت بعائلها، وأفسدت البيئة على نفسها، عادت إلى طور الخمول كأي جماد.

معبر إلى الحياة:

ويرى الباحثون، أن مثل هذه الكائنات التي تربط بين الحياة والموت ضرورية، لتكون المعبر الموصل بين مادة الكون الميتة، وبين الحياة التي نعيشها على كوكبنا الأرضي المتواضع. ولا تفزعنك المقارنة بين الإنسان الحالي، وبين تلك الكائنات . وتذكر أن بيننا وبينها ألف مليون سنة من التطور، وفي كل هذه الفترة الطويلة، كانت الأجيال الحديثة تسجل تقدمها على الأجيال السابقة لها. وهي ظاهرة لا تزال عاملة في شتى الأحياء، فالجيل القادم أرقى من الجيل الحالي، وجيل الأحفاد أرقى من جيل الأبناء، تبعا لسنة التطور.

ومن البديهي أن القائلين بأن الفيروسات، وهلاميات المحيط هي الحلقة الرابطة بين الحياة وغيرها، يؤمنون بأن عملية التحول من الموت إلى الحياة مستمرة؛ ولم تتوقف في أي زمن من الأزمان؛ ولكننا لا نرى تفاصيلها وتطورها؛ لأنها منزوية عنا ومختفية بين ملايين الملايين من الأحياء والجماد.

وتعال بنا نعود إلى الماضي السحيق من بليوني سنة ، حين كانت الأرض كتلة ملتهبة من المواد المنصهرة بفعل الحرارة الشديدة، فمن الطبيعي أن شتى ألوان الحياة التي نراها الآن مزدهرة نامية، لم يكن لها من وجود.

ومن المعقول أنها بدأت تظهر بعد أن بردت قشرة الأرض، وسمحت للمواد العضوية بأن تتكون، وتعيش على سطحها.

ولعل الفترة التي شهدت هطول الأمطار بغزارة، وألفت أحواض المحيطات الضخمة، المترامية الأطراف، هي أنسب الفترات لبدء ظهور الحياة؛ فهذه الأحواض عرفت بأنها مهد الحياة. وحتى الآن لم يجد العلم مبررا لسلبها هذه السمعة الطيبة، بل وجد ما رجحها.

بذرة الحياة تتنقل:

ومن قديم الزمان والإنسان يسعى لمعرفة أسباب نشوء الحياة على الأرض، وكيف ظهرت. وكان من أهم الآراء التي قدمت في هذا السبيل، نظرية " ريشتر" ، التي أعلنها في عام 1865م، والقائلة بأن الحياة أزلية، وأنها تنتقل في جسيمات صغيرة من كوكب إلى آخر. فإذا ما وجدت الظروف ملائمة، نمت، وازدهرت، وتكاثرت، وتطورت، من أحياء ميكروبية دقيقة إلى أرقى ألوان الحياة الماثلة في الإنسان.

ولكن هذه النظرية واجهت من الحقائق العلمية ما دحضها؛ واضطر العلم إلى البحث عن نظرية أخرى، تطابق الحقائق المستقرة، وتنسجم معها. ومن أهمها أن تنشأ بذرة الحياة على الأرض، ومن نفس مادتها.

فمن العسير أن يسلم العلم، بأن بذرة حياة يمكنها أن نحتفظ بحياتها في سفر بين النجوم والكواكب؛ فتتعرض لبرودة يستحيل على أي ألوان الحياة احتمالها، وإذا ما اقتربت من الشمس مثلاً، تعرضت لأشعتها الفوق البنفسجية؛ وهي أشعة فتاكة تقتل أي حياة تغامر بالخروج من الدروع الواقية المحيطة بالأرض في طبقة التأين وغيرها، حيث تنحل تلك الأشعة، فتصل إلى الأحياء في جرعات صحية.

وبرغم كل التخمينات والفروض التي قيلت عن نشأة الحياة على الأرض، فإنها جميعاً لا تزال بعيدة عن حل حاسم لهذه المسألة الشديدة التعقيد.

ومن المشاهد في أحياء الأرض جميعاً أن عنصر الكربون (الفحم) هو المادة الجوهرية في تركيبها، سواء أكانت إنساناً، أم حيواناً، أم نباتاً.

وإذا ما قلنا إن نشوء المركبات الكربونية المختلفة سبق ظهور الحياة الحقيقية، فإن قولنا لا يكون بعيداً عن الصواب. وهذه المركبات تتكون في الطبيعة بكثرة. وفي صور مختلفة لا تباريها فيها أية مادة أخرى، فالكربون أكثر المواد استعداداً للتفاعل الكيميائي مع سواه من المواد.

الفحم وبذرة الحياة:

وتبعاً للخواص الفريدة للكربون، ولأنه العنصر السائد في الحياة، يمكننا القول، ونحن في أمن من الزلل، بأنه المادة التي استغلت في إنتاج بذرة الحياة. ومن أشهر الخبراء في دراسة مسألة نشوء الحياة، العالم الروسي " أوبارين" . وهو يقول إن أحواض المحيطات كانت تحتوي على كمية من محاليل المركبات الكربونية التي تتألف من الكربون والهيدروجين، ومنها غاز المستنقعات المعروف؛ وهو يتألف من تفاعل الماء مع مركبات الكربون التي ظهرت على سطح الأرض من بدء تاريخها.

وقد لا يرضيك، أن يصنع الإنسان وغيره من الأحياء من الفحم. والواقع أن أجسامنا تتألف من مواد كربونية في جوهرها، ولكنها شديدة الاختلاف في بنائها. حتى إن خبراء الكيمياء فصلوا مواد بناء الأحياء عن غيرها، وأطلقوا عليها اسم مواد عضوية، وأطلقوا على مواد الموات اسم مواد غير عضوية.

والمواد العضوية وحدها، هي التي تصلح لنشوء الحياة. وهي أيضاً مخلفات الإنسان والحيوان والنبات . وهي مواد شديدة التعقيد، إذا ما قورنت بالمواد غير العضوية. فمفتاح الباب مثلا حديد غير عضوي، ويختلف عن مركبات الحديد الموجودة في بناء جسمك، وتعد ضرورية لاحتفاظك بصحتك ونشاطك. وفي جسمك كل معادن الأرض وموادها ، ولكنها معدة ليفيد منها جسمك. وهي مواد عضوية يختلف بناؤها عن بناء مفتاح الباب.

وأبرز هذه الاختلافات، شدة التعقيد في المواد العضوية، والبساطة في أكثر المواد غير العضوية . وكل من النوعين صالح لأن يتحول إلى الآخر بالتفاعلات الكيميائية المختلفةح وتجريها الطبيعة بوسائلها الخاصةح كما استطاع الإنسان أن يجري الكثير منها في المعمل، فحصلنا على الفيتامينات، والهرمونات، وشتى العقاقير التي تعالج أمراض الأحياء، وتكمل نقص بعض المواد في أجسامهم.

تكوين البروتين:

على أن عمليات التفاعل الكربوني، ونشوء المواد العضوية، استغرقت حقبا طويلة، بسبب قلة المواد الكربونية الذائبة في الماء، ولعدم وجود العوامل المساعدة التي تعجل إحداث التفاعلات الكيميائية. وهي، عوامل عرفها الكيميائي، ويستخدمها بكثرة في معمله.

وبد حقب من الزمان، توافرت في مياه المحيطات جميع أنواع المواد العضوية الشديدة التعقيد، وكان منها المواد المعروفة باسم البروتينات التي تعد المادة الأساسية في كل مخلوق حي. وظهور هذه المواد لا يعني ظهور الحياة.

وجميع المواد العضوية التي صنعناها في المعمل، لا تتضمن أي أثر للحياة التي لا تنشأ شعلتها من مجرد إحداث البناء الكيميائي، بل يجب أن تتوافر فيه عوامل تنظيم معينة. ولكي نفهم التحول من المواد العضوية الميتة إلى المخلوقات الحية، يجب أن  نوجه اهتماماً خاصاً إلى التدابير التي أدت إلى إحداث التباين والاختلاف بين المواد الأولية الميتة، فنعرف كيف تنطيمها في وحدات منفصلة تتمتع بالاستقلال.

المواد الغروية وكهربيتها:

ومن أهم المواد التي لا يمكن تجاهلها عند بحث طبيعة الحياة مادة " البروتوبلازم"، التي عرفت بأنها من أهم مواد الخلية أو وحدة الأحياء.

ومنها تبنى جميع أجسام أنواع النبات والحيوان. هذا " البروتوبلازم" يتألف من مواد عضوية شديدة التعقيد، تذوب في الماء، وتسمى بالمحاليل الغروية.

وهذه المحاليل هي المفتاح الذي ألقى الأضواء على كيفية نشوء الحياة على الأرض. من هذه المحاليل أنواع كثيرة، منها العضوي، ومنها غير العضوي، وكلها تظهر عالقة بالماء على هيئة جسيمات دقيقة. ولكل منها شحنة كهربية، تفصلها أو تضمها إلى سواها بفضل قوة التنافر أو الجذب الكهربي.

والماء العذب، كما تعرف، موصل كهربي رديء؛ وفيه تحتفظ الجسيمات بكهربيتها مدة طويلة، غير محدودة. فتظل عالقة فيه، ولا ترسب. ولكن ضع في الماء محلولاً من الذهب، وأضف إليه بعض الملح، لتجعل الماء أكثر صلاحية لتوصيل الكهرباء؛ تشاهد جسيمات الذهب تبدأ في الالتحام، والانضمام بعضها إلى بعض، ثم ترسب في قاع الإناء.

والسبب أن الجسيمات فقدت شحنتها الكهربية. ويمكنك إحداث الظاهرة نفسها في محلولين غرويين، إذا كان أحدهما موجب الشحنة، والآخر سالبها؛ فإنهما يتجاذبان، ويتجمعان، ويسقطان إلى القاع على هيئة رواسب.

الغرويات العضوية:

وتختلف المحاليل الغروية للمواد العضوية، كالصمغ العربي، عن المحاليل الغروية غير العضوية. فجزيئات المواد الكربونية مثلاً، شديدة الغرام الكيميائي بالماء. وتجد جسيماتها محاطة دائماً بطبقات منتظمة البناء من جزيئات الماء التي تلتصق طبقتها الأولى بشدة بسطح الجسيمات الغروية.

ويقل إحكام التماسك والنظام في طبقات جزئيات الماء، كلما ابتعدت عن سطح الغرويات، إلى أن تتفكك في غير نظام. ومن شأن هذه الخاصية، أن تجعل جسيمات المحاليل الغروية العضوية محاطة بغشاء مائي عازل يمنع كهربيتها من التسرب، فيقيها التفكك والتشتت، ويجعل هيكلها دائم النظام.

وهذا النظام والاستقرار، من أهم العوامل في بناء المادة الحية، لأن الغشاء المائي يمنع نقص الشحنة الكهربية حتى في حالة إضافة الملح إلى الماء، لأن جزيئيات الملح تتناثر في الماء؛ ولكنها لا تصل إلى سطح الجسيمات الغروية التي تظل محتفظة بكهربيتها، ونظامها؛ مما يؤهلها لأوضاع أكثر ترتيباً، وقابلية للتجمع والنمو.

وإذا ما خلطنا محلولين غرويين عضويين، أحدهما موجب الشحنة الكهربية، والثاني سالبها؛ فإن جسيماتهما تنجذب بعضها إلى بعض، ولكنها لا تلتحم؛ لأن الغشاء المائي يفصل كل جسيمة عن جارتها.

وبدل أن تحصل على راسب صلب، تحصل على مادة هلامية نصف سائلة، تعرف باسم " كوزرفات".

وإذا ما خلطنا محلولين من الجيلاتينية والصمغ العربي – وكل منهما يظهر صافياً إذا كان نقياً – فإننا نلاحظ تكوين نقط دقيقة، تتألف من جسيمات من المحلولين؛ ولكنها جسيمات منفصلة؛ وتؤلف في مجموعها جسماً معتماً.

تشبه المواد الحية:

وتدل الدراسات الدقيقة المستفيضة لعدد من الباحثين، على أن هذه النقط ذات خواص هامة، وتشبه إلى حد كبير خواص البروتوبلازم الحي؛ ولا سيما من حيث قدرتها الفذة على امتصاص مختلف المواد الذائبة في المحلول حولها، مما يؤدي إلى زيادة حجمها ووزنها.

ويقول العالم الروسي أوبارين، إن تكوين " الكوزرفات" من المواد العضوية المختلفة، التي كانت ذائبة في مياه المحيطات البدائية، يعد أهم خطوة نحو نشوء الحياة على كوكبنا. وفي وسع الإنسان أن يعتبر هذه النقط الدقيقة – التي تكونت في عمليات طبيعية كيميائية، وتمتعت بالقدرة على النم – " الحلقة المفقودة" التي تربط العالمين العضوي وغير العضوي.

وبهذه المرحلة من تطور المادة العضوية، بدأت نقط الكوزرفات تعيش حياتها الخاصة المستقلة. وبعد أن كانت مادة أو محلولاً مختلطاً مع سواه، فإنها اتخذت خاصية الاستقلال لتعيش منفصلة عن سواها، مما أدى إلى نشر الصراع من أجل الحياة. وهو المبدأ الذي فسره " تشارلس داروين" في نظريته القائلة بـ " البقاء للأصلح".

وكان صراعها ينشب مع كل ما حولها، ومع شبيهاتها، مما أدى إلى زوال النقط الضعيفة، وبقاء الجيدة في تركيبها الكيميائي، الذي جعلها أكثر تلاؤماً ، وانسجاماً مع البيئة حولها؛ وجعلها أقدر على امتصاص مختلف المواد المجاورة لها . وبالتالي اكتسبت فرصا أفضل لالتهام غيرها، والنمو على حسابها، ولو كانت من نقط مماثلة لها، ولكن تركيبها الكيميائي أضعف، واستعدادها للمقاومة أقل.

المرجع :

 ص ص: 7-31

من عجائب الحياة، فوزي الشتوي، سلسلة اقرأ 303 ، دار المعارف بمصر، مارس 1968م، ملتزم الطبع والنشر كورنيش النيل – القاهرة – ج. ع. م.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

245

متابعهم

590

متابعهم

6657

مقالات مشابة