
الفصل الرابع: مباراة التحدي
ارتفع صوت إينو حادًا وهي تصرخ في وجه رفاقها:
ــ كفاكما جدالاً! لقد تأخرنا على المدرسة!
اندفع الجميع يركضون بخطوات متسارعة نحو البوابة، يلهثون وكأن أنفاسهم تتسابق مع الزمن. كان كينغ يركض معهم، ثيابه ما زالت مبتلة من حادثة النهر، والماء يتساقط من أطراف شعره الفضي، لكن ملامحه لم تفقد هيبتها. وصلوا جميعًا إلى باب المدرسة قبل أن يُغلق بلحظة واحدة فقط.
قال هيدان وهو يضع يده على صدره:
ــ أخيرًا... وصلنا.
ابتسم مايك بخفة وأضاف:
ــ هيا، ليتوجه كل واحد منّا إلى فصله قبل أن نمسك جميعًا ونعاقب.
وهكذا تفرّقوا: أريانا وإينو ذهبتا إلى الفصل الخامس، ومايك وهيدان إلى الفصل العاشر، وجاك إلى الثامن، بينما دخل كينغ مع ليو إلى الفصل السابع. بعضهم عوقب على التأخير، وآخرون نجو من العقاب.
حين دخل كينغ مع ليو إلى الصف، كان وجه المعلم محتقنًا بالغضب، وصوته يزمجر كالرعد:
ما كل هذا التأخير؟ ما عذركما؟
تقدم ليو، محاولًا التخفيف من حدة الموقف:
يا أستاذ... كنا نسير بجانب النهر، وهناك طفلة كانت على وشك الغرق، فأنقذناها.
ضحك بعض الطلاب باستهزاء، وقال أحدهم ساخرًا:
وربما قاتلتما تنينًا أيضًا!
رمقهما المعلم بنظرة حادة وقال بصرامة:
كفى عن الكذب.
لكن كينغ رفع رأسه بثقة، وصوته خرج ثابتًا، جادًا:
أنا السبب في تأخر ليو، إن أردت العقاب فليكن عليّ أنا وحدي.
توقف المعلم لحظة، ثم سأله ببرود:
وما الذي حدث معك تحديدًا؟
أجاب كينغ ببساطة:
لقد تزحلقت في النهر، وأردت أن أجفف ثيابي... لكن كما ترى، لم تجف بعد.
تنهد المعلم وقال:
حسنًا... لكنكما ستعاقبان معًا. عقابكما سيكون مضاعفة الواجب المنزلي.
جلس كينغ وليو في مقعدهما بجانب بعضهما. وما إن دخلا حتى انطلقت أنظار الفتيات نحو كينغ، مبهورات بوسامته وهيبته، فوقع الكثير منهن في حبه من النظرة الأولى. لم يكن الأمر غريبًا، فكينغ كان أذكى طالب في المدرسة الابتدائية، وأكثرهم لفتًا للأنظار.
قال ليو هامسًا وهو يعبس:
كينغ... لماذا يسخرون منا؟ ولماذا لم يصدقونا؟
أجابه كينغ بابتسامة هادئة:
لا يهم إن صدقونا أم لا... المهم أن الطفلة بخير ولم تتأذَ.
ومضت الحصة، كالعادة، وكان كينغ متفوقًا في كل المواد، يدهش معلميه وزملاءه على السواء.
مع انتهاء الدوام وحلول وقت الاستراحة، جلست إينو شاردة الذهن. لاحظت أريانا ذلك، فسألتها بفضول:
ما الأمر يا إينو؟ لماذا أنتِ شاردة؟
أجابت إينو وهي تحدق في الفراغ:
ذاك الرجل... الذي أنقذ كينغ والطفلة صباح اليوم... أشعر أنني رأيته من قبل، لكنني لا أذكر أين.
علقت أريانا ببرود:
نعم، إنه غريب الأطوار. رحل دون أن يقول كلمة واحدة.
قالت إينو:
صحيح…
ثم التفتت إليها بابتسامة خفيفة وقالت:
أنتِ محظوظة لأن لديكِ أخًا مثل كينغ.
رمقتها أريانا بامتعاض، وصاحت:
اسكتي! أنا أكره هذا المغرور، ولا أطيقه.
ضحكت إينو:
ولماذا؟ إنه رائع، وسيم، عبقري... وكل الفتيات وقعن في حبه.
اشتعل الغضب في وجه أريانا:
إيّاكِ أن تقولي إنكِ أنتِ أيضًا وقعتِ في حب هذا المغفل!
أطرقت إينو بخجل، وقالت بصوت منخفض:
في الحقيقة... كنتُ أظن أنك ستساعدينني على التقرب منه.
شهقت أريانا بدهشة، وقالت بسخرية:
أيتها الحمقاء! هو لا يطيقني أنا، فكيف سأخبره أن صديقتي تحبه؟ ثم إنكِ أكبر منه بعامين!
ابتسمت إينو بعناد:
لكن كينغ قال ذات مرة إن العمر مجرد رقم.
ضحكت أريانا بسخرية:
حتى وإن كان كذلك، فهو لن يقبل بك. أظن أنه يريد فتاة تهزمه... كي يحبها.
تساءلت إينو بفضول:
تهزمه؟ في ماذا؟
أجابت أريانا بابتسامة متحدية:
في أي شيء! المهم أن تهزميه.
تأملت إينو قليلًا وقالت:
أنتِ أذكى طالبة في فصلنا... هل سبق أن هزمته؟
خفضت أريانا عينيها وقالت:
لا... حلمي أن أهزمه يومًا وأحطم غروره.
ضحكت إينو بمرارة:
مستحيل، إذن لا فرصة لي... لكنني لن أستسلم، سأجعله يقع في حبي!
علّقت أريانا ساخرة:
حمقاء... هو يكره الفتيات أصلًا. أنا أخته الوحيدة، ومع ذلك يكرهني بشدة. وأنتِ تتحدثين عن الحب؟!
أمسكت إينو بيدها متوسلة:
ساعديني إذن…
تنهدت أريانا وقالت:
حسنًا... لنتعاون على هزيمته.
في الجانب الآخر من الساحة، كان ليو وهيدان وجاك ومايك يجلسون معًا. قال ليو بضجر:
أشعر بالملل... لِنلعب كرة القدم.
وافق الجميع ما عدا كينغ، الذي أجاب بهدوء:
لن ألعب، سأراقب فقط.
وصل صدى حديثهم إلى أريانا وإينو، فابتسمت أريانا:
هذه فرصتنا! سنلعب ونحاول هزيمتهم.
قالت إينو بحماس:
نعم، هيا بنا!
تقدمت أريانا بخطوة جريئة:
أنا أيضًا سأشارك.
نظر إليها ليو باستهزاء:
لكنكِ فتاة!
رفعت أريانا حاجبها بتحدٍ:
وماذا تعني بقولك إنني فتاة؟ ها؟
تدخلت إينو:
وأنا أيضًا سأشارك!
قهقه مايك وقال:
حسنًا، إذا أردتن اللعب، فكوّنّ فريقًا، وسننتظركن في الملعب.
ذهب الأولاد متحمسين، بينما ابتسم هيدان بخبث وهو يقول:
هل أنت مجنون يا مايك؟ هل ستسمح لهن باللعب؟
أجابه جاك:
لا تقلق، ستكون مباراة سهلة للغاية.
ضحك مايك وأضاف:
سنتساهل معهن في البداية... ثم نلعب بجد في النهاية.
ضحك الجميع، بينما بقي كينغ صامتًا يراقب. سأله ليو:
ألان تشاركنا؟
هز كينغ رأسه:
لا... سأراقب فقط.
وصلت الفتيات إلى الملعب وقد جمعن فريقًا كاملًا. في تلك اللحظة حضر بعض المدرسين، وقالوا:
ستكون هذه مباراة رسمية، ونحن سنشرف عليها.
ضحك الطلاب بحماس، وقال أحدهم:
ستكون مباراة ممتعة بالفعل.
أعلن أستاذ الرياضة كان اسمه اكوا:
المباراة من ثلاثة أهداف. والفريق الخاسر ينفذ طلب الفريق الفائز... أيًّا كان الطلب، لكن يطلبه قائد الفريق.
اتفق الفتيات على أن تكون القائدة هي أريانا، بينما عُيّن كينغ قائد فريق الأولاد.
قال كينغ بملل:
ماذا؟ أنا لن أشارك.
ابتسم ليو بخبث:
ستشارك... لكن في الشوط الثاني.
ضحك كينغ بخفة وقال:
حسنًا، موافق.
بدأت المباراة، واستخف الأولاد بالفتيات، يسخرون منهن، حتى قالت فتاة تُدعى كايا:
سنرى من سيضحك أخيرًا.
وبدأ اللعب. فجأة، أظهرت الفتيات براعة غير متوقعة، وسجلن الهدف الأول وسط دهشة الجميع. ارتفعت أصوات الهتاف، وازدادت حماستهن، ليضيفن الهدف الثاني، في صدمة الأولاد الذين لم يصدقوا ما جرى.
انتهى الشوط الأول، والفتيات مبتهجات بانتصار مبكر. أما الأولاد، فقد بدأ اليأس يتسرب إليهم. جلس
كينغ بينهم، يبتسم ابتسامة هادئة:
انهضوا يا كسالى. بعض الفتيات جعلكن تفقدون الأمل؟
قال مايك وهو يضرب رأسه بكفه:
لقد استخففنا بهن…
وأضاف جاك بقلق:
سيطلبن طلبات مزعجة جدًا لو خسرنا…
ضحك كينغ وهو ينهض:
إذن دعوني أتولى الأمر. جاك، أخرج... سألعب مكانك.
صفّر الأستاذ معلنًا بداية الشوط الثاني. نزل كينغ إلى أرض الملعب، وقالت فتاة تُدعى لينا وهي تبتسم:
بدّلوا بكينغ؟ وكأن النتيجة ستتغير !
ضحكت الفتيات ساخرات، بينما همست أريانا:
سنخسر الآن.
ردت إينو:
لا تقلقي، نحن متقدمات 2-0، وبقي لنا هدف واحد فقط للفوز!
لكن الأستاذ أكوا أعلن:
ابدأوا!
طلب كينغ الكرة بثقة:
مرروا لي.
وبالفعل، مرر له ليو وهيدان ومايك. انطلق كينغ بخفة، يتجاوز الفتيات واحدة تلو الأخرى، حتى وصل إلى المرمى وسدد هدفًا رائعًا، أشعل حماس الأولاد وأذهل الفتيات.
لم يكتفِ بذلك، بل عاد وسجل الهدف الثاني، ثم الثالث، لينقلب الوضع رأسًا على عقب.
اقترب من أريانا وقال ساخرًا:
أتدرين أين مكان الفتيات؟ نعم... في المطبخ.
احمر وجه أريانا غضبًا:
أكرهك! سأهزمك يومًا ما واحطم غرورك... سترى!
تبعثرت الأصوات في الملعب بعد صافرة النهاية، اختلطت الضحكات بأنفاس اللهاث، والوجوه بين سعيدة وخائبة. الفتيات وقفن مذهولات لا يصدقن أن المباراة أفلتت من بين أيديهن بعد أن كدن على وشك الفوز، بينما الأولاد كانوا يقفزون فرحًا بانتصار بدا مستحيلاً قبل دقائق فقط.
جلس بعض الطلاب على الأرض يلهثون، وآخرون يصرخون ويضحكون. أما كينغ، فقد انهار فوق العشب الأخضر، ممددًا جسده المبتل بالعرق، وعينيه نصف مغمضتين. كانت أنفاسه متقطعة، وصدره يعلو ويهبط بسرعة.
اقترب ليو بخوف، جلس بجانبه وهز كتفه:
كينغ! هل أنت بخير؟ لا تسقط علينا هكذا فجأة!
فتح كينغ عينيه ببطء، ارتسمت ابتسامة واهنة على وجهه وقال:
لا تقلق... الأمر ليس إلا تعبًا.
ضحك مايك وهو يجلس على الأرض واضعًا يديه خلف رأسه:
تعب؟! يا رجل لقد حملت المباراة على ظهرك وحدك تقريبًا.
قهقه هيدان بصوت عالٍ:
لولا هدفك الأخير لكنّا الآن نسخر من بعضنا في هزيمة مخزية.
جلس الأولاد جميعًا حوله، منتشين بالفوز، وبدأوا يتناقشون في الطلبات التي سيجبرون الفتيات على تنفيذها بعد الخسارة. قال مايك بحماس:
غدًا... غدًا أريد أن يحملن حقائبنا إلى الصف. سيكون مشهدًا رائعًا!
هيدان صرخ:
لا لا، الأفضل أن ينظفن الفصل بدلنا!
جاك أمال رأسه بخبث وقال:
لدي طلب آخر... لكنه سرّي، سأكشفه في حينه.
ضحك الجميع بصوت عالٍ، لكنهم التفتوا فجأة عندما سمعوا صوت كينغ الهادئ، قال وهو يحدّق في السماء:
أنا... لا أريد شيئًا.
ساد صمت قصير بينهم، تبادلوا النظرات في استغراب، ثم قال ليو:
ماذا؟ ألا تريد أن تستمتع مثلنا؟
أغلق كينغ عينيه مجددًا، ونبرة صوته هذه المرة كانت أكثر وهنًا:
يكفيني أن أرى أنكم بخير... وأننا انتصرنا.
ساد صمت جديد، هذه المرة كان ممزوجًا بالدهشة.
على الجهة الأخرى، كانت أريانا واقفة تضع يديها على خصرها، أنفاسها متقطعة وعيناها مشتعلة. لم تصدق أن الخسارة كانت على يده هو بالذات. تمتمت وهي تعض على شفتها بغضب:
مغرور... سأهزمك يومًا ما، أقسم بذلك.
إينو، التي كانت تقف بجانبها، لم تشاركها الغضب ذاته. بل ظلت تحدّق بكينغ بعينين يملؤهما الإعجاب، وكأنها رأت شيئًا مختلفًا فيه. همست لنفسها بخجل:
كم أنت... مدهش.
اقترب المدرّس أكوا بخطوات ثابتة، وصفّر بصوته الجهوري قائلاً:
انتهت المباراة! الجميع يعود إلى الصفوف، والمهزوم يعرف ما عليه فعله.
رد بعض الأولاد ضاحكين:
حاضر يا أستاذ أكوا!
بينما الفتيات تذمرن بصوت منخفض، تحاول أريانا أن تخفي انفعالها قائلة:
تذكّروا... هذه ليست النهاية.
بدأ الطلاب يتفرقون شيئًا فشيئًا، والملعب عاد تدريجيًا إلى هدوئه.
لكن على أطراف الملعب، تحت ظل شجرة عالية، كان هناك رجل غامض يراقب بصمت. عيناه لم تفارقا كينغ، وكأن وجوده هنا لم يكن صدفة. ثوانٍ قليلة فقط... ثم اختفى بين الحشود وكأنه لم يكن موجودًا.
لم يلحظ أحد ذلك إلا كينغ نفسه. فتح عينيه فجأة، ونظر بحدة إلى المكان حيث كان يقف الرجل. قشعريرة باردة اجتاحت جسده، همس بصوت بالكاد يُسمع:
من... يكون هذا؟
لكن التعب غلبه، فعاد وأغلق عينيه، تاركًا الأسئلة معلّقة في الهواء.
وهكذا انتهى يوم التحدي... لكن لم تنتهِ القصة. فالمباراة لم تكن سوى بداية لشيء أكبر، بداية لرحلة يكتنفها الغموض والمفاجآت.