
البيت الذي لا ينام
الفصل الأول
كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حين دوّى صوت غريب في أرجاء البيت القديم المهجور عند أطراف القرية.
ذلك المنزل الذي يرفض أهل القرية الاقتراب منه منذ عشرين عاماً، بعد أن اختفى أصحابه جميعاً في ليلة واحدة بلا أي أثر.
"نور" فتاة شجاعة لكنها فضولية أكثر من اللازم، كانت تعشق قصص الرعب والألغاز، وقررت أن تدخل ذلك البيت لتكتشف الحقيقة بنفسها.
حين دفعت باب المنزل، انفتح ببطء مُصدرًا صريرًا حادًا كأنه صرخة مكتومة، وتدفقت رائحة العفن والغبار وكأنها ذاكرة المكان الميت.
خطت أولى خطواتها إلى الداخل، وفجأة سقط إطار صورة قديم من على الجدار، ليتناثر زجاجه على الأرض.
انحنت لترى الصورة... كانت لأسرة مكونة من أربعة أفراد، لكن الغريب أن وجوههم قد مُسحت تماماً، كأن الزمن ابتلع ملامحهم.
ارتجف قلبها حين شعرت بتيار هواء بارد يمر بجانبها، رغم أن النوافذ كلها مغلقة.
ثم سمعت همساً خافتاً يأتي من الطابق العلوي... همس لم تستطع تمييز كلماته لكنه كان واضحًا أنه ينادي باسمها:
“نووور... نووور...”
تجمدت في مكانها، لكنها تماسكت وقالت بصوت مرتجف: “مين هنا؟!”
لم يرد أحد، لكن خطوات بطيئة بدأت تُسمع وهي تهبط من السلم الخشبي العتيق.
وقبل أن تستوعب ما يحدث، انطفأ ضوء مصباح يدها فجأة، وغرقت في ظلام دامس.
الفصل الثاني
ارتعش قلب "نور" وهي تقف وسط العتمة، تسمع وقع الأقدام يقترب أكثر فأكثر.
مدّت يدها تتحسس الحائط حتى وجدت عود ثقاب قديم على رف بجانبها. أشعلته بارتجاف، فأضاء المكان للحظة قصيرة، قبل أن ينطفئ مع تيار الهواء.
لكن في تلك اللمحة الخاطفة رأت شيئًا…
رجل يقف على بُعد خطوات قليلة، طويل القامة، رأسه منحني كأنه يخبئ ملامحه.
وحين اختفى الضوء، اختفى هو أيضًا.
ارتدت للخلف وهي تلهث، وقلبها يخبط بعنف. ثم سمعت صوت خطوات سريعة تركض من الطابق الأعلى إلى الأسفل، كأن أحدًا يحاول مغادرة المكان.
ركضت وراء الصوت، حتى وصلت إلى باب المطبخ.
كان الباب نصف مفتوح، وخلفه ضوء خافت يتسلل من مصباح معلق يتأرجح يمينًا ويسارًا.
دخلت بحذر، فوجدت طاولة خشبية عليها دفتر قديم مُغلف بالجلد.
فتحته ببطء، فظهرت أولى صفحاته مغطاة بكتابة غامضة بلغة لم تفهمها، لكنها لاحظت كلمة واحدة متكررة بالعربية: "القربان".
صفحة وراء صفحة، كلها تحتوي على جُمل مبعثرة ورسوم لأشكال بشرية محاطة بدوائر سوداء.
وفجأة... سقطت قطرة حمراء على الورق أمامها.
رفعت رأسها ببطء شديد... لترى سقف المطبخ وقد تسرّبت منه قطرات دم تسقط نقطة بعد أخرى.
شهقت وابتعدت، ثم صعدت عينها للأعلى لترى شيئًا يتحرك بين أخشاب السقف.
لكن قبل أن تميز ملامحه، سُمع صراخ حاد يخترق المكان:
“اخرجيييي... قبل فوات الأوان!”
تراجعت للخلف، وسقط الدفتر من يدها لتنتشر صفحاته على الأرض، وتظهر صورة أخيرة مرسومة بوضوح…
فتاة تشبهها تمامًا، تقف داخل نفس البيت!
النهاية
ركضت "نور" إلى خارج المطبخ وهي تلهث، خطواتها تتعثر وسط الغبار والأخشاب المتهالكة.
كانت تسمع الأصوات تتداخل حولها: همسات، بكاء أطفال، ضحكات بعيدة، كلها تختلط في رأسها كأن البيت نفسه يحاول إرباكها.
توجهت نحو السلم المؤدي للطابق الأعلى، رغماً عن خوفها، كأن قوة خفية تدفعها للصعود.
مع كل درجة تصعدها، كانت تشعر أن الهواء يزداد ثقلاً، والظلام يتكثف حولها.
وحين وصلت للقمة، وجدت بابًا خشبيًا قديمًا نصف مفتوح، ينبعث منه ضوء شاحب مائل إلى الأحمر.
دفعت الباب ببطء…
فرأت غرفة مليئة بالشموع المشتعلة، والجدران مغطاة برموز غريبة محفورة بسكين.
وفي منتصف الغرفة، دائرة كبيرة مرسومة بالدم، بداخلها صندوق خشبي صغير.
اقتربت "نور" وهي تهمس: “إيه ده...؟”
لكن قبل أن تلمس الصندوق، أغلق الباب خلفها بقوة، وكأن قوة غير مرئية حبستها بالداخل.
الشموع بدأت تهتز بشراسة، ولهيبها يعلو ويخفت، بينما الرياح تدور داخل الغرفة رغم أن النوافذ مغلقة.
ثم سُمِع صوت عميق، أجش، كأنه صادر من أعماق الأرض:
“لقد عدتِ... أخيرًا.”
تجمدت "نور"، وعيناها تتسعان.
من داخل الصندوق بدأ يخرج دخان أسود كثيف، يتشكل تدريجيًا ليأخذ هيئة جسد بشري بلا ملامح.
اقترب منها ببطء، وكل خطوة يخطوها كان قلبها يرتجف أكثر.
قال الصوت:
“أنتِ... القربان الذي تأخر عشرين عامًا. عودتكِ إلى هذا البيت لم تكن صدفة... كان لابد أن تأتي.”
صرخت "نور": “أنا ماليش علاقة بيكم! سيبوني!”
لكن الجدران نفسها ردت عليها بصدى صرخاتها، كأن البيت يضحك منها.
فجأة، تحركت الرسومات على الجدران كأنها كائنات حية، وبدأت الأشكال المرسومة تخرج من الحيطان، أشباح بلا وجوه، تحاصرها من كل اتجاه.
مدت يدها إلى الصندوق في محاولة أخيرة، فتحته بعنف... فوجدت بداخله مرآة صغيرة مغطاة بالغبار.
وحين نظرت فيها، رأت انعكاسًا لم يكن انعكاسها... بل فتاة أخرى تشبهها تمامًا، عيناها حمراوان، وابتسامة شريرة ترتسم على وجهها.
قالت النسخة الأخرى:
“الآن... سيبدأ الدور الحقيقي. أنتِ مجرد البداية.”
صرخت "نور" وهي تسقط على الأرض، والمرآة تنكسر إلى شظايا، لكن كل قطعة أظهرت صورتها وهي تصرخ... عشرات النسخ من وجهها.
الشموع انطفأت فجأة، والظلام ابتلع الغرفة.
الصمت حل لثوانٍ... ثم جاء صوت آخر، أقرب ما يكون إلى همس بارد عند أذنها:
“اللعبة بدأت... ولن تنتهي.”
---
✨ النهاية المفتوحة:
تركنا الغموض قائم، البيت ما زال محتفظًا بسرّه، ونور مصيرها أصبح غير واضح… هل ستنجو أم ستصبح جزءًا من لعنة القربان؟