
أسرار خلف الجدار
رواية قصيرة بعنوان "أسرار خلف الجدار"
**أسرار خلف الجدار**
كان هناك جدار فاصل بين شقتين في ذلك المبنى القديم المُهمل أكثر من مجرد حاجز من الطوب والبلاط.
كان عبارة عن حاجزًا بين عالمين، بين سرّين كبيرين، وبين شخصيتين متقابلتين بشكل غريب.
في الشقة رقم (5) تعيش "سلمى"، امرأة في الأربعينيات من عمرها، هادئة إلى حد الانطوائية، تعمل كمُرممة لوحات فنية قديمة.
عينان عميقتان تحملان نظرة ثقيلة، كأنهما رأتا ما لا ينبغي رؤيته.
روتينها صارم: عملها في الاستوديو الصغير بغرفة المعيشة، نزهة مسائية قصيرة، ثم اختفاء خلف بابها.
كانت تبتسم ابتسامة خفيفة لجارها الوحيد، "نادر"، حين تصادفه في السلم الضيق، لكن ابتسامتها لم تصل أبدًا إلى عينيها.
أما "نادر" في الشقة رقم (6)، فهو عكسها تمامًا.
رجل في الخمسين، مرح الصوت، ودود بشكل مفرط أحيانًا، يعمل في مجال المبيعات.
كان دائم الحركة، دائم الحديث، يحاول دائمًا كسر جليد صمت سلمى.
لكن وراء تلك الابتسامة الواسعة وروحه الظاهرة المرحة، كانت عيناه تراقبان باهتمام شديد، خاصة عندما تختفي سلمى داخل شقتها لساعات متواصلة.
كان فضوله تجاه جارته الغامضة يتجاوز حدود المجاملة.
بدأت الأحداث تأخذ منحى غير متوقع عندما سمع نادر، ذات ليلة هادئة، صوتًا غريبًا يخترق الجدار الرقيق.
لم يكن صوت بكاء أو ضحك، بل كان صوت... حفيف أوراق قديمة؟ تارة، وهمسات مكتومة يصعب تمييزها تارة أخرى. ثم تكرر الأمر، وفي كل مرة كان الصوت يأتي في ساعة متأخرة.
فضول نادر تحول إلى هاجس.
ماذا تفعل سلمى خلف ذلك الجدار؟ ولماذا هذه السرّية؟
قرر نادر، بدافع فضوله الذي أصبح أشبه بالهوس، أن يستمع بتركيز أكبر.
اقترب أذنه من الجدار في مكان اعتقد أنه أرق.
وفجأة، في ليلة شديدة الهدوء، سمع بوضوح:
*"لا يمكنهم العثور عليه أبدًا... يجب أن يظل هنا... آمن..."* ثم صوت صرير خشب، كأن درجًا سريًا يفتح أو يغلق.
المفاجأة الأولى جاءت عندما رأى نادر سلمى، في صباح اليوم التالي، تخرج حاملة حقيبة قديمة غير معتادة، تبدو ثقيلة بشكل غريب.
غريزته أخبرته أن يتبعها.
قادته خطواتها المتسرعة إلى مكتبة عتيقة في حي المدينة القديم.
رأى من بعيد وهي تتحدث بحماسة مع صاحب المكتبة العجوز، ثم تسلمه ظرفًا سميكًا قبل أن تغادر بسرعة، تاركة الحقيبة معه.
لم تكن لوحات فنية بالتأكيد!
انقلبت الصورة في ذهن نادر.
هل كانت سلمى، الهادئة الانطوائية، متورطة في شيء خطير؟ تزييف؟ تهريب آثار؟ شكوكه جعلته يراقب شقتها بقلق متزايد.
ثم جاءت المفاجأة الأكبر.
بينما كان نادر يتجسس من نافذة مطبخه على مدخل المبنى، رأى رجلاً غريبًا، يرتدي بدلة رسمية ويحمل حقيبة، يقف أمام باب شقة سلمى.
لم يطرق الباب، بل أدار مقبض الباب بهدوء – وكان مفتوحًا! – ودخل.
لم تظهر سلمى لاستقباله.
بعد دقائق، خرج الرجل بنفس الهدوء، وحقيبته تبدو أكثر امتلاءً قليلاً.
تسارع نبض نادر.
من هذا الرجل؟ وماذا أخذ؟ أين سلمى؟ تردد لحظة ثم قرر المواجهة.
طرق باب شقتها بقوة، وقلبه يخفق.
لم يجب أحد.
ضغط على المقبض – كان الباب مفتوحًا! دخل بحذر. الاستوديو المهجور، المنزل مرتب بشكل مهووس، لكن لا أثر لسلمى.
توجه إلى الجدار الفاصل، إلى المكان الذي سمع منه الهمسات.
بدأ يدقق بيديه، يضغط على الطوب باحثًا عن أي شيء غير طبيعي.
وفجأة، انزلق طوبة واحدة للداخل بسهولة مدهشة.
ثم أخرى، كشف فتحة صغيرة خلفها.
قلبه يكاد يخرج من صدرته.
مد يده إلى الداخل، ولمس شيئًا باردًا ومعدنيًا... ومألوفًا بشكل غريب.
سحبه بتردد، كان مسدسًا قديمًا، عتيقًا، لكنه يبدو صالحًا للاستخدام، تحته كانت هناك قطعة قماش ملفوفة.
فكها بيد مرتعشة، وجد بداخلها... صورة قديمة بالأبيض والأسود لامرأة تشبه سلمى بشكل مذهل، لكنها ترتدي زي ممرضة يعود لحقبة قديمة، وبجانبها رجل في زي عسكري يبدو ألمانيًا! وعلى ظهر الصورة كُتب بخط أنيق:
*"لتذكرني دائمًا، حبيبتي ليلى، 1944"*.
تجمد نادر في مكانه، المسدس في يد والصوره في الأخرى. أسرار خلف الجدار لم تكن مجرد أشياء مسروقة أو أعمال فنية مزيفة.
بل كانت شظايا ماضي ثقيل، خطير، وغامض.
من هي سلمى حقًا؟ ومن هي ليلى؟ وما علاقتها بها؟ ولماذا المسدس؟ والأهم:
أين اختفت سلمى الآن، ومن كان الرجل الذي دخل شقتها؟
**********
وإلي اللقاء في الجزء القادم لمعرفة ماذا حدث مع سلمي .