مدينة مأرب التاريخية

مدينة مأرب التاريخية

0 reviews

تقع مدينة مأرب في المنطقة الشرقية من، اليمن وتبعد عن صنعاء شرقاً 192 كيلو مترا، وقد بنيت في العصر القديم عن فكرة مدروسة لتكون نقطة ارتكاز تجارية ومحطة استراحة لرحلات طويلة لقوافل التصدير اليمنية التي كانت تنقل المنتجات الزراعية والصناعية كالبخور واللبان والدار صيني والمر والقرنفل والبلسم وسائر العطريات، وكذا الصمغ واللاذن والقرفة، وغير ذلك من أنواع البخور، ثم الأحجار الكريمة كالعقيق اليماني المشهور والياقوت والبقران بألوانه والبلور والجزع، والمعادن كالذهب والفضة والنحاس ومناجمها لا تزال حتى اليوم في كثير من المناطق اليمنية وكذا الحديد والفولاذ الذي كانت تصنع منه قوائم السيوف المشهورة بـ (السيوف اليمانية)، والشزب وتصنع منه الرماح والسكاكين والمعدات الحربية إلى غير ذلك من المعادن والأحجار الكريمة كاللؤلؤ والدر الذي كان يستخرج من شواطئ اليمن الغربية والجنوبية وشواطئ الخليج الفارسي، ومنسوجات البرود اليمانية الحريرية وسائر المنتجات اليمنية المشهورة في الأسواق التجارية؛ كانت تصدرها اليمن إلى بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط بواسطة ميناء غزة وإلى الهند وبلدان شرقي آسيا بواسطة موانيها في الجنوب كعدن والشحر والمكلا وكذا موانيها في الخليج الفارسي.

لقد كانت مدينة (مأرب) – كما يقال ويندل فليبس – أكبر وأغنى المدن القديمة في جنوب شه الجزيرة العربية مركزاً لحضارة وثقافة قديمتين، يرجع تاريخهما إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام مضت وقال في وصفه لمدينة مأرب أنها كانت توازي عشرة أضعاف مدينة (تمنع) – عاصمة مملكة قتبان – وبهذا يمكن القول أن مدينة مأرب أقدم من مدينة (تمنع).

ولم يأت لنا من هو الباني لمدينة مأرب ولا في أي عصر بالضبط، والذي يظهر أن بناءها يرجع إلى بدء انتقال الملك إلى أيدي مكربي سبأ في القرن التاسع قبل الميلاد، وقد جاء في بعض النصوص أن يثعمر بن سمهعلي ينوف – وهو الثاني عشر من مكربي سبأ (640- 620 ق.م) بنى بابين لمدينة مأرب وحصنها ببروج بناها من البلق ، وهذا دليل على أن المدينة بنيت قبل هذا التاريخ.

إن مدينة مأرب اليوم أصبحت مجرد مدينة صغيرة يحيط بها سور كثيف وعدة مبانٍ وخرائب مبعثرة حولها، ويوجد فيها الكثير من الأحجار المنقوشة والفصوص المكتوبة وتماثيل الرخام حيثما حفر الإنسان تقريبا وتشير كلها إلى تفوق ممتاز في فن الرسم والنحت، ويوجد في متحف مأرب ما يزيد على ثلاثمائة قطعة من الرخام بعضها تماثيل كاملة وبعضها مجرد رؤوس في غاية من الروعة ودقة الفن، وهي تفوق بكثير – وبدون مبالغة – تلك الرءوس الرومانية التي شاهدتها في المتحف الروماني بروما، ومتحف لوفري بباريس، بالإضافة إلى ما تمتاز به من الدقة وجودة الرخام الناصع ومن قدم  التاريخ أيضًا، مما يجعلها أكثر أهمية نظراً لقيمتها الأثرية، وفي وسط مدينة مأرب بقايا أعمدة قصر ضخم يعرف الآن عند السكان بـ (هيكل سليمان) ، وفي جنوب المدينة بمسافة اثنين كيلومتر يقع عرش بلقيس والمعبد.

عرش بلقيس بمأرب:

يقع على مسافة اثنين كيلومتر بالسيارة إلى الجنوب الشرقي من مدينة مأرب إحدى روائع الفن اليمني القديم معبد (المقه) (Iimgah) ويعني في لغة سبأ (الإله القمر) وهو شعار إحدى الملل  التي كانت تقوم عليها الديانة القديمة في جنوب الجزيرة العربية والذي لا يكاد يخلو من ذكر اسمه نص من النصوص السبئية والحميرية التي عثر عليها في الكثير من الأماكن في اليمن، مهما كانت متعلقة بالديانة أو القرابين أو أسماء الآلهة، إلا أنها تأتي في بعض النصوص باسم (سين) وبعضها باسم (شهر) وبعضها باسم (ود) عند المعينين وكذا عند السبئيين أيضاً كما في صورة الشمس والقمر المنقوشتين على عمود ضخم نصب على رأس الجبل المطلل على باب الفلج جنوبي مأرب وهو من آثار سبأ الأولى، وقد سمى فيها القمر باسم (وُد)، أما المعبد نفسه فيسمى (أوام) أو (محرم بلقيس) وفي كثير من النصوص (نهوان)، ويطلق عليه السكان (عوّام) والأصل في ذلك أوام وهو اسم القبيلة التي كانت تسكن منطقة مأرب وقد جاء ذكرها في النصوص أيضاً باسم (عبد أوام) ويطلق عليه المؤرخون ( عرش بلقيس الأسفل). وهو بناء ضخم يقع في شكل مثلث لا يزال – وعلى رغم من تقادم عهده – محتفظاً برونقه الزاهي ومظهره المصقول، ويبلغ قطره حوالي ألف قدم، أما طوله فيبلغ من إحدى جهاته كما ذكر ويندل فليبس 375 قدماً ومن الجهة الأخرى 250 قدماً وتبلغ مساحة قاعته 57 * 52 قدماً مربعاً، ويشتمل المعبد على عدة مربعات أقيم بينها 32 عموداً (دعامه) يبلغ طول الواحد منها 27 قدماً في عرض 82 سنتيم وسمك 60 سنتيم على ما حققه جلازر ولا يزال منها ثمانية أعمدة قائمة حتى اليوم، ويقول الهمداني عن قوة كل منها بأنه لو اجتمع أهل قرية كبيرة في اليمن أن يقتلعوها لما استطاعوا لأنها أثبتت في الأعماق على الصخر وصهر عليها القطر، والذي يظهر بعد الفحص أن الأعمدة أقيمت بطريقة فنية على جهة المناكحة فقد نقب في الأساس ثقب لكل عمود لا يتجاوز الثلاثة السنتيم وتحت في أسفل العمود القدر الذي ينطبق على الثقب وهكذا أقيمت جميع الأعمدة  المستقيمة والمعترضة فوقها بشكل هندسي رائع ، أما طريقة رفع هذه الأعمدة الهائلة سواء منها العمودية أوالأفقية، فلم يهتد إلى ذلك أحد من المؤرخين ولا من خبراء التنقيب.

عرش بلقيس بصرواح:

تقع مدينة صرواح الأثرية القديمة على بعد 141 كيلو متر شرقي صنعاء، وعلى مسافة 50 كيلو متر إلى الشمال الغربي من مأرب، وهي عاصمة مكربي سبأ الأولى، كما أنها أقدم عهداً من مدينة مأرب – عاصمة سبأ الثانية – التي ، خلفت صرواح وتغلبت عليها. وتدعى أنقاض صرواح إلى اليوم باسم (خربه) ومن هذه المدينة السبئية حصل الباحثون على أقدم الكتابات من مملكة سبأ، ومعبد صرواح بناء مثلث قوائم الزاوية يرجع تاريخ بنائه إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وأعظم من عنى بتحقيق آثاره الرحالة جلازر، قال أ،ه مشيد بالمرمر الأبيض المنحوت نحتاً جميلا، وقد أحيط بسور خارجي من المرمر أيضاً يبلغ سمكه 2 مترين وثلث ، ولم يبق فيه أكثر من متر ونصف، كما أن أجزاء الحائط قد انهارت. ويبلغ طول المعبد 27 خطوة وتشتمل قاعدته على 10 أو 12 عموداً لا يوجد الآن إلا بقاياها أغلبها منقوشة بالخط المسند، وفي وسط المعبد توجد صخرة مستطيلة من البلق لا يقل وزنها عن أربعة طن مكتوبة في جميع جوانبها بالمسند وهي من البلق الناصع ولا يوجد هذا النوع من الصخر إلا على بعد خمسة كيلو مترا في جبل يسمى (هيلان) شمال شرقي صرواح. وعلى مسافة 80 متراً تقريباً إلى الغرب يوجد بقايا قصر يسمى إلى الآن (قصر بلقيس). وممن زار هذه المنطقة من الرحالين نزيه مؤيد العظم وذكر في رحلته أنه وجد بجانب المعبد عدة قصور يزعم الأهلون أنها كانت لبلقيس وكان به عرشها ولذلك فإنه يعرف عندهم بعرش بلقيس الأعلا.

سد مأرب:

في ذلك المكان المترامي الأطراف، الواسع المساحة، الجميل الموقع، الفائق الخصب، والذي يبعد عن صنعاء شرقاً مسافة 193 كيلومتر وينتهي طرفه بالربع الخالي، يقع ذلك الممر المائي الذي تلتقي فيه عشرات الوديان المائية المنحدرة من جبال اليمن. لقد بُني في هذا الممر الضيق المسلمي بالفلج الأيمن والذي يبلغ عرضه 250 متراً تقريبا إحدى عجائب العالم القديم (سد مأرب)، ويرجع بناؤه إلى ما قبل 2700 عاما تقريبا، ويعتبر الباني له سبأ الأكبر حفيد جد العرب (يعرب بن قحطان) على ما يذكر بعض المؤرخين، ويذكر بعضهم أن الباني له هو سمهعلي بنوف بن ذمار علي – المكرب الأول لسبأ – وأنه وجد بين أنقاض السد ما ترجمته : (إن سمهعلي ينوف بن ذمار على اخترق بلق وبنى رحب لتسهيل الرمي)، وأعتقد نظراً لضخامة المشروع أنه قد اشترك في بنائه عدد من مكربي سبأ ويؤكد هذا وجود نقوش أخرى بعضها على واجهة الصدف الأيمن وبعضها على واجهة الصدف الأيسر، وبعضها على المصارف الأخرى، وقد كتب عليها أسماء أربعة من المكربين ولنذكرهم على التوالي:

1-يثعمر بن سمهعلي ينوف لم يكن مكرباً وقد ذكر الدكتور جواد علي أنه قام بتكميل ما كان قد شرع فيه والده في بناء بعض واجهات السد.

2-يدع إل بيين بن يثعمر مكرب سبأ واسمه مكتوب على الصدف الأيسر بالخط المسند الواضح، وقد حكم سبأ سنة 780 – 750 ق.م.

3-ذمار على ذراح بن يدع إل مكرب سبأ واسمه مكتوب على الصدف الأيمن، وقد حكم سنة (730-720 ق.م).

4-كرب إل بيين بن يثعمر مكرب سبأ واسمه مكتوب على إحدى المصارف في الصدف الأيسر ، وقد حكم سنة (720-710)ق.م.

أما طريقة بناء السد فإنها تدل على هندسة نادرة وتقسيم فني ومهارة فائقة لا تقل عظمة وشأناً عن بناء أكبر أهرام في مصر، بل يفوق ذلك نظراً لقيمته العظيمة وفائدته الكبرى في تنظيم الري، وتأمين معيشة الملايين من أبناء اليمن.

أما (العرم)  أو (عرمن) كما يسمى في النصوص – وهو القسم المجتاح – فكان يبلغ طول البناء فيه على عرض الوادي، وعلى مسافة 100 متر من المضيق شرقاً بطول 350 متراً في عرض وارتفاع 45 مترا أي بما يحاذي ارتفاع الجبلين – ومستندنا الوحيد في مقياس العرض والارتفاع هو نص الملك شرحبيل يعفر ونص أبرهة الآتي ذكرهما، وقد ذكر فيهما قدر عرض وارتفاع بنيان العرم بعد أن أعيد بناؤه سنة 425 وسنة 658 بالتاريخ الحميري ويساوي 310 و543 بالتاريخ الميلادي، مع تقدير مقياس الطول والعرض بالباع وقد أتى في كلا النصين بلفظ (أم) وهو يقرب من المتر والنصف.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

265

followings

592

followings

6657

similar articles