مرايا التقدم الزائف: حين يكتفي العرب بالشوارع والأبراج ويهملون العقول
مرايا التقدم الزائف في العالم العربي
. الشوارع اللامعة والتقدم المادي
في إحدى المدن العربية الحديثة كانت الشوارع واسعة ونظيفة مزينة بأشجار مستوردة من أوروبا والأبراج الشاهقة تتلألأ كالنجوم في الليل السيارات الفارهة تتكدس في الطرق والمراكز التجارية الضخمة تعرض أحدث الماركات العالمية كل زاوية من المدينة تصرخ بالمظاهر هنا الرفاهية وهناك التقدم اجتمع
المسؤولون في قاعة ضخمة من الزجاج يتفاخرون أمام الكاميرات
وقال أحدهم بفخر انظروا إلى بلدنا طرق سريعة ناطحات سحاب وأسواق مليئة بالذهب هذا هو التقدم في العالم العربي صفق الجميع بحرارة وكأن الأبراج والمولات هي التي تصنع النهضة
لكن خلف هذا التصفيق ظل سؤال مؤلم هل يُقاس التقدم بما فوق الأرض من حديد وزجاج في الزوايا كان بعض الشباب يلتقطون صور سيلفي أمام الأبراج الزجاجية ويضعونها على إنستغرام يضحكون ويصرخون أصبحنا مثل الغرب هذا هو التقدم لكن لم يكن هناك ضحك على وجه طفل يجلس في مكتبة صغيرة مهملة يحاول قراءة كتاب عن ابن سينا والخوارزمي ويتساءل بصوت هادئ لماذا توقفنا عن أن نكون مبدعين لماذا أصبحنا مجرد مستهلكين
. تقليد الغرب ونسيان الجذور
في قاعة الاجتماعات جلس شيخ حكيم عيناه مليئتان بالحزن رفع صوته قائلاً أيها السادة نعم الطرق جميلة الأبراج شاهقة لكن أين المدارس التي تخرج العلماء أين الجامعات التي تنتج التكنولوجيا أين المصانع التي تصنع مستقبلنا
ساد الصمت لثوان ثم ابتسم أحد المسؤولين بسخرية يا شيخ لسنا بحاجة لذلك نستورد كل شيء من الغرب هم يفكرون ونحن نشتري أليست هذه راحة أكبر ضحك الحضور وأكملوا احتفالهم
الشيخ تمتم بصوت خافت لقد وقعنا في فخ تقليد الغرب نسينا أن التقدم الحقيقي يبدأ من العقل والقيم لا من الأبراج والطرقات بين المسؤولين
تحدث شاب آخر يقول بسخرية لماذا نهتم بالعلم لدينا المولات لدينا الأبراج لدينا السيارات الفارهة أليس هذا ما يريد الناس رؤيته ابتسم الشيخ بحزن أصبح التقدم المادي معيار الفخر بينما التقدم الفكري مهجور
. مرايا تعكس الغرب ولا تعكسنا
في المساء أُضيئت الأبراج بألوان براقة وازدحمت الشوارع بالمركبات الفارهة والمراكز التجارية كانت مكتظة بالمتسوقين أعلن المسؤولون عن إنجاز ضخم جديد تجمع الناس بحماس وعُرضت الستارة ليكشفوا عن المفاجأة وعندما انكشفت ظهر أكبر مول تجاري في المنطقة
صرخ أحد المسؤولين بفخر هذا هو التقدم العربي الذي نفتخر به صفق الحضور بحرارة بينما الغرب يبتسم من بعيد ويقول هم يستهلكون ونحن ننتج هم يقلدون ونحن نبتكر
وفي زاوية هادئة جلس الطفل الذي كان يقرأ ينظر إلى المول الكبير بحسرة وقال بصوت منخفض تركنا التقدم الحقيقي وركضنا خلف مرايا تعكس صورة الغرب لكن لا تعكس حقيقتنا
وفي اللحظة نفسها كان الشيخ الحكيم يهمس إن نهضة الأمة ليست في الأبراج أو المولات بل في المدارس والجامعات والمختبرات في العقول التي تفكر لا في الجدران التي تلمع أغلق الأب عينيه للحظة متأملاً ثم ابتسم للطفل وقال تذكر يا بني المستقبل الحقيقي لنا إذا قررنا أن نعيد بناء حضارتنا على المعرفة والإبداع والقيم لا على المظاهر الزائفة وهكذا بقيت الأبراج لامعة والسيارات فارهة والمولات مكتظة بالمتسوقين لكن في صمت المكتبات المهملة بدأ بعض العقول تدرك الحقيقة التقدم الحقيقي لا يُشترى بل يُبنى
