
من مأساة شخصية إلى نهضة جماعية: قصة القرية التي تُزهر مع كل بنت
🌿 بيبلانتري: القرية الهندية التي تزرع 111 شجرة مع ولادة كل بنت
---
مقدمة
في ولاية راجستان شمال الهند، توجد قرية صغيرة تُدعى بيبلانتري (Piplantri) أصبحت حديث الصحافة العالمية ومنصات التنمية المستدامة. السبب؟ تقليد فريد يربط بين ميلاد البنات وزراعة الأشجار. ففي كل مرة تولد فتاة جديدة في القرية، يزرع الأهالي 111 شجرة باسمها، ويضعون مبلغًا ماليًا في حساب توفير خاص بها حتى تبلغ 18 عامًا. هذه المبادرة البسيطة قلبت حياة القرية رأسًا على عقب، وغيرت مستقبل آلاف الفتيات، وحولت الأرض الجرداء إلى واحة خضراء.
---
البداية: من مأساة شخصية إلى أمل جماعي
القصة بدأت عام 2007 مع مأساة مؤلمة. فقد عاش شيام سندر باليوال، عمدة القرية آنذاك، صدمة وفاة ابنته كيران البالغة 17 عامًا بسبب الجفاف وسوء التغذية. من هذا الألم قرر أن يفعل شيئًا مختلفًا، شيئًا يمنع تكرار المأساة مع بنات القرية الأخريات.
أطلق باليوال مبادرة مجتمعية تقوم على زراعة الأشجار تكريمًا لكل بنت تولد في القرية. ورغم بساطتها، لاقت الفكرة تعاطفًا واسعًا من السكان، فتحولت من مبادرة فردية إلى تقليد جماعي يلتزم به الجميع حتى اليوم.
---
تفاصيل المبادرة: 111 شجرة لكل مولودة
عند ميلاد أي فتاة جديدة في بيبلانتري، تُطبق ثلاثة إجراءات رئيسية:
1. زراعة 111 شجرة
الأهالي يزرعون 111 شجرة من أنواع محلية مثل النيم، المانجو، التين، والأملا.
الأشجار تُعتبر بمثابة “أخوات” للطفلة، وعلى عائلتها رعايتها كما ترعى ابنتهم.
2. فتح حساب توفير باسم الطفلة
يُودَع مبلغ 31 ألف روبية هندية في حساب ادخار ثابت باسم المولودة.
المبلغ لا يُصرف إلا عند بلوغها 18 عامًا، ليُستخدم في التعليم أو الزواج.
3. تعهد قانوني من الأسرة
الأهل يوقعون تعهدًا بعدم تزويج الفتاة قبل سن 18.
يلتزمون بتعليمها والاعتناء بالأشجار المزروعة باسمها.
بهذا الربط الذكي بين البيئة، التعليم، وتمكين الفتاة، أصبحت المبادرة نموذجًا عالميًا يُحتذى به.
---
النتائج المذهلة: من قرية فقيرة إلى نموذج تنموي
بيئيًا
خلال أكثر من 15 عامًا، زُرعت مئات الآلاف من الأشجار.
ساهم ذلك في تحسين جودة الهواء، وزيادة منسوب المياه الجوفية، واستعادة خصوبة التربة.
كما تمت زراعة أشجار مثمرة ساعدت في تنويع المحاصيل الزراعية.
اقتصاديًا
الأشجار أثمرت محاصيل مثل المانجو والعنب وخشب الصندل.
منتجات الأشجار (عصائر، زيوت، مستحضرات تجميل طبيعية) وفرت دخلًا جديدًا للنساء.
زادت فرص العمل للشباب مع توسع النشاط الزراعي والتجاري.
اجتماعيًا
تغيّرت النظرة للبنات من “عبء” إلى بركة ورمز للرخاء.
ارتفعت معدلات تعليم الفتيات وانخفضت حالات الزواج المبكر.
المبادرة عززت روح التضامن المجتمعي وجعلت الأهالي أكثر وعيًا بحقوق المرأة.
---
الإحصائيات تتحدث
يولد في القرية نحو 60 بنتًا سنويًا.
أي ما يعادل 6660 شجرة جديدة كل عام.
بالإضافة إلى ذلك، يزرع الأهالي 11 شجرة عند وفاة أي شخص، كرمز لاستمرار دورة الحياة.
بهذا المعدل، تحولت بيبلانتري من قرية جافة إلى واحة خضراء، وتصدرت عناوين الصحف العالمية كنموذج ناجح للتنمية المستدامة.
---
اعتراف عالمي
حصل مؤسس المبادرة شيام سندر باليوال على جوائز وتقديرات دولية عديدة، أبرزها جائزة بادما شري (Padma Shri) عام 2021، وهي واحدة من أعلى الجوائز المدنية في الهند. كما غطت قصص القرية وسائل إعلام كبرى مثل BBC وHindustan Times وIndia Times، التي اعتبرتها مثالًا فريدًا يجمع بين تمكين المرأة وحماية البيئة.
---
الدروس المستفادة
تمكين الفتيات استثمار في المستقبل: ربط حقوق البنات بالاستدامة البيئية أحدث فارقًا كبيرًا.
العمل الجماعي يغير الواقع: ما بدأ بمبادرة فردية تحوّل إلى حركة مجتمعية قوية.
البيئة والإنسان وجهان لعملة واحدة: تحسين الغطاء الأخضر انعكس مباشرة على مستوى المعيشة.
---
خاتمة
قصة بيبلانتري تُثبت أن التغيير لا يحتاج دائمًا إلى قرارات حكومية أو مشروعات عملاقة. أحيانًا، يبدأ التغيير من قرية صغيرة، ومن فكرة صادقة، ومن حب أب لابنته. هذه المبادرة جعلت ولادة البنات فرصة لزراعة الحياة من جديد، وخلقت مجتمعًا أكثر عدالة وخضرة.
في عالم يواجه تحديات المناخ والتمييز، تظل رسالة بيبلانتري واضحة:
“ازرع شجرة مع كل بنت… تُزهر الأرض ويزهر المستقبل معًا.”



