لماذا أريد عصا؟

لماذا أريد عصا؟

Rating 0 out of 5.
0 reviews

 

image about لماذا أريد عصا؟

بينما "منير" يمشي في شوارع المدينة المزدحمة، ولكنه لم يكن يرى وجوه الناس ولا ألوان المحلات. كان عقله مشغولًا بفكرة واحدة تتردد فيه كصدى موجع: "كم أتمنى لو أنني أملك عصًا أستند عليها". لم يكن جسده يشتكي من أي آلام، لكنه كان يشعر بثقلٍ غريبٍ يثقل روحه. فبعد أن فقد صديقه "سامي" في حادث مفاجئ، شعر أن جزءًا من كيانه قد انتُزع، وأن كل شيء كان يعتمد عليه قد انهار. كان سامي بالنسبة له ليس مجرد صديق، بل كان هو العصا التي يستند عليها في كل أزمة، كان صوته هو بوصلته في لحظات الضياع، وضحكته هي مرساه في بحر القلق.

كان منير يرى المسنين يمشون بعصيَهم، فيعتقد أنهم يملكون سرًا لا يعرفه. يرى الثقة في وقفتهم، والثبات في خطواتهم، وكأن عصاهم ليست مجرد خشب، بل هي مرسى للأمان في بحر الحياة المتقلب. في لحظات الصمت، كان يغمض عينيه ويتخيل سامي يجلس بجانبه، يضع يده على كتفه ويطمئنه، كان هذا الخيال هو العصا الوحيدة التي يملكها، ولكنها كانت ضعيفة، وتتلاشى مع كل صباح جديد. لماذا أريد عصا إذًا، إن كانت مجرد خيال يتبدد؟

ذات يوم، وهو جالس في حديقة هادئة، يراقب الأطفال يلعبون، لفت انتباهه طفل صغير يتعثر ويسقط مرارًا وتكرارًا، ولكنه في كل مرة، كان ينهض ويبتسم. وفي لحظة، أمسك الطفل بفرع شجرة صغير ملقى على الأرض، فاستخدمه كعصا تساعده على التوازن. وفجأة، تحوّلت خطواته من متعثرة إلى واثقة، ووصل إلى قمة التل وهو يضحك بفرح منتصر.image about لماذا أريد عصا؟

تأمل منير المشهد، وشعر بقرص من البرد في يديه مع هبة ريح خفيفة، فأدرك أن العصا التي كان يبحث عنها لم تكن شيئاً خارجياً يحمله. لقد كان سامي عصاه، والآن لم يعد موجودًا. في تلك اللحظة، فهم أن القوة الحقيقية تكمن في تعلم كيفية الوقوف وحده. فهم أن عليه أن يكون هو العصا التي يستند عليها. تساؤل "لماذا أريد عصا" أخذ بُعدًا جديدًا في ذهنه.

قام منير من مكانه، ووقف ببطء. لم يعد يشعر بالحاجة إلى يد سامي، بل شعر أن كل خطوة يخطوها هي جزء من بناء عصاه الخاصة. قرر أن تكون عصاه:

 * حوارًا صامتًا مع نفسه، يتعلم فيه كيف يعالج ألمه ويواسي روحه.

 * شغفًا قديمًا يعود إليه ليبعث فيه الحياة من جديد، فيقرر العودة إلى الرسم، الذي كان يمارسه مع سامي، ولكنه سيفعله الآن لنفسه.

 * إيماناً راسخاً بأن كل عثرة هي درس، وكل سقوط هو فرصة للنهوض.

فهم منير أخيرًا لماذا أريد عصا، ليس ليتكئ عليها، بل ليتذكر أنه قادر على الوقوف بمفرده. لم يجد منير عصا، بل أصبح هو العصا. فهم أن القوة ليست في الاستناد على الآخرين فقط، بل في بناء قوته الذاتية. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد يبحث عن عصا يستند عليها، بل أصبح هو السند الذي يعتمد عليه، ويمشي في الحياة بخطواتٍ ثابتة، وقوةٍ تنبع من قلبه، واثقاً أن حتى لو سقط، سيجد في داخله القوة للنهوض من جديد. لم تعد فكرة "لماذا أريد عصا" تؤرقه، فقد وجد الإجابة داخله.

 

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

8

followings

90

followings

1

similar articles
-