
المصباح الذي يروي النكات المظلمة: مغامرة معرض الفن العبثي الجزء الثاني
المصباح الذي يروي النكات المظلمة: مغامرة معرض الفن العبثي
قصص قصيرة
بعد مغامرة المزاد العبثي، وجد نادر وطارق نفسيهما أكثر انسجامًا مع جنون المصباح. لم يعد نادر يخشى الفوضى التي يخلقها، بل أصبح يتوقعها بترقب. ذات صباح، بينما كانا يحتسيان القهوة، لمح طارق إعلانًا في الجريدة عن معرض فني مرموق، يعرض فيه فنان غامض يُدعى زيد عمله الجديد الذي قيل إنه سيغير مفهوم الفن. لمعت عينا نادر. "هذا هو المكان المناسب لنكتة جديدة، أليس كذلك يا مصباح؟" همس نادر.

وصل نادر وطارق إلى المعرض الفني الفخم، المصباح مخبأ بعناية في حقيبة قماشية سميكة يحملها نادر. كانت القاعة تعج بالزوار الأنيقين، النقاد المتغطرسين، والجامعين الأثرياء، وكل منهم يتظاهر بفهم عميق للقطع الفنية المعروضة. كان الجو مشحونًا بالترقب والادعاء.

في قلب المعرض، كانت هناك منصة مغطاة بقماش أسود، يُفترض أنها تخفي العمل الفني الرئيسي للفنان زيد. تجمعت الحشود حولها، تتنافس على أفضل زاوية للرؤية. قبل لحظات من الكشف، همس المصباح بصوته العميق، نكتة جديدة بدأت تتشكل في الأجواء: "ما هو الشيء المشترك بين الفن الحديث والسياسة؟" قال المصباح بضحكة مكتومة. “كلاهما يتطلب منك أن تتظاهر بالفهم حتى لا تبدو غبيًا!”

انطلق التصفيق الحاد عندما أزاح الفنان زيد، رجل ذو شعر أشعث وعينين حادتين، القماش الأسود. كُشف عن العمل الفني: كان عبارة عن كومة من الأحجار الصغيرة المرتبة بعناية فائقة على قاعدة من الزجاج الشفاف. عم الصمت، ثم بدأت الهمسات. البعض أومأ برأسه بإعجاب، والبعض الآخر بدا حائرًا.

تقدمت الناقدة الفنية الشهيرة، ليلى، نحو العمل الفني، وهي تحمل دفتر ملاحظات وقلمًا. بدأت تتحدث بصوت عالٍ عن "العمق الوجودي" و"التفكيك البنيوي" و"الرمزية الكامنة" في الأحجار. كل كلمة كانت تزيد من ارتباك طارق، بينما كان نادر يبتسم بخبث، متوقعًا ما سيحدث.

بينما كانت ليلى تواصل تحليلها المعقد، أطلق المصباح نكتة أخرى، هذه المرة بصوت أعلى قليلًا، اخترق همسات الحشد: "لماذا يفضل الفلاسفة الجلوس في المقاهي؟" قال المصباح. “لأنهم يحبون أن يفكروا في معنى الحياة، بينما يدفع لهم شخص آخر ثمن القهوة!”

في تلك اللحظة، حدث شيء غريب. بدأت الأحجار الصغيرة في العمل الفني بالاهتزاز الخفيف، ثم بدأت في التحرك ببطء، وكأنها تتراقص على إيقاع خفي. تحولت الكومة المرتبة إلى فوضى، ثم بدأت الأحجار في التجمع لتشكل كلمة واحدة باللغة العربية القديمة: "لا شيء".

عم الصمت المطبق في القاعة. الناقدة ليلى توقفت عن الكلام، عيناها مفتوحتان على مصراعيها. الفنان زيد نفسه بدا مصدومًا، وكأنه لم يتوقع هذا أبدًا. بدأ بعض الحضور بالضحك، ضحكات خافتة ثم ارتفعت تدريجيًا إلى ضحكات عالية، بينما كان آخرون ينظرون بذهول.

تقدم جامع التحف الثري، سالم، الذي كان ينوي شراء العمل الفني بمبلغ باهظ، وهو يضحك بصوت عالٍ. "لا شيء! هذا هو الفن الحقيقي!" قال سالم، وهو يشير إلى الأحجار. "لقد دفعنا الملايين من أجل لا شيء، وهذا هو أصدق تعبير عن واقعنا!" ثم أعلن أنه سيشتري العمل الفني بهذا الشكل الجديد، معتبرًا إياه تحفة عبثية فريدة من نوعها.

خرج نادر وطارق من المعرض، تاركين وراءهما حشدًا من الناس بين الضحك والذهول. كان نادر يضحك بصوت عالٍ، بينما كان طارق يهز رأسه بابتسامة. "لقد كان هذا أفضل من أي مزاد، أليس كذلك يا نادر؟" قال طارق. “المصباح لم يكتفِ برواية النكتة، بل جعلها حقيقة!”

في اليوم التالي، انتشرت قصة "عمل لا شيء الفني" في جميع أنحاء المدينة. أصبحت الأحجار التي تشكل كلمة "لا شيء" حديث الجميع، وانقسم النقاد بين من اعتبرها عملاً عبقريًا في السخرية، ومن رآها مجرد فضيحة. أما الفنان زيد، فقد أصبح أكثر شهرة من أي وقت مضى، لكنه ظل صامتًا بشأن ما حدث.

نادر وطارق، مع المصباح الذي يضيء بهدوء بينهما، ناقشا المغامرة الجديدة. "الحياة نفسها لوحة فنية عبثية، يا طارق،" قال نادر. "والمصباح هو الفرشاة التي تكشف عن ألوانها الحقيقية." ضحك طارق، مدركًا أن رحلتهم مع المصباح لم تكن مجرد سلسلة من الصدف الغريبة، بل كانت استكشافًا مستمرًا للفكاهة السوداء الكامنة في قلب الوجود.

قصة المصباح الذي يروي النكات المظلمة: مغامرة معرض الفن العبثي تعود في هذا الجزء الثاني لتواصل أحداثها المثيرة، حيث تمتزج الغموض بالسخرية، والخيال العبثي بالكوميديا السوداء.