السماء لا تتسع لنا -الفصل العاشر(الكاتبة علا إبراهيم)

السماء لا تتسع لنا -الفصل العاشر(الكاتبة علا إبراهيم)

Rating 0 out of 5.
0 reviews

شربت الماء من يده، ثم أعادت نظرها إلى النافذة. الجو كان هادئًا بشكل غريب، وكأن المدينة تنام الآن على همسٍ ثقيل.

قطع هذا السكون صوتها وهي تقول فجأة، دون أن تنظر إليه:

– «إزاي اتجوزتك؟ الورقة اللي معاك دي... حقيقية؟ ولا مزوّرة؟»

– «حقيقية.»

قالها بصدق، وعيناه لم تفارق وجهها من انعكاس مرآة السيارة.

أدارت وجهها عنه بحزنٍ ممزوج باستهزاء، وكأنها تحتقر ما وصلت إليه. عادت لتتأمل الهواء الداخل من النافذة، فيما عيناها تلمعان بدموعٍ محتبسة.

تنهد فاروق وهو يشدّ يده على مقود السيارة، كان قد أوقفها جانبًا لتشرب العصير، لكنها لم تمسه، اكتفت فقط بالماء.

تحرّك بسيارته قليلًا، ثم توقف أمام عمارة طويلة. ترجل بهدوء، وفتح لها الباب.

نزلت بتوتر، رأسها ثقيل، والرؤية أمامها مشوشة من الدموع التي كانت تتكثف على أهدابها.

تقدّم أمامها، يترك لها المساحة لتتصرّف بحريتها. وهذا بالضبط ما كانت تحتاجه… قليل من الصمت، وقليل من المساحة.

صعد الدرج بخطوات ثقيلة، وبين الحين والآخر، كان يلتفت بنظرة خلفه، يراها تتبعه مباشرة… وكأنها استسلمت للأمر الواقع.

بدأ يشعر وكأنه انتصر، وكأنها انهزمت أمامه، لكن... لا. هذا الإحساس لم يعجبه.

هو ليس من النوع الذي يستقوي، ولا من أولئك الذين يحبون كسر من أمامهم، لكن معها… معها فقط، يشعر أن له سُلطة غريبة عليها. سيطرة لا يفهمها، تحدث غصبًا عنه،والاكثر أنها تطاوعة فتغذى سيطرتة

وصل إلى باب الشقة، أخرج المفتاح، وأدخله ببطء، فتح الباب، وأشعل الضوء… ثم وقف ينتظر دخولها.

قال دون أي نبرة واضحة:

– “ادخلي.”

دخلت بصمت، وعيناها تراقبان المكان. غرف الشقة الأربع، الحمام، المطبخ... كل شيء كان غريبًا وباردًا مثل شعورها.

قال ببساطة:

– “دول أربع أوض، والحمام، والمطبخ.”

هزّت رأسها، وخفّضت عينيها للأرض.

الصمت كان يلتهم الهواء بينهما.

حمحم فاروق بصوت خافت، كأن نفسه لا يطاوعه على المغادرة:

– “أنا... هنزل وأسيبك.”

هزّت رأسها مرة أخرى.

استدار وخرج ببطء، وأغلق الباب خلفه بهدوء... دون صوت.

وما إن أغلق الباب، حتى تنفّست هي بارتياح. سقطت دموعها كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة فقط، ثم بكت… بكت بعنف وكأن كل شيء انهار دفعة واحدة.

اندفعت نحو أول غرفة أمامها، واختفت بداخلها.

أما فاروق، فجلس في سيارته، وأسند رأسه على المقود. عقله كان يعجّ بالأسئلة، ولا يملك أي إجابة.

ظل هكذا طويلًا، قبل أن يُشعل السيارة وينطلق.

السماء لا تتسع لنا 

image about السماء لا تتسع لنا -الفصل العاشر(الكاتبة علا إبراهيم)

عاد إلى القصر، فكان هادئًا ومظلمًا. علم أن خالته قد صعدت إلى غرفتها، وفضل ألا يقلقها.

وما إن همّ بصعود السلم، حتى سمع صوتًا يناديه:

– «فاروق؟»

انتفض، وصاح بفزع:

– «خالتي؟! إيه اللي مقعدك هنا؟»

عملت إيه يا حبيبي؟"

قالتها سريعًا، وكأنها كانت تنتظر عودته بفارغ الصبر.

ثم تابعت بقلق:

“وإيه اللي حصل ومقلتليش عليه؟ أوعى تكون مخبّي حاجة عني!”

أدار فاروق وجهه بتنهيدة ثقيلة، وتفكير مشوش.

لا يعلم هل يخبر خالته بما فعله أم لا... لكنه اتخذ القرار بالفعل.

هو سيتخلّص من هذه الورطة بعد أيام، وسيطلّقها، لكن الآن، لا مهرب مما تورّط فيه، حفاظًا على اسم العائلة.

وبنبرة خافتة، وكأنه يستعد لرمي قنبلة، نظر إلى خالته قائلًا:

“أنا اتجوزت.”

الكاتبة : علا ابراهيم

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

10

followings

0

followings

0

similar articles
-