نيكولا تسلا – العبقري الغامض

نيكولا تسلا – العبقري الغامض

تقييم 5 من 5.
2 المراجعات
image about نيكولا تسلا – العبقري الغامض

نيكولا تسلا – العبقري الغامض

في كل عصر يظهر عبقري يغيّر وجه البشرية  لكن قليلين فقط يجمعون بين الإبداع والجنون كما فعل نيكولا تسلا . كان رجلًا يعيش في المستقبل بينما يعيش العالم في الماضي عبقريًّا يرى الكهرباء كنبض للحياة  ويتحدث عن الطاقة اللاسلكية والذكاء الصناعي قبل أن يولد القرن العشرون . ومع ذلك انتهت حياته في غرفة فندق مظلمة منسيًّا إلا من الحمام الذي كان يطعمه كل مساء.

بداية الحلم

وُلد تسلا عام 1856 في قرية صغيرة تابعة للإمبراطورية النمساوية (حاليًا كرواتيا) . كان والده كاهنًا أرثوذكسيًا صارمًا وأمه امرأة مبدعة تصنع الأدوات اليدوية باحتراف رغم أنها لم تتعلّم القراءة . منها ورث تسلا حب الابتكار  ومن والده ورث حب الكلمة والانضباط .

منذ طفولته  كان مختلفًا عن الآخرين . كان يرى الشرر الكهربائي في أحلامه  ويتخيّل اختراعات كاملة في عقله قبل أن يصنعها .  لم يكن يرسم، بل "يرى" الأجهزة تعمل في ذهنه بدقة مدهشة . كان يتحدّث ثماني لغات  ويحلّ المعادلات دون ورقة أو قلم  ويقرأ ليلًا ونهارًا بلا كلل .

لكن وراء هذا الذكاء المذهل كان هناك عقل يعاني . كان تسلا مصابًا بهوس النظافة  يخاف من الجراثيم  ويعاني من نوبات وسواس قهري تجعله يكرر الأفعال ثلاث مرات قبل أن يرتاح  ومع ذلك  لم تمنعه هذه العواصف الداخلية من السعي وراء حلمٍ أراد من خلاله أن ينير العالم بأكمله .

صراع العباقرة

بعد دراسته للهندسة الكهربائية في أوروبا  ابتكر تسلا فكرة التيار المتناوب (AC)  الذي يسمح بنقل الكهرباء لمسافات بعيدة بأمان وكفاءة . كانت الفكرة ثورية  إذ كان العالم يعتمد وقتها على التيار المستمر (DC) الذي اخترعه توماس إديسون .

عندما وصل تسلا إلى أميركا عام 1884  عمل مع إديسون لفترة قصيرة  لكن سرعان ما تفجّر الخلاف بينهما . أراد إديسون الحفاظ على نظامه المربح القائم على التيار المستمر  بينما كان تسلا يؤمن أن التيار المتناوب هو مستقبل البشرية . نشبت بينهما ما عُرفت بـ “حرب التيارات”  واستخدم إديسون كل الوسائل لتشويه منافسه  حتى أنه عرض تجارب علنية لصعق الحيوانات بالكهرباء لإثبات “خطر” اختراع تسلا!

رغم ذلك  لم يستسلم تسلا . بدعم من رجل الأعمال جورج وستينغهاوس أثبت كفاءة التيار المتناوب في تشغيل معرض شيكاغو العالمي عام 1893  ثم في بناء أول محطة كهرباء تعتمد عليه عند شلالات نياجارا . ومنذ ذلك الحين  أصبح التيار المتناوب النظام الكهربائي المعتمد في العالم كله   بينما خمد بريق إديسون أمام عبقرية تسلا  .

عبقري بلا حدود

لم يكن تسلا مجرد مخترع كهرباء  بل حالم أراد أن يمنح البشرية الطاقة مجانًا . ابتكر المولدات  والمحركات  وأجهزة التحكم اللاسلكية  وأنظمة الراديو قبل ماركوني بسنوات . بل تحدث عن تكنولوجيا يمكنها إرسال الصور والأصوات عبر الهواء " ما نسميه اليوم الإنترنت! " 

عام 1901، بدأ بناء برج واردنكليف في نيويورك مشروعه الأعظم لنقل الكهرباء لاسلكيًا إلى كل بيت على الكوكب . أراد أن يجعل الطاقة حقًا مجانيًا لكل إنسان  لكن المستثمرين انسحبوا حين أدركوا أنه لا يمكنهم بيع ما هو مجاني  فانهار البرج  وتحطّم معه حلم تسلا الكبير .

الوحدة والجنون

مع مرور السنوات  تزايدت غرابة تسلا . كان يمشي مسافات طويلة كل مساء لإطعام الحمام في نيويورك  ويقول إنه "يتحدث معهم" ويفهم لغتهم  كان يرتدي القفازات دائمًا  ويقيم في الفنادق الفاخرة لكنه يعيش في عزلة تامة . كان يرفض الزواج معتقدًا أن العاطفة تشتت العبقرية  .

رغم عبقريته  نسيه الناس  وسُرقت أفكاره من قبل الآخرين . وفي 7 يناير 1943  وُجد ميتًا في غرفته بفندق “نيويوركر” عن عمر 86 عامًا  دون مالٍ أو شهرة . لكن الغريب أن مكتب التحقيقات الفيدرالي صادَر أوراقه ومخططاته فور وفاته  خوفًا من احتوائها على أفكار تتجاوز التكنولوجيا المعروفة آنذاك .

إرث لا يموت

بعد عقود من رحيله أدرك العالم أن كل جهاز يعمل بالطاقة الحديثة  وكل شبكة اتصالات لاسلكية  وكل مصباح يضيء في الليل  يحمل بصمة من عبقريته .

اليوم  تُطلق اسمه على واحدة من أكثر الشركات تقدمًا في العالم – Tesla Motors – تكريمًا لرجلٍ لم يكن يملك سيارة ولا بيتًا  لكنه منح العالم طاقة لا تنطفئ .

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
محمد خليل تقييم 5 من 5.
المقالات

3

متابعهم

2

متابعهم

2

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.