قصه حب حقيقي
لا شيء يعكِّر صفو عزلتي هذه الأيام، سوى تذكُر امرأة أحبتني بصدق وخذلتها. لا أدري كيف حدث ذلك، لكنه ظلّ جرح بداخلي؛ كلما تذكرته، أشعر بلطخة في ضميري. وبحاجتي للتطهر من الأذئ الذي خلفته في قلبها. كانت امرأة بصفات نبوية نادرة، فيها مسّحة من عوالم الملكوت، حقيقية جدًا ولا شيء فيها يثير اللغط. سماوية وربما أنها مخلوق تنزّل للتو من هناك. مهذبة للغاية، نزيهة وليست نموذجًا صالحًا للتجارب العابرة. صانت عاطفتها طويلًا. قاومتْ كل المغريات؛ ثم فتحت قلبها لي. كانت الوحيدة من أعادت لديّ شرارة هذه الكلمة " الحب " ظلت تراني نبيًّا، منحتني كل شيء، بسخاء لا يُحد وذهبت بصمت؛ تاركة لديّ احساس رهيب بالخجل العميق من نفسي.
كانت تتمتع بصرامة امرأة من بلاد اليونان، ذلك الحس العقلي الدقيق، نباهة غير قابلة للغش. وكانت فاتنة تصيبك بالغاشية، بدوخة الجمال؛ قوامها المريح يشيّ بذلك؛ تجعل الجميع يرتجف حين يقترب منها، لم يتمكن رجل من التسلل لقلبها. صارمة ومرحة، هذا مزيج نادر. وذلك الإباء الواثق من نفسه، سمو بلا كبر وأنوثة محاطة بعناية الآلهة. هي ذات مقام رفيع وفتنة هائلة. وقد كانت بالفعل مُحاطة بالكثير_ على خلاف بقية النسوة من يدعين ذلك زيفًا_شخوص ذات مكانة كبيرة طافوا حولها، أعرفهم جيدًا؛ لكن رسوخها كان أكبر من الجميع، لا شيء بمقدوره خديعتها، لا شيء. كل حيّل الرجال ومصادر ابهارهم تتعطل في حضرتها.
كانت جميلة بلا حدّ، عيناها واسعتان وتملك وجهًا مريحًا يُطهرك من كل خطاياك، تملك بصيرة قادرة أن تشرحك لنفسك؛ حين تختلط أمامك الأشياء؛ تُزيح عنك أعباء الزمان؛ لمجرد أن تنظر إليها. أقول جميلة وأشعر أن هذه الكلمة صارت مُرهقة من فرط استخدامها. ولا تكفي لوصف دقيق يُطابق حالتها. كانت هائلة الجمال، كأن " الله صممها بنفسه وبقية النسوة ترك العمال حقه ينجزوهن" ذلك الجمال الذي يدفعك لاحترام نفسك وتشعر بهالة غريبة حين تُحدثها.
إنها مزيج من الذكاء والمهابة، نموذج للأنوثة المكتملة، لم أصادف امرأة تجمع بين هذه الصفات غيرها وأظنها الوحيدة من بين ملايين النساء في البلاد. كانت جديرة بالمُلك، وتقف على عرش الأنوثة اليمنية بلا منازع.
عشر سنوات لم تجعلني امرأة أقف بذهول كامل أمامها، ذهول حقيقي بعيدًا عن مدائح الشباب الزائفة للنساء، باستثناءها. لم يحدث أن تأمّلت نموذجًا للكمال البشري بهذا المستوى، لا تكاد تلتقط مثقال ذرة من مناطق ضعف في شخصيتها. روحيًا وعقليًا وجسديًّا، كل شيء فيها صُمم بعناية فائقة. لم تُمنح امرأة تلك الجاذبية الشافية مع قوة الشخصية، الفيض الأنثوي المتدفق كل لحظة والابهار العقلي العال. من بين عشرات وميئات وربما آلاف الرفيقات، كانت الوحيدة التي هزتني من جذوري، جعلتني أؤمن أن الحب حقّ، طهارة ممتزجة بحميمية عالية؛ بعيدًا عن التفسخ المهدر لعواطف الإنسان. لامست عاطفتها أقصى ينابيع الروح وأعادتني رجلًا بقلب خام.
كنت أقول بسذاجة:" النساء الذكيات عواطفهن شحيحة" وكانت دليلًا مُربكًا أن فكرتي خاطئة. ثمّ صارت لديّ معيارًا للعاطفة المنقّاة من كل شوائب هذا الزمان، تجسيد لبكارة الأشياء، تعبير عن أقصى فاعلية ممكنة للعاطفة، قوة هادئة ومنظّمة، تتدفق وتمارس تأثيرًا سحريًا فاعلًا؛ كما لو كانت إحدى القوى المحركة للحياة والتاريخ. تعرف كيف ترويك بكرم صبايا القصور. إن حظيت بمحادثة واحدة معها؛ تعود وبداخلك بطل لا يقهره الزمان. تُعيد للحب سخونته " يا أول الحب والأسماء ساخنة** لكل سهم وإن شقّ الرياح مدى" ولا أظن رجلًا يتذوق الصورة الكاملة للحب، مع امرأة سواها. ومنذ الآن حتى يوم القيامة، لن أغبط رجلًا على امرأة، باستثناء من ستكون تلك المرأة نصيبه بالوجود.
استمرت علاقتنا عام وربما 10 أشهر، كانت أكثر شهور حياتي امتلاءً بالعاطفة وأكثرها حيوية وفاعلية، وأكثر علاقاتي ثراءً واحساسًا بالقوة والسمو. من أول لحظة عرفتها ، حتى أخر لحظة وحتى يوم القيامة؛ لم ينخفض ذهولي أمامها، لم تفقد مثقال ذرة من مهابتها. كان انبهاري بها يتصاعد باستمرار، كانت ساحرة بصورة لا تُستنفد. لا أدري ما هو مصدر ذلك البريق المشع منها في كل حضور. كانت قوية وفيها ليونة الماء، منسابة كنهر. كانت قوية وراسخة، وكنت مصدر ضعفها الوحيد. كانت عالية الشرف وكنت جبانًا لم يتمالك نفسه أمامها، ولم يحرسها من مغامراته الشبابية الشقية.
حتى طريقتها في وقف علاقتنا حدثت بأسلوب زادني اجلالًا لها واحساسًا بتفاهتي. لم تعاتبني لم تجرحني بكلمة، وليتها فعلت؛ كي تُخفف بعض الألم. ألغت صداقتي حتى أنها لم تحظرني، وذهبت بصمت. بالطبع كانت تتفقدني بطرق غير مباشرة. ومن متابعتي لها ظلّت تؤمن بجوهري السامي، حتى وقد خذلتها؛ ظل بداخلها أملا مفتوحا للنهاية. وعدًا بشيء ما لم يتحقق.
ظلّيت أحاول بطرق عديدة، ترميم جرحها، فعلت ذلك بأساليب متنوعة؛ لكني كنت أشعر بحجم مرارتها. وبأن خطأي كان مدمرّا. فعلاقة بذلك المستوى من القوة والابهار، طبيعي أن يكون أثرها جارح وعميق. بعد شهور، بعثت لي رسالة واحدة فقط، بنفس طريقة تعبيرها المهذب، الحزين والموجع هذه المرّة: عرِقت من كل خلية بجسدي، وما تزال رسالتها تلك، تدوّي بداخلي. جعلتني أقف طويلا بمهابة أمام الكلمة وأتعهد أمام الرب، أنني لن أنطق بعد اليوم بكلمة زائفة ما دمت حيّا. تركت الرسالة أسبوعين، لم أتجرأ على فتحها، وحين فعلت، كان شعور مختلط، شعرت ببرودة سرت في أطرافي، خدر ممزوج بأسى غريب، لحظة انكشاف الإنسان أمام ذاته، احساسه الحاد بألم الأخر وشعوره بهشاشته.
* لا تمنحوا امرأة كلمة حب ما لم تكن كلمتكم شرفًا عاليّا، ميثاقًا إلهيًا شديد الأمان، أعيدوا للحب قدسيته، وللكلمة موثوقيتها. لا أعرف مجالًا أصبحت الكلمات فيه هشة ومريبة، زائفة وتبعث الخجل، مثل الحب. لا تستثمروا مواهبكم لانتهاك قلوب النساء. كل جرح، كل كلمة أذئ، ستدفعون ضريبتها من سكينتكم الداخلية وتحتاجون وقتًا لاستعادة نظافتكم.
المغفرة أيها الرب، مغفرة وسلام، مغفرة وحب، حب لا يعرف الخيبة أو الخذلان، وشرفًا أبديًا لا يُلطخه الزمان.
-طاب مساؤكم يا رفاق.