مهاجرة  من الخيال لمهند دماج

مهاجرة من الخيال لمهند دماج

0 reviews

مهاجرة من الخيال 
 

تراءت لي فتاة في اضغاث تهويماتي، تتقفى أثري من حلم إلى أخر ، تتبعني مختبئة خلف الستار 
أي ستار كان هذا؟ 
كان الوقت هو ستارها 
كانت صورتها تلمع للحظات قليلة وسرعان ما يختفي وميضها تقابلت معها في إحدى جواثيمي، ترشح دموع مقهورة ، ترتجف في قيظ النهار، إنكفأت عليها مواسياً 
فتطوحت منها صرخة باكية، تضرمت نيران حولنا 
رمقتني بعينين باذختي الجمال توحي بخوفها، تسللت فكرة غريبة لقلبي، خُنِقتُ بدخان الحريق الذي حوطنا ما قاطع أفكاري، حملتها والكَدَر قد أغشى عيناي، فطوقتني بذراعين ناعمتين بيضاوتين، وشدتهما لتعانقني مُغرقة وجهها في صدري كطفلة خائفة من نباح الكلاب، 
أجهشت في البكاء وصرخت : إنها أمي... ستقتلني..ستقتلني. 
شعرت بدفىء تجول بين ثنايا نسيمي، وحط شيء غريب يده على قلبي، فهاج منتشياً وبدأ بالرقص
لم ألبث بثملي إلا قليلاً، ثم وثبت إلى رشدي. 
كان طيفاً أسود يوجه مسدسه نحونا، حضنتها بقوة محاولاً إخفائها كم تمنيت لو أنها تخترق صدري لأخبئها بين ضلوعي، حاولت الهرب بها لكني كنت مغلولاً، إنبجس صوت مجلجل من فوهة المسدس إخترق طبلة أذني، ثم لم أراها. 
إختفت من يدي بنوبة فزع مني، كان كابوساً مُرعباً. 
في الصباح، إنتظرتُ الليل بفارغ الصبر، لأراها في حلم جديد، لكن النهار تململ في خطواته. 
إشتعلت اللهفة في قلبي، وإتقد التوق في روحي. 
عسفت هنا وهناك، في أزقة أفكاري، في حارات أحلامي الوردية، وفي شواطىء شرودي. 
بحثتُ عنها... لم أجدها ! . 
عُدت إلى واقعي متباطىء الخطى، مطأطىء الرأس، وحاسر العينين مكدود الفكر، لبثتُ النهار بأكمله مُعيداً شريط ليلتي مرة تلو الأخرى، جنّ الظلام أخيراً، ورُشتْ النجوم على السماء، كأنها قطع من سكاكر تُحلي سوادها، وأخذ القمر مكانه في كبدها، داعبت نجمتي حتى غلبني النعاس كان النوم مَرامي، فقدتُ الوعي وصحوت لا أذكر شيئاً لم يزورني أي حلم. 
ليلة تلحقها أخواتها دون رؤيتها، لا رؤى ولا أحلام ولا حتى جواثيم أو كوابيس، لبس قلبي الشوق حتى ضربته الصبابة فمزقت ردائه وتلبسته، حينها أيقنت أني أحببتها.
هامت حروفي بها، كتبتها في أول رواية لي وفي قصائدي وشعري ونثري، كتبتها على حيطان فكري وبشعيرات رئتي، كتبتها على كوب قهوتي وجرار مائي، كتبتها ديناً وقانون، كتبتها سراً وعلانية، أغنية وتهويدة،
ثم أسلتها على أوردتي ونقشتها عروقاً لقلبي، عزفت وصفها بتآوهاتي وعويل فؤادي، آه كم أحببتها وكم أرهقتني ، إنضحت أشواك الوجد في داخلي، تردت حالتي وتهدلت دموع حبي، أحرقتْ صدري اللوعة، وأغتصب جفوني السُهاد، وتخلى عقلي عن وظيفته ليوله بها، أصبحت مهووس بعشقها، أصلي لإيجادها، أرتل الدعوات مناجياً الله ببعثها لي، وأستنجد بعقلي اللاواعي إيجادها لي.
ناداني ناي الحياة جاعلاً أياي أطوف كشبح خلفه، مر بي عبر الحقول والأودية، حلق بي بين غيوم عشقها 
ثم توقف فجأة.. فهويت ساقطاً على سخام طريق لا أعرفه، نهضت بمشقة مهزوز الرؤية، أفتح عيناي ثم أغلقهما لأستعيد وضوح نظري، كررت فعلي ثلاثاً ثم شيء قصي لفت إنتباهي، كانت فتاة تتهادى نحوي، شعرها يتدلى حتى أسفل خصرها، وعيناها تفوح منهما رائحة البُن، تأملت جسمها المتناسق يتمايل بخفة، ووجها المتبرج بإبتسامة رائعة، وشفتيها الودريتان المُذهلتين، كانت هي ... نعم هي... إنها محبوبتي... أعلنت مشاعري حالة طوارىء، وهاجت أمواج أحاسيسي، فركتُ جفني بقوة لاتأكد أنني لست بحلم، لم أكن أحلم إنها حقيقة، يا لجذلي !! رقص حينها كل جزء في داخلي وعزف قلبي لها الكمان. 
كان سبب غيابها السفر، سفرها من أحلامي لواقعي، إنها فتاة عقلي الباطن وعشق قلبي

 

الكاتب:مهند دماج

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

2

followers

1

followings

2

similar articles