بداية الحركة الصهيونية

بداية الحركة الصهيونية

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

بداية الصهيونية وأحداثها

المقدمة

تُعدّ الصهيونية واحدة من أخطر الحركات السياسية والفكرية التي عرفها العالم الحديث، إذ لم تكن مجرد حركة دينية أو دعوة ثقافية، بل مشروع استعماري توسعي اتخذ من الدين اليهودي غطاءً لتحقيق أهدافه السياسية. ظهرت الصهيونية في أوروبا في القرن التاسع عشر في ظل أزمات اجتماعية وسياسية متشابكة، واستطاعت أن تتحول من فكرة تدور في عقول بعض المفكرين إلى حركة منظمة مدعومة من القوى الكبرى، وصولاً إلى إقامة كيان استيطاني في فلسطين. ولتتضح الصورة بشكل شامل، لا بد من تتبع بدايات الصهيونية وظروف نشأتها والأحداث التي رافقت مسارها حتى تجذّرها كحقيقة سياسية واقعية في الشرق الأوسط.

الجذور الفكرية للصهيونية

اليهود في الشتات

منذ تدمير الهيكل الثاني عام 70م على يد الرومان، عاش اليهود في الشتات، متفرقين في أرجاء أوروبا وآسيا وأفريقيا. وقد حمل هذا الشتات في داخله شعوراً بالاغتراب الديني والقومي، استُخدم لاحقاً كأداة لإعادة تشكيل الهوية اليهودية حول فكرة "العودة إلى صهيون".

اللاهوت الديني وتحويله إلى مشروع سياسي

كان الانتظار الديني للمسيح المخلّص جزءاً أصيلاً من العقيدة اليهودية، لكن مع تطور الفلسفات الحديثة في أوروبا، جرى تحويل هذا البعد الديني إلى أداة سياسية. فأصبح "الرجوع إلى صهيون" ليس حدثاً دينياً سماوياً، بل مشروعاً بشرياً يمكن تحقيقه عبر التنظيم والدعم الدولي.

تأثير القوميات الأوروبية

مع صعود الحركات القومية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، بدأ بعض المثقفين اليهود يتأثرون بمفاهيم القومية والهوية والانتماء. وظهرت تساؤلات: إذا كان للألمان وطن، وللإيطاليين وطن، فلماذا لا يكون لليهود وطن قومي يجمعهم؟ من هنا بدأ التفكير السياسي المنظم للصهيونية.

image about بداية الحركة الصهيونية

بدايات الصهيونية الحديثة

من الفكرة إلى الحركة

رغم وجود أصوات سابقة تحدثت عن "العودة"، مثل الحاخام يهودا القالي (1798-1878) وموشيه هس (1812-1875)، إلا أن الصهيونية لم تتبلور كحركة سياسية إلا في أواخر القرن التاسع عشر مع ثيودور هرتزل (1860-1904).

هرتزل والأب المؤسس

يُعتبر هرتزل الشخصية الأبرز في تحويل الفكرة إلى مشروع سياسي منظم. ففي كتابه "دولة اليهود" (1896)، طرح تصوراً واضحاً لإقامة وطن قومي لليهود. لم يستند إلى دوافع دينية بحتة، بل إلى منطق سياسي: إن معاداة السامية في أوروبا لن تنتهي إلا بوجود كيان مستقل لليهود.
وفي عام 1897، عُقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية، حيث أُعلن أن هدف الصهيونية هو "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين مضمَّن في القانون العام".

المؤتمرات الصهيونية وأحداثها

المؤتمر الأول (بازل 1897)

حضره نحو 200 مندوب من مختلف أنحاء أوروبا. وُضعت "برنامج بازل" الذي أكد أن الصهيونية تسعى لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.تأسس "المنظمة الصهيونية العالمية" لتكون الإطار الجامع.


المؤتمرات اللاحقة

المؤتمر الثاني (1898) ركز على التوسع الإعلامي وتأسيس صحف صهيونية.المؤتمر الثالث (1899) ناقش قضايا الهجرة إلى فلسطين.

المؤتمرات من الرابع حتى السابع (1900-1905) شهدت جدلاً حول موقع الوطن اليهودي: هل فلسطين أم مكان آخر مثل أوغندا؟ لكن الغلبة كانت لفلسطين.
جدل "خطة أوغندا"

في عام 1903، عرضت بريطانيا على هرتزل إقامة مستوطنة لليهود في أوغندا كحل مؤقت. أثار ذلك خلافاً شديداً بين الصهاينة: البعض قبله كحل عملي، بينما رفضه آخرون لأنه خيانة لفكرة "أرض الميعاد". وبعد وفاة هرتزل، تم إسقاط المشروع والتمسك بفلسطين حصراً.

العلاقة مع القوى الاستعمارية

بريطانيا والدعم الحاسم

أدركت الصهيونية منذ بدايتها أنها لن تنجح دون دعم قوة كبرى. وجدت ضالتها في بريطانيا التي كانت تسعى لتأمين مصالحها في الشرق الأوسط. فصدر وعد بلفور عام 1917 الذي نص على "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، وهو الوعد الذي غيّر مسار القضية.

فرنسا وألمانيا وروسيا

فرنسا قدمت بعض الدعم الفكري والثقافي.

ألمانيا كانت مترددة في البداية لكنها احتضنت بعض النشاطات.

روسيا القيصرية، رغم اضطهادها لليهود، ساهمت في دفع موجات هجرة كبرى نحو فلسطين.

الهجرة والاستيطان

الهجرات الأولى (1882-1903)

عُرفت باسم "العليا الأولى"، وشهدت قدوم آلاف اليهود من روسيا ورومانيا إلى فلسطين. أسسوا مستوطنات زراعية صغيرة مثل بتاح تكفا وريشون لتسيون.

الهجرات الثانية (1904-1914)

كانت أكثر تنظيماً، وجاءت في ظل تصاعد الصهيونية. حملت أفكاراً اشتراكية-عملانية، وأسست الكيبوتسات كأنماط حياة جماعية تهدف لدمج العمل الزراعي مع بناء "اليهودي الجديد".

الهجرات اللاحقة

الثالثة (1919-1923): عقب الحرب العالمية الأولى.

الرابعة (1924-1928): شهدت موجات قادمة من بولندا.

الخامسة (1929-1939): الأكبر عدداً، خاصة مع صعود النازية في ألمانيا.

دور المؤسسات الصهيونية

الصندوق القومي اليهودي (1901)

أنشئ لشراء الأراضي في فلسطين وإعدادها للاستيطان.

الوكالة اليهودية (1929)

أصبحت الذراع التنفيذية للمشروع الصهيوني، تدير الهجرة والاستيطان وتمثل اليهود أمام سلطات الانتداب البريطاني.

الهستدروت (1920)

اتحاد نقابات العمال اليهود، هدفه تنظيم العمال وبناء اقتصاد قومي مستقل.

الأحداث المفصلية حتى قيام الدولة

وعد بلفور (1917)

كان نقطة تحول تاريخية، إذ منح الشرعية الدولية الأولى للمشروع الصهيوني.

صك الانتداب (1922)

أعطى بريطانيا شرعية إدارة فلسطين، وضمن عملياً تنفيذ وعد بلفور.

الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)

انتفاضة شعبية واسعة ضد الاستعمار البريطاني والهجرة اليهودية. ردّت بريطانيا بالقمع الشديد، بينما استفاد الصهاينة بتعزيز قواتهم العسكرية والتنظيمية.

الحرب العالمية الثانية والمحرقة

استغل الصهاينة مأساة المحرقة لتسريع مشروعهم، فازدادت الهجرات غير الشرعية وارتفع الضغط على بريطانيا والعالم لقبول قيام دولة يهودية.طئ

إعلان قيام دولة إسرائيل (1948)

في 14 مايو 1948، أعلن دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، بعد انسحاب بريطانيا وانتهاء الانتداب. وجاء الإعلان نتيجة مسار طويل من التخطيط الصهيوني والدعم الدولي، مترافقاً مع تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني فيما عُرف بالنكبة.

الخاتمة

لم تكن الصهيونية مجرد حركة دينية أو دعوة بريئة لليهود للعودة إلى "أرض الميعاد"، بل مشروع استعماري عالمي وظّف الدين والسياسة والاقتصاد لتحقيق أهدافه. منذ بداياتها الفكرية وحتى إعلان الدولة، اعتمدت الصهيونية على ثلاث ركائز أساسية: الأيديولوجيا المنظمة، الدعم الاستعماري، والاستيطان الممنهج.
وما زالت الأحداث التي رافقت نشأة الصهيونية تلقي بظلالها حتى اليوم، إذ يستمر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي كإحدى أبرز القضايا الدولية، التي جذورها تعود إلى تلك البدايات والأحداث التي شكّلت مسار الصهيونية.
 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
خلود السيد اسماعيل تقييم 4.96 من 5.
المقالات

46

متابعهم

27

متابعهم

20

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.