قصة قصيرة / بيعوك العجل يا جميل

قصة قصيرة / بيعوك العجل يا جميل

0 المراجعات

طبعا القصة لا عجل فيها! .. وإنما من باب المثل!

لكن ":معطي" مريض؟ دعواتكم له بالشفاء...؟


 

 عيناه دخلتا في محجريهما بعد ارتفاع درجة حرارته...ونزلت به في الإثر قشعريرة حادة...أسنانه تصطفق وتنقر بعضها تطلب الاغاثة...!

زَمَّلناه بعباءتين إضافيتين... وفجأة تعرق واخضر لونه ..قال لي زميلي : هذه  أمارات الموت.! هكذا صار مع جدتي رحمة الله عليها..!

هل نطلب له الاسعاف ..؟

 - لا .. إلا الاسعاف..! سيلقون علي القبض .. أنا مبحوث عني من أجل شيكات على بياض..!...

ماذا تقول؟ .. همس لي : إذا مات بين أيدينا فربما ندخل في سبن وجيم ..! 

- (ما هو فال ولا فالك! ....الحالة هتعدي  ان شاء الله وتفوت..) 

بالعمر الطويل لجميل..... ومعها زوال خفة الرأس! فهو مجنون بكل تأكيد ومن المحال أن يفيق..!

 سمع طرق قوي على الباب.!

فتحته على "عبوش" :  

- أين فلوس الكراء؟... إنه الشهر السادس وأنت تماطل وتتملص مني كالثعبان!..

ظننتها تتكلم معي وقد اخترقتني بعينيها الجاحظتين - عفوا ..هل تقصدين جميل ؟

- نعم .. أين هو؟! أناحشرت أنفها أتشمم رائحته..أنا أعلم أنه مختبىءعندكما...والتستر على مجرم جريمة..!

 - المعطي مريض ...أدخلي....

-  والله أنا محموم واحشائي تتقطع!.. 

- بالطبع ستتقطع...فأنت لا تتوقف عن شرب تلك الموبقة الخبيثة... !  ... 

صوت يقول بداخله بل أنت أم الموبقات ..!

 - إذا كنت تتماوت أو تموت حقا لا يفرق عندي شيئا.. .. أريد فلوسي .. ومت بعدها وإلى الجحيم !  ...

- كم تبقى بيننا؟ ...قلت لك للمرة المائة : لقد صرط الشباك الأوتوماتيكي بطاقتي البنكية!. وبمجرد معالجة المشكل ساأدفع لك مع علاوة عن التأخير..!

،-ستدفع ..ههههه...اضحك على ذقنك  .... بل أنا التي سادفع لأرسلك إلى زنزانة تحول بيني وبينك ..!

هذا الكلام قله لعمتك " ميروش" العمياء الزمنى التي دللتك ودلعتك حتى صرت تكذب عليها وتصدقك؛ وتسرقها وتغفر لك..! ......ولكن بلغني أنها غضبت منك كثيرا في آخر مرة ..هل صحيح أنك سرقت صُّرَّتها!.. وهل صحيح أنها قالت لك:  إذا افلحت؛ فقم  على قبري وتب..رز .!

 أغراضك البالية  لا تساوي شيئا! ..فأنت بعت كل شيء! .. ولم يتبق إلا تلك المرتبة المهترئة وذلك السرير المشخشخ.. مع قارورة غاز فارغة وبعض الأواني المدقدقة وكيسا يضم أسمالك القديمة ... احتجزتها حتى لا تهرب من الأداء ..

قلت لزميلي في أذنه : (البق ما يزهق يا عشيري!) 

- لكنك لص حاذق ومراوغ بارع...! ... جئت بالعربة والسلم في غيابي .. وتسلقت للطابق الثاني بكل جراءة معتديا على حرمة بيتي... ورميت قُشاشك من هناك؟! ... كم كنت مغفلة حينما ظننت أن تغيير مفاتيح الطابق السفلي سيحل المشكلة...!

 وبعد تدخل منا لاستعطافها " حتى لا تبلغ الشرطة .. تعهدنا أننا سنرى طريقة لمعالجة القضية بأسرع وقت ممكن.. أدارت ظهرها وراحت تخبط الأرض بحافريها وهي تتهدد عليه : سأمنحك ثلاثة أيام ولن أزيد دقيقة واحدة ..ولولا هذين الوجهين البريئين  .لكانت (ليلتك سودا) ...اتفقنا..

- قلنا بصوت واحد : اتفقنا

 حمدنا الله أنا "خفيف" وزميلي "زربان" أنها  لا تعرف عنا كثيرا من التفاصيل المزعجة والا لفركتنا مثلما يفرك الغسيل ..!.. ومرت تلك الليلة بسلام؛ ثم ليلة ثانية وقدامتثل "معطي" سريعا للشفاء.. .. .. سألناه هل ستؤدي المبلغ ل" عبوش" فاليوم آخر أجل ونحن الضامنان؛ وأنت تعلم أننا أيضا علينا ديون والتزامات..!

-  الواقع أنني غارق في الديون.! ...ولن أحتاج لأشرح لكم القصة... أرجو ان تكملا أجركما.. وأنا لن أنساكما من صالح دعواتي عندما أصبح رئيسا ...!هههههه ..في القريب، بل في القريب جدا! وقد رسم ضحكته الفريدة حتى بانت أنيابه وقواطعه ... ! 

- إذا جاءت تطلبني فقولا لها إن جميل سرقنا نحن أيضا وهرب ! ولذا فلن نكون قادرين على الوفاء بالوعد...! وفي المساء جاءت تدق الباب بقوة :

-  رددنا الجملة : المعذرة ..(إن جميل سرقنا نحن أيضا وهرب ! ولذا فلن نكون قادرين على الوفاء بالوعد...!)

- يبدو أنهم لقنكم جيدا ... طيب أعطوني نصفه..

ولا النصف

- ربعه : 

ولا الربع

قال لي زربان مهسهسا: هذا ما كنت أخشاه..( هو هرب وحنا حصلنا!)...

معطي زميل ثالث لنا في العمل من أصل خمسين زميلا .. لا يتكلم إلا قليلا .. البسمة لا تفارق محياه وهو طيب ومسالم...ولكنه مخبول بدرجة ميزة..ونقول هذا ليس تجنيا ..لكن لكم أن تحكموا..

هو سائق في المؤسسة التي نعمل بها . وكان له موعد في صباح يوم من أيام العمل مع الرئيس ليقله إلى المطار، وكان جالسا في تلك الليلة كعادته عندما يكون جيبه فارغا، يفترش ركنا في ذلك السرداب المظلم؛ يشعل شمعة؛ يفترش "هيدورة".. ثم يتربع لمحاورة القوارير المخوضة!.. ويحقق النظر فيها  بين الفينة و الأخرى ..

 أحمق والله، من يفرغ الحمق منك ويشحنه في رأسه.. وهل ينقص منك هذا شيئا؟!..بالطبع لا .. لكنه حتما يزيد..! توقف عن الشرب، ثم وقف .. أحس بدوار خفيف وبسخونة تفور من جبهته...!

- -هههه....أنت لا تثمل ولا تسقط بسهولة يا جميل ..صفع خده ليستفيق!.. ادار المحرك وتحرك.. وفي الساعة الرابعة و النصف صباحا كان في الموعد بجانب فيلا السيد الرئيس..فتح له الباب  .. صعد فاشتم رائحة تزكم الأنوف ..نظر اليه بمؤخر عينه:

 - أنت سكران يا نغل ؟ وبكل وقاحة، تحمل هذه المصيبة في سيارة الدولة .. ؟!

جميل في عالم آخر  :

 أنا حر..! .. ولكن دعني أسألك سؤالا من دون بروتوكولات، واحبني عنه بصراحة  .. أي لون تفضل أنت؟ ..البيضاء، الحمراء! ..السوداء.. أم أنك مثلي مفتوح على كل الألوان...هههه....

قال الرئيس مع نفسه : ربما تسبب هذا الأخرق في كارثة بالطريق..!

- انزل .. 

تكلم من تحت لسانه :

هل أنت خائف من حادثة؟! . ..هه!...لا تخف يا صديقي! ...الحادثة الوحيدة التي لم أنج منها رغم حذاقتي في السياقة، كانت عندما اصطدمت ب "طامو"، ولكن تبين أنها هي الأخرى كانت تبحث عن الاصطدام بي !.. فاشتبكنا (وكان اللي كان ..!) ...
 

 .والذي كان أنها صارت زوجتي،وانجبت مولودا.. سميناه " ميلود"..! لكن المسكين عاش متشظيا بيننا بعد الحروب الغبية التي دارت بيننا... إلا أنها أخذته كله مؤخرا بقوة القانون !.. وأنا اعترف بكل أسف أن بختها تعيس جدا! .... وماذا تنتظر من امرأة تجاري مجنونا غير أن تسبقه وتهرب..! المهم أن كلا منا  أخذ الآن الطريق التي تسلِّكه....!

- انزللللل أيها الخسيس.. وقد اشتعل غضبا..!

قفز من مكانه وانسل من أمامه . .. أخذ الرئيس مكانه .. تحسس برجله بعض القناني .. وجعل يحملها ويلقي بها للوراء.. وجميل يقول في داخله : على مهلك يا صديقي!.. إنها مرهفة ومن زجاج...وباردة والجو حار!...ومضى يحدثه عن العقوبات المنتظرة!.. وهو لا يدري أنه يتحدث مع غائب ...لم يسمع "جميل" شيئا من كل ذلك، وكان ساهما ساعتها يفكر في هذه الاضحوكة المسلية: 

معالي الرئيس يسوق السيارة بعون خدمة رغما عن أنفه!.. جنابه يخاف على حياته!... !!! 

من ينظر إلي الآن..لن يداخله شك أنني الرئيس،وأن الذي يجلس بجانبي يمسك المقود : السائق الخاص لسعادتي ! ..طبعا أنا سعيد جدا بهذا الشرف غير المسبوق...!

. نزل الرئيس في المطار قائلا : عندما أعود من فرنسا سيكون لي معك شأن آخر..! خذ السيارة إلى الموقف الخاص بها بالمعهد ولا تحركها من هناك...! سأهاتف الكاتب العام ليعيدك إلى العمل بالدهليز!...

- أرجوووووووووووووك يا سعادةةةةةة........!

ولا كلمة ....،!

قال في سره : عندما تعود من فرنسا؛ قد أكون أنا  فيها... وعندما تصل إليها سلم لي عليها وقل لها : إن " جميل" وراءك والزمن طويل! ..سواء اليوم أو غدا.. لا بد من العبور لتصفية الحسابات وغربلة الديون ...!

عاد من المطار مباشرة إلى تلك الحفرة ليصل الليل بالنهار ولم يعر لتعليمات رئيسه أي اهتمام : أغلق هاتفه الجوال لينعزل عن العالم وقال : أنا الآن الرئيس...!

أَمَّنَا له الطريق وانتقل في ذلك اليوم إلى سكن آخر وعمل آخر وترك فراغا في نفسينا وقد ائتلفنا غرائبه ومغامراته ... حاول الرئيس الجديد أن يراعي ظروفه ويفتح له صفحة جديدة بعد الاطلاع على ملفه : إنه يعاني من اضطرابات نفسية!.. أصدر أمره : 

خذوا بيده..! 

لكن معطي ظل وفيا لصفحاته القديمة! ..لم يكن لديه ما يخسره.. الديون تحاصره من كل جانب.. ثلثي راتبه تقتطعها الوكالات البنكية بسبب القروض التي صار مدمنا عليها .. وكان لا بد من البحث عن مصادر جديدة للتمويل بعد إفلاسه... ومع تسلم أول أجر بعد انقطاع لمدة سنتين بسبب العقوبات التأديبية، كان يعيش فيها على الشحاذة! ....حمل سيارة المصلحة..عبّأَ البنزين هذه المرة على حسابه الخاص! ..وراح في زيارة مباغتة لابنه؛ أخذه معه في جولة قصيرة وقبل توديعه قال له : 

بلغ سلامي لأمك!.. وتذكر دوما أن أباك يحبك .. ولذلك فهو لن ينساك ..ولكن احذر يا ولدي أن يبيعوك العجل مثلما بيعوه لي! ...

حاول ابنه أن بستفهم :

- من هم هؤلاء يا بابا..؟وما قصة العجل؟

هي قصة طويلة يا بني .. هو عجل عاجز ومريض.. لا ينفع لشيء..! ..عندما تكبر ستعرفهم واحدا واحدا..!

- ومتى سأكبر ..؟

 عندما تعرفهم ....!

قبله بحرارة ...لا تشغل بالك كثيرا .. أعلم أنك شبل شاطر وشجاع، وأبدا لن تقف العجول في طريقك !.... ضغط على المكبح ومضى ترافقه الدموع..!..يصل إلى الموقف؛ يركن السيارة في مكانها؛ يقفل راجعا إلى حيث لا يدري، متمايلا تتقاذفه الحيطان...! وفجأة يتعثر، ينطرح على وجهه منبطحا!.. ا تنشَدخ الزجاجة؛ لكنه ما يزال ممسكا بعنقها..! يلحس ما علق بها في رشفة واحدة وينام..!

لم يعد بعد شروق شمس ذلك اليوم في حاجة للمزيد من القناني............

_________________

بقلمي : محمد أبو الفضل سحبان

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

8

followers

9

followings

17

مقالات مشابة