قصة عشق بين عروة وعفراء
عروة وعفراء*
نشاء عروة بن حزام وعفراء بنت مالك العذريَّان معاً فتعلّق بها وأحبّها، وكان عروة يتيماً في حِجرِ عمه، فكان يسأل عمه أن يزوجه عفراء فيسّوفه،إلى أن خرجت عير لأهله إلى الشام، وخرج عروة إليها، ووفد على عمه ابن عم له من البلقاء يريد الحج، فخطبها، فزوجها إيّاه.
وأقبل عروة في عيره حتى إذا كان بتبوك نظر إلى رفقة مقبلة من نحو المدينة فيها امرأة على جمل أحمر، فقال لأصاحبه: ولله إنّها شمائل عفراء، فقالوا: ويحك ماتترك ذكر عفراء لشيء؟ قال: وجاء القوم، فلما دنوا منه وتبين الأمر يبس وبقي قائماً لايتحرّك، ولايحير كلاماً ةلا يرجع جواباً، حتى بعد القوم فذلك حيث يقول:
وأنّي لتعروني لذكراك رعدة لها بين جلدي والعظام دبيبُ
فما هو إلاّ أن أراها فجاءة فأبهت حتّى ما أكاد أجيبُ
فقلت لعرّاف اليمامة:داوني فإنّك إن أبرأتني لطبيبُ
فما من حمّى ولا مسّ جِنة ولكّن عمي الحميريّ كذوبُ
ثم إن عروة انصرف إلى أهله وأخذه البكاء والهلاس حتّى نحل، فلم يبق منه شيء فقال بعض النّاس هو مسحور وقال قوم: بل به جِنة وقال آخرون : بل موسوس، وإن الحاضر من اليمامة لطبيباً يداوي من الجنِّ، وهو أطبُّ النّاس، فلو أتيتموه، فلعل الله يشفيه، فساروا إليه من أرض بني عذرة حتى داوه فجعل يسقيه السلوان وهو يزداد سقما، فقال عروة: هل عندك للحبِّ دواء أو رقية؟ فقال: لا ولله فانصرفوا حتّى مروا بطبيب بحجر فعالجه وصنع به مثل ذلك، فقال عروة: والله مادائي إلا شخص بالبلقاء مقيم، فهو دائي، وعنده دوائي.
فانصرفوا به، فأنشأ يقول عند انصرافهم به:
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه وعرّاف حجر إن هما شفياني
فقالا: نعم نشفي من الداء كلّه وقاما مع العوّاد يبتدران
فما تركا من رقية يعلمانها ولاسلوة الاّ وقد سقياني
فقالا: شفاك الله والله مالنا بما ضمّنت منك الضلوع يدان
فلما قدم على أهله، وكان له أخوات أربع ووالدة وخالة، فمرض فقال لهن يوما: اعلمن أني لو نظرت إلى عفراء نظرة ذهب وجعي، فذهبن به حتى نزلوا بالبلقاء مستخفين، فكان لايزال يلمُّ بعفراء، وينظر إليها، وكانت عند رجل كريم سيد كثير المال.
فبينما عروة يوما بسوق البلقاء، إذ لقيه رجل من من بني عذرة فسأله عن حاله ومقدمه، فأخبره. قال: والله لقد سمعت أنّك مريض، وأراك قد صححت، فلما أمسى الرجل دخل على زوج عفراء، فقال: متى قدم عليكم هذا الذي فضحكم؟ فقال زوج عفراء: ومن هو؟ قال: أوقد قدم ؟ قال: نعم، قال: ما علمت بقدومه، ولو بقدومه لضممته إليّ.
فلما أصبح غداً يستدل عليه حتى جاءه، فقال: قدمت هذا البلد ولم تنزل بنا ولم ترا أن تعلمنا بمكانك فيكون منزلكم عندنا وعليّ إن كان لكم منزل إلّا عندي، قال: نعم نتحول إليك الليلة، أو في غد، فلمّا ولى قال عروة لأهله: قد كان ماترون وان انتم لم تخرجوا معي لأربكن رأسي ولألحقّن بقومكم فليس علي بأس، فارتحلوا وركبوا طريقهم ونكس عروة ولم يزل مدنفا، حتى نزلوا بوادي القرى فأدركته المنية، ودفن فيه.
ولما بلغت عفراء وفاة عروة قالت لزوجها : قد كان من أمر هذا الرجل مابلغك ووالله ماكان ذلك ألا على الحسن الجميل وأنّه قد بلغني أنه مات في أرض غربة، فأن رأيت أن تأذن لي فأخرج في نسوة من قومي فيندبنه ويبكين عليه، فأذن لها وخرجت وقالت ترثي:
ألا أيّها الركب المخبون ويحكم بحقّ نعيتم عروة بن حزام .
فلا هنئ الفتيان بعدك غارة ولا رجعوا من غيبة بسلام.
ولم تزل تردّد هذه الأبيات وتبكي حتى ماتت ودفنت إلى جانبه.