من حطام الإمبراطورية عن المؤلف بانكاج ميشرا

من حطام الإمبراطورية عن المؤلف بانكاج ميشرا

0 المراجعات

#لمن #ينصح #بهذا #الكتاب  ؟
• للمهتمين بالسياسة و بالنضال  ضد الاستعمار.
• للمهتمين بالتاريخ  و خاصة تاريخ القارة الآسيوية.
• للمهتمين بالجغرافيا و كيفية نشوء دول آسيوية. 

#عن_الكتاب 
"من حطام الإمبراطورية 2017م " , يتطرق الكتاب إلى الدور الذي لعبه مثقفون في مواجهة الاستعمار الغربي ,و إعادة تشكيل بعض الدول الآسيوية.  و يسلط الكتاب الضوء على حقبة تاريخية قلما الحديث  عنها   و هي فترة الاستعمار التي سبقت ظهور الثروات ضده . 

#عن_المؤلف 
"بانكاج ميشرا  " من مواليد عام 1969 م ؛ هو كاتب و روائي هندي , حصل في عام 2014 م على جائزة  "ويندهام كامبيل " عن فئة الكتب الواقعية .له العديد من المؤلفات . يكتب في صحف و مجلات عدة ؛ مثل صحيفة  "الغارديان البريطانية " و مجلة "نيويوركر  الأمريكية " .

•المقدمة 

من أنقاض الحرب العتيّة ولد الانتصار الأوّل منذ العصور الوسطى، في معركةٍ طاحنةٍ وقعت في مياه مضيق تسوشيما، المعركة الّتي دارت بين الإمبراطوريتين الرّوسيّة واليابانيّة آنذاك، انتهت بهزيمة روسيا وتحطيم صورة الإمبرياليّة الغربيّة في عام 1905م (ألفٍ وتسعمئةٍ وخمسة). بعد إعلان انتصار اليابان على روسيا، تنامى الأمل في نفوس المضطهدين في جميع أنحاء الدّول الآسيويّة والعالم الإسلاميّ، وأخذوا بالتّفكير في طرقٍ شتّى للتّخلّص من سطوة الاستعمار الأوروبيّ وفوقيّة الرّجل الأبيض، والنّهوض بمجتمعاتهم الّتي كانت غارقةً بأزماتٍ عدّةٍ؛ فتنامت الحركات السّياسيّة والثّوريّة المطالبة بإصلاحاتٍ جديدةٍ، وظهرت نخبةٌ من الثّوريين المتأثّرين بهذه الانتصارات، والّذين سعوا لتحديد معالم المرحلة المعاصرة الّتي رغبوا أن تشهدها بلادهم، ولعلّ أكثر ما ميّزهم ليس قيادة ثورتهم باستخدام الدّين والثّروة؛ بل جاؤوا من خلفيّاتٍ وأعراقٍ وطبقاتٍ اجتماعيّةٍ مختلفةٍ؛ فما كان يجمعهم هو اتّفاقهم على شيءٍ واحد؛ أنّهم جميعًا قد عانوا من وطأة الظّلم والاستعمار الغربيّ. ولكن في تلك المرحلة، من منهم لعب الدّور الأبرز في إعادة تشكيل آسيا الحديثة عن طريق تبنّي استراتيجيّات وأسرار القوى الغربيّة؟ 

•تفوق الاستعمار الغربي 

اتّضح من خلال السّيرة الذّاتيّة لأبرز المفكّرين في القرنين التّاسع عشر والعشرين، أنّ التّفوّق التّكنولوجيّ والنّظامّ العسكريّ والاقتصاديّ، كانوا من أهمّ الأمور الّتي وقفت خلف نجاح غزوات الاستعمار الأوروبيّ لدول آسيا والشّرق الأوسط، كما أنّ النّظام الاستخباراتيّ النّاجح المتمثّل بنظام جمع المعلومات، بالإضافة إلى القدرة على القتال والسّيطرة؛ سهّل للقوى العظمى من أمثال بريطانيا وفرنسا احتلال واستغلال نظرائهم المستضعفين، مثل: الصّين، والهند، ومصر، وتركيا، وغيرها.

هذه التّحديّات الّتي واجهتها الدّول الآسيويّة كانت تحديّاتٍ جيوسياسيّةً ووجوديّةً في آنٍ واحد؛ حيث أنّ الطّريقة الوحيدة للنّجاة في تلك العصور من وحشيّة الاستعمار الأوروبيّ هي مقاومة الطّبقات الحاكمة المستبدّة، والّتي شكّلت عمودًا مساندًا لتفشي الاستعمار بكلّ أشكاله، وتبنّي الأفكار الغربية في محاولةٍ لتطوير المجتمع مع الحفاظ على تقاليده وهويّته الدّينيّة، وعدم الانزلاق إلى التّقليد الأعمى للغرب، وهو الأمر الّذي قام به المثقّفون أمثال جمال الدّين الأفغانيّ، وليانغ تشي تشاو، وروبندرونات طاغور وغيرهم، وقام أتباع مذهب التّجديد من المسلمين بالمثل حين أعلنوا تأيّيدهم لاستعارة الأفكار النّيّرة والمفيدة من المجتمع الأوروبيّ، والمنتشرة في حقول العلم والسّياسة والثّقافة، مؤكّدين أنّ القرآن الكريم يتوافق مع كلّ وقتٍ وزمان. كما أثبت تبنّي المفكرين الآسيويين للتّقنيات والأساليب الغربية بشكلٍ أو بآخر الهيمنة الغربيّة على مناحي حياة الإنسان في العصر الحديث. 

•من هو جمال الدّين الأفغاني  ؟

يعتبر جمال الدّين الأفغانيّ أحد أهمّ المفكّرين والنّشطاء السّياسيين لما له من تأثيرٍ في أعظم وأوّل التّمرّدات الفكريّة ضدّ الإمبرياليّة الغربيّة.

يصفه الأيرانيون بعرّاب الثّورة الإسلاميّة، بدأت رحلته كمستشارٍ لحاكم إمارة أفغانستان، وكان هذا الحاكم غارقًا في نزاعٍ أهليٍّ مع أخيه شير علي خان. في ذلك الوقت كان الأفغانيّ يؤكد مرارًا وتكرارا كراهيّته للاستعمار الغربيّ؛ خاصّةً بريطانيا، وهو الأمر الّذي دفعه إلى تقديم النّصيحة للأمير بمساندة الرّوس ضدّ البريطانين في ما كان يسمّى بـ"اللّعبة الكبرى"؛ والّتي كانت ترمز إلى الصّراع السّياسيّ والاجتماعيّ بين الإمبراطوريتين الرّوسيّة والبريطانيّة في القرن التّاسع عشر والتي كانت تتصارع من أجل السّيطرة على آسيا الوسطى، لكن سرعان ما تبدّدت أحلامه بانتصار شير علي خان على أخيه وتولّي مقاليد الحكم؛ وذلك لأنّ شير علي كان حليفًا للبريطانيين في تلك الفترة.

سجن الأفغانيّ في كابول إلى أن تمّ ترحيله لاحقًا، كانت هذه المعاناة واحدة من عدّة انتكاساتٍ عاناها الأفغاني خلال رحلته في بلاد العرب والفرس، وكانت هذه الأحداث بداية التكهنات التي دارت حول شخصية الأفغانيّ لفترةٍ طويلةٍ، حيث كان يعتقد أهل السّنّة بأنّه شيعيّ، وكان يصفه البريطانيون بأنّه عميلٌ روسي، وآخرون وصفوه بالوهّابيّ، في حين كان الأفغانيّ حقيقةً شيعيًّا مولودًا في أسد آباد في أفغانستان، وتلقّى تعليمه في معابد طهران الدّينيّة ومن ثمّ الهند، الأمر الّذي منحه تعليمًا يوفّق بين الأمور العقلانيّة والدّينيّة ويدعو إلى التّغيير والإصلاح في تلك الفترة.

أكسبه ترحاله الدائم خبرات ومهاراتٍ جمّةً، وإمكانيّات تعلّم استراتيجيّاتٍ ساعدت المجتمعات المهمّشة -وخاصّةً المسلمة منها- على التّغيير وعلى القيام بإصلاحاتٍ متعددةٍ ومقاومة الاستعمار بكافّة الصور المتاحة، حيث دفعت كتاباته تلك الشعوب للاستيقاظ من الخمول والرّجعيّة والتّخلّف والتفكير بالمستقبل.

•فكر جمال الدّين الأفغاني  

كان الأفغانيّ يؤمن بأنّ القرآن الكريم يحتوي على كلّ القيم الّتي تساعد المجتمعات على تحقيق العدالة والحريّة والمساواة، وهي نفس القيم الّتي تبنّاها القادة العثمانيون من الغرب في ذلك الوقت،  ولكنّهم تبنّوها بشكلٍ أعمى دون الحفاظ على هويّتهم الدّينيّة وعاداتهم وتقاليدهم؛ ممّا أدّى إلى اتّساع الهوّة بين الطّبقة الحاكمة والنّخبة الدّينيّة والجموع؛ الأمر الّذي نتج عنه حالةٌ من الاضطراب والظّلم لهذه الطّبقات.

آمن الأفغانيّ بضرورة وجود صحوةٍ عقلانيّةٍ للّحاق بالغرب ومنافستهم، وشكّلت قدرته على إتقان الحديث عن ضرورة تبنّي أفكارٍ وإمكانيّاتٍ جديدةٍ مستمدّةٍ من الغرب، وهي الأفكار الّتي كانت الطّبقات المهمّشة تخافها لما خلّفته من تداعياتٍ سلبيّةٍ عليهم من إقناعهم بها والاستماع له؛ حيث أنّ استخدامه لمصطلحاتٍ إسلاميّةٍ وقدرته على استخدام وتفسير النّصوص القرآنيّة بما يتناسب مع الحضارة والتّجديد؛ جعل خطابه جاذبًا لعامّة الشّعوب، الأمر الّذي ألحق به انتقاداتٍ وهجوماً كبيراً من العلماء المسلمين في مصر والدّولة العثمانيّة. 

في بدايته، كان معارضًا شديدًا لmلتّعصّب الدّينيّ والاستبداد السّياسيّ، والّذي شكّل أحد أكبر المسبّبات في رجعيّة الشّعوب، ومن ثمّ إثارة سخطهم على الطّبقة الحاكمة الّتي قامت باستنزاف طاقاتهم من أجل إرضاء المستعمر الأوروبيّ، وتجلّى ذلك خلال عهد الخديوي إسماعيل في مصر وأفراد الطّبقة الحاكمة في الدّولة العثمانيّة وغيرها. بقي الأفغاني مؤيّدًا للأفكار اللّيبراليّة حتى خروجه من مصر، ولم تتضاءل كراهيّته للإمبراطوريّة البريطانيّة، حتى أنّه بدأ يؤيّد النّضال المسلّح والجهاد والوحدة الإسلاميّة ضدّ الغرب في سنوات عمره الأخيرة. وأدرك باكرًا جدًّا أنّ سبب نجاح الغرب في الهيمنة على دول المشرق ليس القوّة العسكريّة فقط، وإنّما الاحتلال الثّقافيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، معترفًا بفشله لإقناع الحكّام المسلمين بالاستماع إلى تحذيراته بشأن التّعامل مع القوى الغربيّة.

•ليانغ تشي تشاو 

شعرت الصّين بالحاجة للانتقال إلى طور الحداثة بعد انتكاساتٍ شتّى عانتها على يد المستعمرين الغربيين وجارتها اليابان في حربها معها للسّيطرة على كوريا، والّتي انتهت بانتصار اليابان واستيلائها على جزءٍ من برّ الصّين الرّئيسيّ عام 1895م (ألفٍ وثمانمئةٍ وخمسةٍ وتسعين)، وعلى الرّغم من إعادة الأرض لاحقًا إلى الصّين تحت ضغطٍ غربيٍّ، وهو الأمر الذّي تسبّب بغضب اليابانيين، إلّا أنّه لم يواس الصّينيين ولم يحلّ الأزمات الّتي كانوا يعيشونها.

نتيجةً لذلك؛ أصبحت هناك حاجةٌ ملّحةٌ للنّهوض بالمجتمع الصّيني وتطويره، فظهر أحد أبرز مثقّفي الصّين ليانغ تشي تشاو الّذي ترك بصمةً مؤثّرةً استمرّت لأجيالٍ عدّةٍ، تأثّرت بأفكاره مثل المفكّر ماو زيدونغ. قام تشي تشاو بزيارته الأولى إلى الولايات المتحدة وكندا في محاولةٍ لدراسة الأسرار الّتي سهّلت للغرب السّيطرة على الوسائل التّجاريّة والتّفوّق العسكريّ على الدّول الآسيويّة، ليتفاجأ في ما بعد بالهرميّة والعنصريّة والفساد المتوغّل في العالم الجديد ضدّ الأمريكان الأفارقة والصّينيين والهنود الحمر، وممّا خيّب أمله أنّ النّموذج الغربي هو نموذجٌ ديمقراطيٌّ مزيّفٌ لا يصلح تطبيقه في المجتمع الصّينيّ، ورأى تشي تشاو أنّه لا بأس في أن تبقى الصّين خاضعةً لفترةٍ تحت الحكم الاستبداديّ إلى أن تكون جاهزةً في المستقبل للحريّة والدّيموقراطيّة الّتي قد تخلق حالةً من الفوضى لو تمّ تطبيقها في الوقت الرّاهن آنذاك.

بمعنى آخر؛ دعا تشي تشاو إلى تحقيق التّماسك والوحدة المجتمعيّة، والنّهوض بالصّين صناعيًّا وتجاريًّا قبل كلّ شيءٍ، ومن خلال الاقتداء ببعض القيم الغربيّة مع الحفاظ على الكونفوشيوسيّة؛ وهي نظام التّعاليم الفلسفيّة والأخلاقيّة الّتي حكمت المجتمع الصّيني آنذاك.

•روبندرونات طاغور 

لم تختلف التّحديّات الّتي واجهها روبندرونات طاغور كثيرًا عن تلك الّتي مرّت على جمال الدّين الأفغانيّ وتشي تشاو. كان الشّاعر البنغاليّ يتساءل هل يجب على الدّول الآسيويّة أن تقتدي باليابان الحديثة، والّتي كانت تعدّ مثالًا عظيمًا للدّول الآسيويّة.

أدرك طاغور لاحقًا أنّ اليابان ما هي إلّا قوّةٌ آسيويّةٌ بنكهةٍ غربيّةٍ، حيث أصبحت دولةً استعماريّةً طاغية، وتتغذّى قوّتها بالسّيطرة على جيرانها، مثل: الصّين وكوريا، وهذا هو سبب صعودها على المسرح العالميّ، ومنافستها الدّول الغربيّة؛ بتبنيها سياساتٍ استعماريّةٍ توسعيّةٍ تعزّز من قوّتها وغرقها في مستنقع الحضارة الغربيّة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ ترحال طاغور وحصوله على جائزة نوبل للأدب عام 1913م (ألفٍ وتسعمئةٍ وثلاثة عشر) منحه الفرصة للصّعود على منصّةٍ عالميّةٍ؛ ليكون أحد أبرز الشّخصيّات الهنديّة، وصوتًا لمن لا صوت له في الشّرق. وكما الأفغانيّ، كان طاغور رجلًا بائسًا في سنوات حياته الأخيرة، ومدركًا أنّ اليابان الّتي منحته الأمل بالوحدة الآسيويّة ما هي إلّا عملةٌ جديدةٌ على قائمة الدّول الاستعماريّة. 

•إقتباس 

"إنّ الجماهير لا تحبّ المنطق، والّذي لا يفهم تعاليمه سوى عددٍ قليلٍ من العقول المختارة. العلم، مهما كان جيّدًا، لا يمكن أن يرضي تمامًا تعطّش البشريّة لما هو أفضل، أو لرّغبة السّموّ في المناطق المظلمة والبعيدة الّتي لا يستطيع الفلاسفة والعلماء رؤيتها أو استكشافها." 

•الخاتمة  

لا شكّ أنّ دول المّشرق لم تكن ثكنةً حاضنةً للتّخلّف والرّجعيّة والجهل؛ بل احتوت على نخبةٍ مثقّفةٍ كبيرةٍ ومتعدّدة الانتماءات حاولت بصورةٍ أو بأخرى أن تحدث تغييرًا جذريًّا يخرج سكّانها إلى النّور والحداثة، دون الانصياع خلف التّقليد الأعمى للدّول الاستعماريّة، ودون الإطاحة بالقيم والحضارات الخاصّة بها في سبيل الحداثة. هؤلاء النّخبة وعلى الرّغم من كلّ الانتكاسات والمحاولات الفاشلة للإصلاح والتّغيير تركوا خلفهم إرثًا يحتذى به للأجيال القادمة، وأظهروا عدم تشبّثهم بمعتقداتهم وأفكارهم بشكلٍ متحجّرٍ يجعلها غير قابلةٍ للتّغيير، على العكس، أثبتوا انفتاحهم على العالم وعلى الإمكانيّات والفرص الجديدة الّتي قد يجلبها، وطوّروا من خبراتهم ومهاراتهم ومعرفتهم، من خلال ترحالهم وتعرّضهم إلى ثقافاتٍ وأفكارٍ جديدةٍ ومتنوّعةٍ. بالتّأكيد لا ننفي أنّ بعض الرّحلات كانت تحمل الألم وفقدان الأمل، إلّا أنّ إصرارهم على ضرورة تحقيق سيادةٍ واستقلالٍ ذاتيٍّ لبلادهم من خلال صحوةٍ فكريّةٍ لا تجعل منهم دمىً يحرّكها الغرب، كان فوق كلّ شيءٍ وسيكون للأبد الهدف الأسمى الّذي يسير نحوه المفكّرون أمثال الأفغانيّ، وروبندرونات طاغور، وتشي تشاو. 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

8

متابعين

11

متابعهم

1

مقالات مشابة