قصة ثأر النسوان

قصة ثأر النسوان

0 المراجعات

حكاية  ثأر النّسوان

من  قصص بلاد الصعيد

فرحة لم تكتمل (حلقة 1 )

كنت عايشة في بيت أبوي يدلّلني ويجيبلي أحسن أكل،وهدوم، لكن أيّام العز لم تدم، وومرض الشيخ عثمان ،ومات وبعد مدة لحقت أمي من الحزن عليه ،وكان أخي الكبير شعبان متزوج ،وساكن مع مراتو وعيالو ،وماخذين غرفتين وتركوا لي غرفة أنام فيها

 

 

 ،وكنت أخدم فيهم بلقمتي ،وياريت ألاقيها ..علشان زوجة اخويا كانت قاسية ومفترية..و تحتفظ بالاكل لولادها ولنفسها و،انا آكل باقي الاكل بتاعهم، ده لو فضل حاجة أصلا، و كنت دايما أحمد ربنا علي كل حال

 

 

 ،لكن زوجة اخويا كانت ديما تشتكي باني أضايقها هي وأولادها ،ومش تعرف تاخذ راحتها بسببي .رغم أنه عندي أيضا الحق في الييت، أحيانا كنت أبكي ،واشتكي لربنا يخلصني من ذل زوجة اخويا لغاية ما جه الوقت ،وربنا استجاب لدعائي.وافتكرت أن أيام الحزن هتروح .

 

 

بس الاول أعرفكم بنفسي، انا اسمي نعيمة بنت في غاية الجمال، حاصلة علي دبلوم خياطة و أعيش في قرية نجع العيساوية وهي تابعة أسيوط ،و دلوقتي بقي هكمل حكايتي: أحد الليالي لقيت اخويا جاي بيبشرّني بأنو جاني

 

 

 عريس، ولمّا زوجتة سالته عن العريس، وبيشتغل ايه ،قال..انّو ابن عباس فرغلي، طبعا هي مكانتش مصدّقة أن الرّاجل ده يسيب بنات الحسب والنسب في الحيّ، ويجي لنعيمة البنت اليتيمة ،وكل الناس تعرف أنّ فرغلي  عنده مئات الفدادين من الأرض ، وقطعان

 

 البقر،ومصنع نسيج، وكمان الفلوس في البنوك ،يعني من الاخر عنده ثروة كبيرة ،وهيورث كل ده اولاده الثلاثة الذكور ،اصله هو معندوش غيرهم ، اتنين منهم

 

 

 متزوجين ،والثالث هو العريس ،سألت أخويا : العريس جاي إمت ؟ أجابني : بكرة  وعايزك من دون البنات ،  كنت حأطير من الفرحة ،واخذت اجهز نفسي ،واستعد لمقابلة العريس، قمت باستلاف فستان من احدي بنات الجيران ،وادوات مكياج ، لبست ،الفستان وكان على مقاسي ،وتزيّنت ، كنت حلوة إلى درجة  أنّ إمرأة أخي مش راضية تكلمني . 

في المساء حضر ابو العريس ،ومعه اثنين من ابنائه، فاسترقت صديقتي البصر من خلف الباب ، وقالت : الله يا بنت، عريسك زي القمر !!! قلت..يا سلام  ياختي ،يعني

 

 

 كنتي عرفتي هو مين فيهم عريسي ؟ وشوية اخويا دخل عليّا ،وطلب مني اجي علشان اقدم الشاي لابو العريس وأولاده، وبالفعل ذهبت علي استحياء ،ونظرت في خجل ،وشاهدت الاخوين شكلهم وسيم ،لكن ما عرفت مين هو العريس. المهم وضعت الصينية على الترابيزة،

 

 

 وتأملني الحاج عبّاس ،وقال :ما شاء الله عليك يا عروستنا ،ودسّ رزمة جنيهات  كبيرة في جيبي، وده معناه اني عجبتو ،وبعدها خرجت ،وانا الفرحة مش سيعاني..وزادت فرحتي لما سمعت ان ابو العريس يقرأ الفاتحة بتاعتي مع اخويا  .وعلت الزغاريد. والبلد كلها كانت بتتكلم على خطوبتي  لعائلة فرغلي المهم خلصت الليلة ،وكلّ الناس راحت ..وانا لسّة معرفتش مين هو العريس، والحاج  فرغلي ما قال شيئ ،

 

 

ولما سالني اخويا عن رايي ،سكت ،ولم انطق بكلمة، ولكن إمرأة اخي قالت له :بجرأة :هي كانت عرفت مين العريس علشان تسالها عن رايها ؟ فردّ عليها: المهم أن أبوه  أغنى رجل في البلد!!!  قالت: أيوه ،يعني الزواج فلوس ،وبس ؟مين هو فيهم الي كان علي اليمين وإلا الي علي للشمال ؟ قال لها. إنت غلطانة  ،العريس مجاش أصلا!!! صاحت..انت بتقول ايه ياراجل ؟ يعني ايه العريس مجاش؟  رد ّ: اصل ابوه بيقول ان العريس

 

 

 تعبان شوية ،لما سمعت ذلك الكلام ،عرفت ساعتها ليه الراجل الغني جه يخطبني لابنه،و قلت: اكيد العريس ما يقدرش يتحرّك ، واخذت اقول في نفسي اكيد دول كانوا محتاجين لابنهم شغالة، وممرضة ،وابوه فكر يجيبلو

 

 

 عروسة تخدمو ، وبعد ما كنت فرحانة وقلبي هيقف من الفرحة ،انكسر خاطري ،ونمت ليلتها حزينة ومقهورة علي حالي..لكن انا ساعتها فكرت أوافق علية حتى ولو كان  العريس في كرسي متحرّك علشان اخلص من ذل زوجة اخويا،والحرمان الي انا عايشة فيه طول عمري ،وعلي راي المثل:  ما رماك علي المر غير الي امرّ منو..

 

 

حكاية  ثأر النسوان

من  قصص بلاد الصعيد

رجل ليس كبقية الرجال (حلقة 2 )

بعد اسبوعين كان نفس الرّجل الحاج فرغلي وولديه  بدوي، وهمّام عندنا في البيت من جديد، وهذه المرّة ،تكلّموا عن تفاصيل الزّواج مع أخي  الذي شرح لهم ضعف حاله ،فقالوا له : لا تشغل بالك  يا شعبان، فنحن

 

 سنتكفّل بكلّ شيئ ،وسيكون العرس يوم الخميس القادم ،فخير البرّ عاجله !!! طبعا انا جمعت ملابسي ، وانا أشعر بالخجل فليس لي حتى قميص نوم  جديد ألبسه  أمام عريسي ،وطبعا إمرأة أخي لم ترض أن يصرفوا عليّ جنيها واحدا رغم أنّ أبي ترك لنا قطعة أرض فيها

 

 الزيتون، المهم يوم الخميس جاء الحاج فرغلي وأركبني سيارة إلى داره وكانت كبيرة تشبه القصر،ودخلت  وأنا مکسورة الخاطر ،وراسي في  الارض لأني لم آتي بجهازي كبقية البنات ..والأكثر من ذلك ذهبت وحيدة دون

 

 العريس ، وأنا لحدّ الآن لا أعرفه ولم يحاول أحد من أهله أن يحدثني عنه ،وبقيت أقنع نفسي أنّه ربّما يكون مريضا ،أو عاجزا عن الحركة ،لم أتصوّر وجود سبب آخر .

المهمّ كان الإستقبال حسنا، وكان الحاضرون يغنّون ويرقصون على أنغام الطبلة والمزمار ،وانا جالسة وسطهم بفستان الفرح الذي أهداه لي أبو

 

 العريس.والحقيقة لم يقصّر معي في شيئ ،وبالغ في دلالي ،فنسيت ما ألمّ بي من حزن ،وإنبسطت نفسي ،وبعد ذلك حضر الماذون ،وجاء الحاج فرغلي مع إبنه، رفعت عينيّ ببطئ لأنظر للعريس، و استغربت كثيرا لمّا وجدته طويل القامة ،ووسيما  ،لكن لاحظت انه عابس الوجه ،وكانّه مغصوب علي هذا الزّواج ،فقلت في نفسي: بسيطة، سأعرف كيف أجعله يحبّني، فأنا جميلة وممشوقة القدّ ،وبعد عقد القران ،تعشّينا ،ودارت

 

 

 أكواب الشّاي والحلوى، وكنت أرمق زوجي بطرف عيني ،فلم يبد منه أيّ إشارة أو نظرة ،كأنّي لست موجودة ،وبعد أن إنتهت السّهرة ،أمسكني الحاج من يدي،  وأوصلني  لغرفتي  في الدور العلوي ، وهمس لي: إسمعي هناك ملابس جديدة لك في الدولاب ،وعلبة ماكياج، وعطور ،ثم تركني وذهب .

 

 

لمّا دخلت ،كان كلّ شيئ مرتّبا ،فجلست على الفراش لأستريح ، لكن في تلك اللحظة دخل زوجي وهو متجهم ، وقال لي بحدة :إبتعدي عن فراشي يا بنت !!! ثم وضع البيجاما ،وانزلق تحت الغطاء ،ولما سألته وأين سأنام هذه الليلة؟ أشار لي إلى المقعد ،وقال لي: لا أريد أن أسمع صوتك !!!ولم اصدّق نفسي إلا عندما رأيته يغمض عينيه ،ويروح في نوم عميق ،لقيت نفسي واقفة  بفستاني،

 

 ولست أعرف أين سأنام هذه الليلة ،ولماذا هذا الملعون يتصرّف معي هكذا ليلة عرسي؟ واخذت انظر الي المرآة،وأتسائل :هل إحتقرني لأنّه ليس لي أب أو أم  يرفعون قدري أمامه؟ أم أنّه علم بفقري ،وأنّني أتيته

 

 بحقيبة ملابس قديمة ؟ ثمّ خلعت الفستان الذي لم أفرح به ،ولبست قميص النوم الذي كان على طرف السرير و إنكمشت في أحد الأركان وراسي علي الجدار، وبدأت أرتجف من البرد  .وقلت :اللعنة ، هذا الزواج فاشل من يومه الأوّل يا نعيمة .

ثم أطفأت النور ،واخذت انظر لذلك العريس الذي كتبة عليّ القدر، وهو يتمرغ علي سرير دافئ وأنا هنا على الأرض،ثم اغمضت عينيّ ،ولم أصح إلا لما سمعت صوت ضربات علي باب الغرفة،  فنهضت سريعا ،وقمت اسرح

 

 شعري ،وارتديت روبا علي قميصي، وعندما فتحت الباب وجدت سلفاتي واقفات علي الباب  وقلن صباحية مباركة يا عروسة ،ثمّ مدّت لي إحداهنّ صينية ،وقالت : أنا ليلى إمراة بدوي أخو زوجك ،هل لا يزال نائما ؟ وبعد ان إنصرفت النّسوان، أغلقت الباب. ووضعت الصينية على منضدة صغيرة ، ،وبقيت أنتظر زوجي 

ولمّا  قام ،توقّعت ان يتكلم معي ويقول ولو كلمة واحدة ،ولكنة راح للحمّام دون الإلتفات لي لي، وكأني غير

 

 

 موجودة، ولمّا خرج قلت له بدلال : تفضل نفطر مع بعض ، لكنه  نهرني وقال:..اسمعي..لا أريد أن آكل آكل معاك ، ولا تقتربي من السرير الذي أنام فيه،  ولا تجلسي في المكان الذي أجلس فيه!!! حملقت فيه ،وانا

 

 

 ارتجف..وعيناي تغرقهما الدموع، وأجبته: حاضر ،بعد ذلك أمسك ذراعي بعنف ، وقال :أعلمك يا بنت النّاس ان هذا الحال معي إن أعجبك ذلك ،فابقي معي، وإلا اذهبي مع السّلامة،ولا تريني وجهك!!!.وقفت دون ان انطق بكلمة واحدة.. وبعد ذلك هدأ قليلا ،وطلب مني أن أرتدي شيئا ،وأن أخرج لمساعدة أمّه في شغل البيت ،ثم صاح :هيّا  امش من قدّامي ،رديّت : حاضر يا بيه ،وبالفعل بدّلت ملابسي، وخرجت اندب حظي السيئ وانعي حالي..

 

 

حكاية ثأر النسوان

من قصص بلاد الصعيد

الأمور تتحسّن مع همّام  (حلقة 3  )

بذلت نعيمة كلّ جهدها لتبدو الدّار لائقة ،وأتعبت نفسها لترضي حماتها وإخوات زوجها همّام ،لدرجة أنّ الحاج فرغلي قال لها :لا تفسدي زينتك يا عروسة ،إرجعي لغرفتك ،فلا زلت في يومك الأوّل !!! تردّدت الفتاة فهي تعرف شدّة غضب زوجها لو رآها في الغرفة ،لكن الرّجل

 شجّعها بنظرة من عينيه ،وقال لها: إحتمليه من أجلي ،فهو ليس سيّئا ،وما هي أيّام، ولن يقدر على الإبتعاد عنك !!! وقبل أن تدخل غرفتها أخذت نفسا عميقا ،ثم دخلت، فرأته جالسا أمام المنضدة ،يترشّف فنجان شاي دون أن يلمس الإفطار ،فتصنّعت الرّقة ،وقالت له:

 

 سأعدّ لك شيئا يعجبك !!! ثم طبعت قبلة على خدّه ،فبقي مندهشا من جرأتها ،رغم الشّتم والسّب الذي سمعته ،أما هي فأخذت الصّينية التي فيها عيش وعسل وبيض،ووضعتها في المطبخ، ثمّ نزلت إلى أحد أركان الحديقة الواسعة، وجمعت بعض الأغصان الجافّة،

 

 وأشعلت النّار وأعدّت خبز القمح ،وآنية فول وباذنجان، ثم صعدت إلى غرفتها بسرعة لكي يبقى الطعام ساخنا ثم وضعت الصّينيية أمام همام الذي كان متكئا على الفراش يقرأ صحيفة ،ويستمع للراديو وقالت له :ان شاء الله تكون تحبّ الأكل البلدي !!! كانت السّاعة تشير لمنتصف

 

 

 النهار إلا ربع ،ولمّا رآها أدار وجهه ،لكنّها جلست وراءه ،ومسدت رقبته ،وكتفيه ،فأحسّ بالإسترخاء ،وفي النّهاية إلتفت إليها ،ورمقها بشراسة ،ثم قال لها :لماذا لم تطلبي الطلاق مثلما فعلت كل من سبقك ؟

تعجّبت نعيمة من السّؤال ،ودون أن تفكّر ،وجدت نفسها تقول: ليس لي غيرك، أبواي قد ماتا، وأخي لا يريدني معه ،إعمل معروف، واتركني أعيش معك، على الأقل هنا أشبع ،ولا أتعرّى !!! أعدك أن أنام على حصيرة، ولا أقلق راحتك ،تحمّلني فقط في الليل ،ولما يأتي النهار

 

 

 ،سأساعد أمّك ،أليس أحسن من أن تأتوا بشغّالة  ؟ ثم بدأت تبكي ،نظر إليها همّام ،وقال: لا أحبّ أن أرى دموعك ،هيّا أريني ماذا طبخت لنا !!! ولما تذوق الطعام أعجبه فهو بقي على أصله يحبّ الرّيف،ولم يتغير مثل إخوته

 

 

 الذين راقت لهم حياة المدينة  ،أحس همام نفسه أحسن حالا ،فلبس جلبابا، وخرج فهنّأه أبوه وأمّه والمعازيم الذين أمضوا ليلتهم هناك ،نظر بدوي ،لزوجته ليلى ،وقال لها : أخي يبدو رائقا اليوم ،ولقد إنتصف النّهار ولم يضرب تلك الفتاة ،أو حتى يفتعل خصومة مع ابيه، أليس هذا

 

 غريبا يا إمرأة ؟ قبل نعيمة طلّق إثنين، ولم يطلع  الصّباح بعد !!! همس لها : هل أنت متأكّدة أنّك وضعت له السّحر كما إتفقنا ؟  أجابته: نعم ،مثل كلّ مرّة !!! لكنه لم يأكل من الصّباحية التي قدّمتها له،وتلك  اللعينة طبخت له دون أن أعلم ، سأزيده في مقدار السّحر حتى لا يقوى على فتح عينيه .

 

 

خرج همّام إلى الحديقة ،وضرب النّسيم وجهه ،فأخرج سجارة نفث دخانها في الهواء ،شعر كأن الأصوات التي تهتف في أذنيه صارت متباعدة ،والألوان أكثر وضوحا أمامه ،لم يكن يعرف ما يجري له ،لكن المأكّد أنّه حين أكل من طعام نعيمة إسترجع بعض عافيته ،ثم إبتسم ،وقال يبدو أنّ نفسى تحنّ إلى الرّيف، ولمّا أتت تلك البدويّة

 

 

 حملت معها رائحة المروج والجبال ،وفجأة شعر أنّه يحبها ،ويشتاق إليها ،فألقى سجارته ،ورجع إليها ،فوجدها جالسة تمشط  شعرها ،وتكحّل عينيها ،ولمّا رأته داخلا

 

 

 بقامته المديدة ،خافت منه، وجرت إلى ركن الغرفة الذي فرشت فيه حصيرة ،لكنّه صاح : إلى أين تذهبين يا بنت ؟ من طلب منك القيام ؟ لم تجد نعيمة ما تقوله ،فلقد رأت الإبتسامة واللطف على وجهه الوسيم ،وسألته : ألا تريد

 

 ضربي يا همّام ؟ لكنّه جلس على  طرف فراشه ،وطلب منها أن تأتي بجواره ،فتردّدت قليلا ،ثم جاءته ،وبدأ يلمس شعرها الأسود النّاعم، ويديها ،وأحسّت بأنفاسه السّاخنة على وجهها ،ثم  أغلق النّور ،وإنزلق معها تحت الغطاء الوثير .

 

 

مضى وقت طويل قبل أن يتساءل فرغلي أين ذهبت نعيمة فأنا لم أرها ؟ أجابته زوجته نفيسة إنها لم تغادر غرفتها : اللهم إسعد إبني يا ربّ ،فهو لا يستحقّ ما يجري له ،ولم نعرف سرّ الإكتئاب الذي أصابه فهو لا يريد أن يشتغل في المصنع الذي كتبته له ولأخيه ،ولا أن يتزوّج  ،لعلّ تلك الفتاة تخرجه من الغمّ الذي هو فيه …

 

حكاية ثأر النّسوان

من قصص بلاد الصعيد

الكراهية تشتدّ لنعيمة  (حلقة 4  )

استرجع همّام حيويّته ،وصار يخرج إلى الحديقة ويجلس مع نعيمة ،يترشفان الشّاي، وفي اليوم الثالث إستيقظ باكرا على غير العادة ، وحلق ذقنه، وتعطّر ،وذهب إلى المصنع، الواقع  في طرف قرية كفر الرّمان،وهناك يملك فرغلي ثلاثين فدان من الأرض المزروعة

 

 

 

 ،والخرفان والجواميس ،وكان كل العمال من أهل القرية ،وهم يحبّون همّام لتواضعه، ولمّا رأوه قادما رحبوا به، وهنئوه على عرسه ،مرّ ذلك اليوم على أحسن ما يرام، لمّا رجع الفتى في المساء ،أحضر هديّة لنعيمة التي فتحت القرطاس، ووجدت فستانا وردي اللون، فلبسته ،وتزيّنت، ثم نزلا للعشاء ،وكان الحاج فرغلي يحبّ

 

 الجلوس في قاعة الطعام ،والأكل مع أبنائه وزوجته نفيسة ،ولمّا مرض همّام كانت ليلى تحمل له طبقه في غرفته وتدسّ له السّحر دون أن يراها أحد، ثم ترجع وتواصل الأكل، كأنّ شيئا لم يحدث .

 

 

فرح الحاج حين رآى إبنه في أحسن حال وبجانبه إمرأته ،وقال لهما :تعالا ،واجلسا بجانبي !!! لكنّ بدوي وليلى أحسّا بالضّيق، ولم يأكلا إلا قدرا يسيرا رغم أنّ المائدة كانت عامرة بالأطباق والفواكه ،ولاحظت نعيمة ذلك ،فلقد بدآ يتغيّران بعد زواجها بيومين  ،ولم يعودان يكلّمانها، ووجدت ذلك غريبا ،فلقد شكرتها أخوات همّام الثلاثة على صبرها مع أخيهنّ ،وهنّ لطيفات معها كذلك الحاج وزوجته ،لكن لماذا هذه الكراهية  نحوها ؟

 

 

 فهي تقوم بشغل البيت كامل النهار دون أن تنطق بحرف رغم شقائها . ولمّا رجعت إلى غرفتها أخبرت همّام بما يجول في خاطرها، لكنه إبتسم ،وقال لها: لا تشغلي بالك بأخي، فهو سيّئ الطباع ،ولا يحتمل أن يهتمّ أبوه بغيره ،فهو يخاف أن ينالني شيء من عطفه بعدما تزوّجت، وعدت للعمل في المصنع .

 

 

وعلى فكرة لقد كتبه أبي لي ولأخي ، وهو يقع في بناءين مختلفين ، أحدهما لتعليب الفول ،و أخر صغير للمخلل :الخيار، والترمس والفلفل الأحمر ورغم أنّ بدوي أقلّ سنّا إلا أنّه عرف كيف يقنع أباه أن يمنحه القسم الرئيسي لأنّه متزوّج ،ويحتاج للإنفاق على زوجته .أمّا الفتاة فقالت بأسى : ليتك وحدك من عانى من أهله، لقد رايت من أخي

 

 ،كلّ أنواع الذّل والهوان، ،كانت  نعيمة تتكلم،وهمّام مفتون بها ،وينظر إليها بسرور، فلقد أعجبته تلك الفتاة ،فهي ترضى بأي شيئ ،وتفرح  به ،وفوق ذلك جميلة ،وصاحبة رأي .أحسّت بنظراته فابتسمت له ،لكنّها بقيت غارقة في التّفكير  ،فزوجها رغم طوله وقوّته ،فهو

 

 حسن النية ،و إبن حلال، ولن تترك أخاه وزوجته ليلى يفسدان زواجها ،لكن عليها أن تعرف حكايتهما أوّلا ماذا يخفيان في نفسيهما .

وحين سألته ،قال همّام : ليلى هي إبنة أحد عمّال المصنع ،وتأتي كل يوم لتحمل طعام أبيها ،ورآها بدوي فصار يكلمها ،ولمّا علم أبي لم ير مانعا  من تزويجه منها فهي فتاة مهذّبة ،و أراد أبي تزويجي أيضا لأّنّني أكبر أولاده، وطبعا قبلت لكن لم يمض وقت طويل حتى صرت في حالة غير طبيعية ،والمرأة التي يأتوني بها أحسّ بالنّفور

 

 

 منها ،ولا أدري هل تلك الحقيقة أم هي تهيّآت ،وكامل اليوم أسمع أصواتا تهمس لي، وقد طلقت إثنين ،والحقيقة هنّ من طلبن الطّلاق، واعتقدن أنّي مجنون ،الأولى بقيت يومين أمّا الثانية فطلقتها ليلة العرس ولم يطلع علينا حتى الصّباح ،وأبي من إختارهنّ لكنه كل مرة يجد  المسكين نفسه في حرج مع أهلهنّ ،ويزيد غضبه

 

 

 منّي وقال لي هذه المرة الأخيرة التي أخطب لك ،فبنات الناس ليس لعبة في يدك هل فهمت ؟

كانت نعيمة تسمع، وهي تعبث بخصلات شعر همّام ،ثم فجأة قالت له أعتقد أن أحدهم حاول أن يسحرك لكي تصاب بالجنون ويأخذ ما عندك إتسعت عينا همام من الدهشة ،لكنه صمت ،وأغلق عينيه لينام، لكنه لم يقدر

 

 فهذا آخر شيئ كان يتصوّره ،هل وصلت الجرأة ببدوي لهذا الحدّ ؟ ،وزاد إعجابه بنعيمة فلقد فهمت ما يدبره له أخوه وزوجته دون أن تعلم ما إكتشفه حين حفر في المصنع الصغير الذي كتبه له أبوه الحاج فرغلي ،لكنه كتم عنها كل ذلك ،واقترف خطيئة لا تغتفر بعدم إخبارها عن تلك الحكاية ،فهي لا تزال عروسا ،ولم يشأ أ يفسد فرحتها بزواجها ..

 

حكاية ثأر النّسوان

من قصص بلاد الصعيد

السّر الرهيب  (حلقة 5  )

بدأ بدوي يتودّد لنعيمة في غياب همام  ،وصار يدخل معها للمطبخ ،وهي تلاحظ وجوده وراءها في كلّ مكان ،وأحسّت أنّ الأمر غير طبيعي ،رغم أنّه يحاول أن يبدو لطيفا ،وفكّرت في إخبار زوجها ،لكنّها في كلّ مرّة تتراجع ،لأنها تخشى أن تتعقد الأمور بين الأخوين بسببها . وزاد بدوي في جرأته ،وحاول أن يجلس قربها في الصّالون ،وأبوه موجود ،وفي أحد الأيّام بينما كانت نعيمة ترتّب المنزل، أمسكت بها ليلى من شعرها ،وصاحت في

 

 

 وجهها :أنصحك بالإبتعاد عن زوجي ،وابقي مع همّام المجنون !!! لكن نعيمة ليست من النّوع السّهل ،فلطمتها على وجهها ،وقالت لها:  إخرسي ،فمن أنت حتى تكلّميني بهذه اللهجة الوقحة ؟ وتعالى الصّياح ،واشتد العراك بينهما، فجاء الحاج فرغلى وبناته يجرون

 

 

 ،وأبعدوا ليلى التي تورّمت أحد عينيها ،ولمّا سألوها  عمّا حدث، أخبرتهم بأنّ نعيمة  تراود زوجها ،فهي تعلم  أنّ أكثر المصنع من نصيبه  ،ودون شك راقت لها حياة الرفاهية بعد أن كانت خادمة لأخيها في العزبة !!! صمت فرغلى، فقد رأى بدوي ونعيمة معا مرّات كثيرة ،وكذلك نفيسة وبناتها ،ولم يعرفوا كيف يردّون على ليلى .

 

 

 

في المساء لمّا رجع همّام ،وعلم ما حصل ،قبض على رقبة نعيمة ليضربها ،لكنّها رمقته بنظرة مرعبة، وقالت :ألم تفهم إلى حدّ الآن ما يحصل ؟ إسئل نفسك ماذا كانوا يضعون في طعامك ؟ إبتعد همّام خطوتين إلى

 

 

 

 الوراء ،لم يعد له شكّ في أنّ ليلى هي وراء مرضه .وكان عليه أن يتوقّع ذلك من أخيه الذي لا يشبع أبدا ،وقال في نفسه : ما حصل اليوم هو أمر مدبّر مع زوجته للتخلص من نعيمة ،فلم يتوقعا أن تفسد قرويّة فقيرة  كل ما

 

 

 خططا له !!! ومنذ أن إكتشف ذلك السّرداب وراء المصنع ،تطورّت الأمور ،وأصبح بدوي أكثر ضراوة ،ويريد وضع يده عليه بأي طريقة.وما لا يعلمه الحاج فرغلي أن همام كان يحفر ليركب أعمدة إنارة ،وفجأة إكتشف أحد العمّال

 

 

  مدخل سرداب قديم يتوغل داخل الأرض، لكن همّام طلب منه إغلاق الحفرة وصبّ الإسمنت عليها حتى لا يجيئ أحد لنبشها ،وأمره أن لا يخبر أحدا بما رآه فقد يكون مقبرة أو غارا يسكنه الجنّ ،لكن العامل تكلم ،ووصل الخبر لبدوي الذي عرض على أخيه شراء نصيبه من المصنع بمبلغ كبير ،ووعده بحصّة من الأشياء الثمينة التي يجدها في السّرداب .

 

 

 

وحين لم تنفع كلّ الإغراءات التي قدمها له أخوه ، دس له سحرا ،لكي يفقد عقله ،ويستحوذ على كلّ شيئ ،وكاد ينجح في ذلك لولا نعيمة التي أصرّت على البقاء مع همّام رغم كلّ ما نالها منه .رجع همّام  للصّالون أين يجلس أبوه، وقربه ليلى وهي تبكي ،وقال: سأرحل مع

 

 

 زوجتي ،وسنذهب غدا للبحث عن دار بعيدة عن هنا نسكن فيها ،وهكذا نرتاح كلنا !!! قالت ليلى لن يتم ذلك بهذه البساطة سأبلغ القسم بالعنف الذي تعرّضت له من زوجتك !!!  لكنه قال: وأنا أيضا سأبلغ عن السّحر الذي كنت تدّسينه لي أتعتقدين أني لم أفطن لذلك ؟ تساءل الحاج باستغراب: عن أيّ شيئ تتحدث ،إني لا أفهم شيئا ؟لكن بدوي قال: لا تهتمّ لذك يا أبي ،فكلنا أعصابنا متوترة

 

 

 ،على كل حال لأخي الحقّ أن يستقلّ بنفسه ،وتكون له داره ،لا نريد فضائح عند الشّرطة، فنحن عائلة محترمة، لها سمعتها ،ومكانتها .

قالت نفيسة : لهمّام : أجّر شقّة  قريبة منا ،وبذلك يمكنني أن آتيك كلّ يوم ،وكان ذلك  بداية الإنشقاق في عائلة فرغلي ،في الليل لم ينم همّام ،فمنذ صغره كان يحبّ العيش في عائلة كبيرة ،وكانت هذه أيضا رغبة أبيه، فاشترى فيلا كبيرة فيها ثلاثة طوابق، وحديقة واسعة ،ومرآب يتّسع لسيّارتين ،لكن الآن عليه أن يعيش مع

 

 

 نعيمة ،وليس مستعدّا للتفريط فيها ،في الصّباح ذهب إلى قريته كفر الرّمان وهناك توجد أراضيهم، والمصنع الذي يشتغل فيه، أمّا دارهم القديمة فقد باعها أبوه حين إنتقل لأسيوط. سأل همّام عن دار للإيجار ولما طاف في القرية مع العم شلبي وهو وسيط عقّاري لم يعجبه شيئ باستثناء واحدة مغلقة منذ زمن طويل،لكن شلبي قال له :هناك امرأة غريبة الأطوار تسكن بجانبك ،ويقال أنها تستحضر الأرواح ،،قال همام :والله أنّ الأرواح أرحم من أخي وزوجته …

 

حكاية ثأر النّسوان

من قصص بلاد الصّعيد

الجارة الغريبة (حلقة 6 )

واحتاج الأمر لأربعة أيّام من التّنظيف والتّرميم قبل أن يأتي همّام ونعيمة للسّكن في تلك الدار ،فهي لم تفتح منذ عدّة سنوات. بعد أيّام بدآ يلاحظان أنّ أحدا يراقبهما من وراء نافذة المنزل المجاور ،رغم أنّهما لم يريا أحدا

 

 

 يدخل ويخرج منه ،قالت نعيمة لزوجها :ذلك الوجه الجامد يجعلني أشعر بالخوف ،وهو دائما يحدّق ناحيتي ،فأجابها :وما يهمّنا طالما أنّ ذلك لا يقلق راحتنا ،لعلّها عجوز لا تجد شيئا تفعله سوى النظر لجيرانها ،لا أكذب عليك ،فأنا مستريح هنا فالمصنع قريب ،وكل شيئ هنا يذكرني بزمن الطّفولة ،فكما تعلمين فلقد ولدت في هذه

 

 

 القرية ،وأعرف فيها كثيرا من الناس ،كان ذلك الكلام يسلّي كثيرا نعيمة ،ويجعلها أكثر اطمئنانا ،لكن أياّم الرّاحة والإستقرار لم تطل كثيرا ،فأحد الأيّام كانت راجعة من محلّ البقالة القريب ،وفجأة رأت كلبان يجريان ناحيتها ،وقد كشّرا عن أنيابهما، فرمت سلّتها، وهربت ،ولمّا كاد الكلبان أن يصلا إليها إنفتح باب الجارة ،فجأة ،وأدخلتها لدارها .

سمع بقيّة الجيران الصّياح ،وخرجوا من بيوتهم ،ليلاحظوا أنّ رجلا أخذ الكلبين وابتعد ،وتسائلوا من فعل ذلك ؟ فذلك الحي عادة هادئ ،ثم أحضروا سلّة نعيمة ،وجائوا للإطمئنان عليها ،وهنا رأوا تلك المرأة ،وبعضهم له

 

 

 سنوات يسكن هناك ،ولا يعرفها .كانت الجارة بيضاء اللون كبيرة العينين في الثلاثينات من عمرها ،وتعجّبت نعيمة عن سبب إختفائها عن الأنظار ،رغم جمالها، وهي لا يأتيها أحد باستثناء صبّي البقّال الذي يضع لها ما تطلبه من حاجيات أما الباب وينصرف، وفي آخر الشهر يأتي رجل ويدفع ثمن المشتريات .أحضرت المرأة لنعيمة إبريقا من الشاي ،وغطاء دثّرتها به فلقد كانت شاحبة اللون

 

 

 وترتجف ،وبعد قليل سرى الدّفئ في جسدها وأحسّت بأنّها أفضل حالا وعرفت من جارتها أنّ إسمها تفيدة ،ثم قالت لها التلفاز عندي معطّل وأنا أقدر على قراءة الطالع، ثم سألتها هل تريدين أن تجرّبي ؟ لم يكن لنعيمة ما تفعله ،ومازال كثير من الوقت على رجوع زوجها ،فقالت لها: ولما لا ؟ذلك يبدو ممتعا ،أحضرت تفيدة

 

 أوراق التاروت ،وأشعلت شمعة ثم أخرجت سبعة ورقات من الرّزمة، ورصفتهم أمامها ،وقالت لها: سأبدأ بك ثمّ زوجك ،والآن سنرى حظك مع المال .

رفعت الورقة  الأولى، ثمّ إبتسمت المرأة ،وقالت :ستأتيك ثروة كبيرة ،تساءلت نعيمة : ومن أين ؟ فأنا لا أملك شيئا ،وهمام متوسط الحال !!! ثم قالت لها :سنرى الحبّ، ورفعت الورقة الثاّنية ،فنظرت إليها تفيدة ،وقالت :أنت حامل في شهرك الثاني ،وهنا وجمت نعيمة ،فهي نفسها لم تعلم سوى منذ ثلاثة أيام . وضعت تفيدة

 

 

 سبعة أوراق أخرى وقالت :سنرى الآن طالع همّام ،وما أن رأت تفيدة الورقة التي في يدها حتى سكتت ،واصفرّ وجهها ،ولما رأتها نعيمة أحست بالقلق ،وهمست إن شاء الله خيرا قالت تفيدة لا أريد إخافتك لكن سيحصل مكروه لزوجك ،على كلّ حال التّاروت ما هو إلاّ ورق

 

 

 ،وعلم الغيب عند الله ،قالت نعيمة: سأنصرف الآن ،وشكرا على الضيافة ،ولمّا دخلت بيتها أطلت في النّافذة ،ثم أقفلت بابها بالمفتاح ،وقالت في نفسها :أشعر بالخوف من هذه النّبوءة، فعلاقة همّام شديدة السّوء مع أخيه ،وبسببه هربنا إلى هنا، ولكن هل يصل به الأمر إلى قتل أخيه ؟

أمضت نعيمة بقيّة اليوم وهي في أشدّ القلق ،على زوجها ،وكلما تتصل به في المصنع يقولون لها إنه غير موجود ،وفي النهاية سمعت صوت السيّارة، ففتحت

 

 

 الباب ،وخرجت تجرى ،وحين شاهدت أنه بأتم صحّة إطمئنت ،أمّا هو فتعجّب من لهفتها عليه ،وسألها :ماذا حصل ؟ أجابته :إسترح الأوّل ،وسأروي لك ماذا حصل في غيابك، أنّه أمر مخيف …

 

 

حكاية ثأر النّسوان

من قصص بلاد الصعيد

كوابيس الليل (حلقة 7)

إرتمى همّام على أوّل مقعد ، وقال لنعيمة : محاولا تخفيف توترها : لا شكّ أنّ عفريتا قد خرج لك من القبو !!! لم تضحك المرأة ،وردّت علبه :  لقد حاول أحدهم قتلي، ولقد نجوت اليوم بطريقة مدهشة هل تتذكر تلك الجارة الغريبة الأطوار ؟ لقد هاجمتني الكلاب لكنها مدّت يدها، وسحبتني إلى داخل دارها ،أخذ همّام يحملق فيها ،وهو يحاول أن يفهم ما جرى ،ثم قال :لا أرى سوى شخص

 

 

 

 واحد يفعل ذلك !!! نظرت إليه نعيمة ،وقالت :ليس ذلك فقط فتفيدة تقرأ أوراق التّاروت ،وقالت أنه سيقع لك شيئ ،وأنا أصدّقها فهي عرفت أني حامل ،لكنّه ربّت على كتفها ،وأجابها أن لا تقلق، فسيذهب إلى المأمور ،ويقدّم بلاغا ضدّ بدوي، فهذا أمر لا يمكن السكوت عليه .ثم قال :يريد الحرب ؟ سنرى من ينتصر في النهاية !!! أمّا أنت فلا

 

 

 تغادري البيت ما دمت غائبا، وسأعطيك شيئا أخفيه منذ أشهر طويلة، إفتحيه لو أصابني مكروه ،قالت نعيمة :خذ لك إجازة بضعة أيّام حتى نرى كيف تتطوّر الأمور ،أجابها :المصنع ليس على أحسن ما يرام بسبب السّلع المستوردة التي تملأ السوق، ولا بد أن أشرف على كل

 

 شيئ ،بدوي له نفس المشكل، وربّما وضعه أكثر سوءا ،وهذا ما يفسر إصراره على شراء نصيبي المتواضع من المصنع .

سألته : وبما سينفعه ذلك ؟ أجاب: هذه قصّة طويلة ،وستعلمين ذلك في الوقت المناسب،والآن أريد أن اتعشّى وأستريح، فاليوم كان متعبا .وغدا ذهب همّام للعمل رغم إلحاح إمرأته للبقاء معها ،فهي تحسّ بانقباض في نفسها ذلك الصّباح ،ورغم محاولته

 

 لتطمينها إلا أن ذلك الإحساس كان قويّا ولم تفلح كلّ محاولاتها لنسيان ما سمعته البارحة من جارتها ،ومرّت الساعات رتيبة ،وهي تدعو الله أن يمر ّاليوم على خير ،فلو حدث لهمّام شيئ، فستضيع وهو من يفعل كل شيء ،دفع الإيجار ،والفواتير، وصيانة المنزل. لمّا حلّ المساء سمعت صوت إطلاق نار ،وأطلّ كل الجيران من نوافذ

 

 بيوتهم، وهم يتساءلون ماذا يحدث ؟ أمّا نعيمة فصاحت :ربنا يستر !!! ثم  غطّت رأسها ،وخرجت تجري، ومن بعيد شاهدت سيارة متوقّفة والنّاس يحيطون بها ويصرخون، ولما إقتربت عرفت تلك السّيارة، فلقد كانت لهمام. أمّا هو فكان على الأرض، وأحد الأشخاص يحاول إسعافه ،لكن حرحه كان خطيرا ،ولم يلبث أن توفّي بدأت نعيمة تندب ،وتمزّق شعرها ،وحاول أهل القرية تهدأتها دون جدوى ،فلقد شعرت أن كل شيئ ينهار حولها .

وفي الأخير جاءت سيّارة الإسعاف، ونقلتها للمستشفى مع زوجها، وأعطوها حقنة مهدّئة ،ثم حظر البوليس وسألها إن كان لزوجها أعداء، ففكّرت قليلا، ثم أجابت بالنفي ،وقالت أنّه رجل لطيف ،ولا أعداء له وقفل

 

 الضّابط المحضر وسجّلت القضية ضدّ مجهول ،أمّا نعيمة، فقالت في نفسها :أعرف القاتل،و سيموت على يديّ ،سأجعل إمرأته ليلى تبكي دما عوضا عن الدّموع !!! لمّا رجعت نعيمة ،وجدت الجيران قد دفعوا السّيارة أمام باب الدار، وكان مقعد السّائق ملطّخا بالدّماء ،ومن الواضح أنّ المجرم أطلق عليه النار من النافذة فلم يكن على السيارة ،آثار رصاص .نامت المرأة حتى اليوم التالي ،ولم تستيقظ كعادتها ،فلقد كانت تشعر بصداع عنيف، وطول اليل لازمتها الكوابيس المرعبة ورأت زوجها يفتح

 

 فمه ،ويمدّ لها محفظة صغيرة من الجلد البنّي ،ولما نهضت  من فراشها ،وجدت أنّ الساعة تجاوزت منتصف النهار،ولم تكن  ترغب لا في الأكل ولا الشرب ،ثم خطر لها أن تذهب لجارتها تفيدة ،لعلّها تجد عندها بعض التسلية ،وحين رأتها ،فتحت لها الباب ،وأحضرت لها مشروبا ساخنا من الزنجبيل والليمون ،فترشّفته ،ثمّ هدأت قليلا وحكت لها عن الكابوس التي رأته في أحلامها ، وأنه يكاد يكون حقيقة .

 

 

أجابتها تفيدة أنّ بعض الأرواح تبقى معذّبة لأنّها لم تكمل مهمّتها ،وهي تعتقد أنّها مازالت حيّة ،ولم تمت ،وروح همام لن ترتاح إلا بعد أن تسلمك المحفظة ،أجابت نعيمة بخوف: هل تعنين أنه سيظهر لي من عالم الأموات ؟ قالت تفيدة : لا أعرف، ولكنه سيجد وسيلة للاتّصال بك .عادت نعيمة إلى الدّار ،وفجأة تذكّرت ما قاله همّام من  أنّ أخاه يريد شراء حصّته من المصنع لسبب لم يفصح عليه، فهل محتوى المحفظة يتعلق بهذا

 

 الموضوع ؟ جائز جدا ،ثمّ تساءلت: وماذا يوجد فيها، لتقع جريمة بسببها ،ثم فكرت قليلا ،وضربت كفّا بكفّ ،وقالت :كم أنا مغفّلة !!! وهل يوجد ما يهتمّ به بدوي غير الثراء ؟ من الماكّد أنّ زوجي قد وجد شيئا تحت المصنع  ،وهو يريده أن يكون من نصيبي ،رحم الله همّام إبن الأصول ،لقد فكّر فيّ أثناء  حياته ومماته ،ولا تريد روحه أن ترحل قبل أن تطمئن أنّه لا ينقصني شيئ …

 

حكاية ثأر النّسوان

من قصص بلاد الصعيد

حلف مع الشيطان (حلقة  8 والأخيرة )

بقيت نعيمة جالسة، واستغربت عدم إتّصال الشّيخ فرغلي وزوجته بها ، فلقد أعلمها ضابط البوليس أنّ زميله في أسيوط سيمرّ بهم لاستكمال التّحقيق ،وعلى كلّ حال فهي لا تستغرب شيئا من بدوي وليلى ،وربّما إتّهماها بأنها وراء الجريمة ،نزل الليل مبكرا في تلك الليلة الشّتوية الباردة ،فأعدت نعيمة فنجانا من الشّاي السّاخن ،واقتربت من النّافذة تشاهد حبّات المطر التي تنهمر على الطريق الفارغ ،لم يكن هناك أحد ولا حتى قطّة

 

 

 ،وفجأة خيّل لها أنّها رأت مصابيح سيارة همّام تشتغل ثم تنطفئ ،ظنّت أنّ ما رأته هو ضوء أحد المنازل المجاورة ،لكنّها شهقت لمّا تكرّر ذلك مرّة أخرى أمام عينيها ،وهنا لم يعد أمامها مجال للشكّ هناك أحد داخل السّيارة، وقد يكون جاء للسّرقة أو ليبحث عن شيئ ،لم تكن نعيمة من النّوع الذي يخاف ،فلقد عاشت طفولة قاسية ،وكم من مرة أطردها أخوها ،ونامت في العراء ،فرمت شالا من الصّوف على كتفيها وخرجت .

 

 

 

كانت السّيارة مركونة جانب الرّصيف ،ولاحظت أنّ الضّوء قد إنطفأ فجأة ،وحين إقتربت لم تر شيئا لأوّل وهلة ،وبدا كلّ شيئ هادئا، والأبواب مقفولة ،وتساءلت في دهشة هل كان كلّ ذلك من وحي خيالي ؟ ولمّا همّت بالرّجوع وقد رأت الضّوء يشتعل من جديد، وكان هناك شبح داخل السّيارة يمدّ لها يده فجرت، وكادت تسقط على الأرض من وقع الصّدمة ،ثمّ تمالكت نفسها، ونظرت خلفها ،ثم وقفت متسمّرة في مكانها من شدّة الدّهشة ،لقد كان الرّجل زوجها همّام  ،سرت في

 

 جسدها رعدة قوية ،لم يكن هناك غيرها في الشارع ،وتذكرت  الحلم الذي رأته البارحة ،وحكاية العرّافة عن الأرواح  التي تبقى حبيسة بين عالمين ،فتعوّذت بالله ثمّ رجعت إلى السّيارة كانت الأضواء لاتزال مشتعلة لكن إختفى الشّبح .

وحين أطلت من النافذة رأت محفظة من الجلد عل المقعد فأخذتها ،ثم جرت إلى الدّار ،وأغلقت الباب ورائها وفتحت المحفظة ،فوجدت عقد ملكية ورسالة فتحتها بأيد مرتعشة ،وقرأتها ،فإذا فيها: لمّا تقرئين هذه الرّسالة أكون قد متّ ،فبدوي لن يتركني حيّا لقد وجد

 

 العمال مدخل سرداب تحت المصنع الذي كتبه لي أبي ،وقالوا لي أنهم رأوا شيئا ،فخافوا وخرجوا ،لكن أحدهم واسمه سيّد أشعل مصباحا ،ونظر ،ولمّا خرج قال لي أن هناك آثار من أيام الفراعنة ،فأوصيته بكتمان الأمر وأقنعته بأنّ السّرداب تسكنه الجنّ والأرواح ،لكنّه تكلّم وسمع أخي ،وأصرّ على شراء نصيبي لكنّي رفضت ،ولما تزوّجنا خفت أن يلحقني مكروه ،فسللت في الظلام

 

 

 وفتحت السّرداب ،وكان فيه قبورا منبوشة، وحولها آنية وتماثيل مبعثرة وبعضها مكسور،فجمعت كلّ ما وجدته وبعتها لتاجر عاديات يهودي في أسيوط بعشرة ملايين جنيه ،ووضعت المبلغ في البنك بإسمك ،خذي المال، وارحلي إلى مكان لا يجدك فيه، لأنّه لمّا يفتح السّرداب ولا يجد شيئا سيبحث عليك ويقتلك .

قالت نعيمة في نفسها لن أهرب من داري ،وسأسقي بدوي من نفس الكأس هو وامرأته ليلى ،ثم إتصلت بدار فرغلي، وقالت لبدوي: سأبيعك المصنع، وبامكانك الذّهاب، وتفقدّه !!! فرح الرّجل ،وقال لليلى: سننتظر الليل

 

 

 ونذهب فمن اليوم لن يكون حراسه ولا كلاب ،لما حلّ الظلام جاء بدوي ،وحفر حتى بلغ الباب الحديدي الذي وضعه أخوه همّام ،ثم دخل مع إمرأته، وبعد قليل تسللت نعيمة وأغلقت الباب ورائهم ،وردمته، ثم

 

 

 إنصرفت كأن شيئا لم يحدث .أمّا بدوي فلما إكتشف أن المكان فارغ لا يوجد فيه سوى عظام نخرة ،صاح لقد خدعتنا تلك اللئيمة ،جرى مع إمرأته ليخرج لكن الباب كان مغلقا ،وشرعا في الصياح لكن لم يسمعهما أحد ،ولما قارب المصباح على الإنطفاء شاهدا أشباح  الموتى الشفافة  التي خرجت من قبورها وتقدمت إليهم وهي تمد أيديها.

أمضت نعيمة الليل في المصنع ،وفي الفجر،نهضت قبل أن يأتي العمال ،ثمّ ذهبت لمكان الحفرة، وتنصّتت، فلم تسمع أيّ صوت ،ثم إستقلت تاكسيا ،ورجعت إلى دارها، وعلى شفتيها إبتسامة مخيفة ،لقد قتل فيها المجتمع البراءة التي كانت فيها ،والآن صارت مجرمة ،وحين أخرجت لها العرافة الورقة الأولى من التاروت، كانت فيها صورة الشّيطان .

إنتهت وشكرا على المتابعة

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

25

متابعين

27

متابعهم

2

مقالات مشابة