حكاية ابن التاجر وكيس المرجان

حكاية ابن التاجر وكيس المرجان

0 المراجعات

حكاية إبن التّاجر وكيس المرجان

من أدب الحكمة

إنّ بعض الظن إثم

يحكى عن فتى من العرب ﻛﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪﻩ ثريا من تجّار اﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻭﺍﻟﻴﺎﻗﻮﺕ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟفتى ﻳﺆﺛﺮ أصدقائه على نفسه ،ﻭﻫﻢ ﺑﺪﻭﺭﻫﻢ يحبّونه لإخلاصه وكرمه معهم . ﺩﺍﺭﺕ ﺍﻷﻳﺎﻡ ،وغرق أحد المراكب التي يتاجر عليها أباه بما عليها من نفائس ولم يحتمل التاجر ضياع ثروته ،فمرض، ﻭ لزم الفراش ،و أنفقوا ما بقي من مال على علاجه حتى لم يبق عندهم شيئ، وفقروا  فقرا ﺷﺪﻳﺪﺍً ،فتحامل الفتى على نفسه ،وقرّر الذّهاب لأصدقاء الماضي ليلتمس منهم المساعدة علم ﺃﻥّ ﺃﻋﺰّ أصحابه ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﻣﻮﺩّﺓً له ﻗﺪ ﺃﺛﺮﻯ ﺛﺮﺍﺀ ﻻ ﻳﻮﺻﻒ ،ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻷﻣﻼﻙ ،ﻓﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﺴﻰ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﻋﻨﺪﻩ ﻋﻤﻼً ﺃﻭ ﺳﺒﻴﻼً   لإﺻﻼﺡ ﺣﺎﻟﻪ ..
ﻓﻠﻤّﺎ ﻭﺻﻞ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﺳﺘﻘﺒﻠﻪ ﺍﻟﺨﺪﻡ ﻭﺍﻟﺤﺸﻢ، ﻓﺬﻛﺮ ﻟﻬﻢ ﺻﻠﺘﻪ ﺑﺼﺎﺣﺐ ﺍﻟﺪّﺍﺭ ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﺩّﺓ ﻗﺪﻳﻤﺔ، ﻓﺬﻫﺐ ﺍﻟﺨﺪﻡ ﻓﺄﺧﺒﺮﻭﺍ سيّدهم ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻨﻈﺮ  ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﺳﺘﺎﺭ ﻟﻴﺮﻯ ﺷﺨﺼﺎ ﺭﺙ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻔﻘﺮ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮﺽ ﺑﻠﻘﺎﺋﻪ، وطلب من ﺍﻟﺨﺪﻡ ﺑﺄﻥ يصرفوه .ﻓرجع الفتى وقد أخذت منه الدّهشة مأخذها ،و تألم على موت ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ، وذهاب القيم ،ﻭﺗﺴﺎﺀﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻀّﻤﻴﺮ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ يفنى ﻭﻛﻴﻒ ﻟﻠﻤﺮﻭﺀﺓ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺠﺪ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﻓﻲالنّفوس.
مشى منكسرا ذليلا  ،فصادف في طريق عودته ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮّﺟﺎﻝ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﺤﻴﺮﺓ، ﻭﻛﺄﻧّﻬﻢ ﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﻋﻦ ﺷﻲﺀ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻘﻮﻡ ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ :ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺭﺟﻞ ﻳﺪﻋﻰ ﻓﻼﻥ ،ﻭﺫﻛﺮﻭﺍ ﺍﺳﻢ ﻭﺍﻟﺪﻩ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ إنّه أبي،وهو مريض، ولا علاج له، فحوقل ﺍﻟﺮّﺟﺎﻝ، ﻭﺗﺄﺳّﻔﻮﺍ  على مصابه،ﻭﺫﻛﺮﻭﺍ ﺃﺑﺎﻩ ﺑﻜﻞّ ﺧﻴﺮ ،ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: إﻥّ ﺃﺑﺎﻙ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺎﺟﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ،ﻭﻟﻪ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻗﻄﻊ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺟﺎﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺃﻣﺎﻧﺔ ،ﻓﺎﺧﺮﺟﻮﺍ ﻛﻴﺴﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍً مملوءا ﻣﺮﺟﺎﻧﺎ، ﻓﺪﻓﻌﻮﻩ ﺇﻟﻴﻪ ،ﻭﺭﺣﻠﻮﺍ ،ﻭﺍﻟﺪّﻫﺸﺔ ﺗﻌﻠﻮ وجهه، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺼﺪّﻕ ﻣﺎ ﻳﺮﻯ ﻭﻳﺴﻤﻊ ..
ﻭﻟﻜﻦ ﺗﺴﺎﺀﻝ ﻣﻦ ﻳﺸﺘﺮﻱ ﺍﻟﻤﺮﺟﺎﻥ، ﻓﺈﻥّ ﻋﻤﻠﻴّﺔ ﺑﻴﻌﻪ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ معرفة ودراية ،ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺗﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ يعرف شيئا عن أسواقه ،ﻣﻀﻰ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ محتارا، ﻭﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ ﺻﺎﺩﻑ ﺇﻣﺮﺃﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻳﺎ ﺑﻨﻲّ دلني عن أفضل من يبيع المجوهرات ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺗﻜﻢ، ﻓﺘﺴﻤّﺮ ﺍﻟفتى ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ،ثمّ سألها ﻋﻦ ﺃﻱّ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﻮﻫﺮﺍﺕ تبحثين ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ أريد شيئا رائعا و ثمينا، وليس المهمّ نوعه. ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ هل يعجبك ﺍﻟﻤﺮﺟﺎﻥ ؟
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ خير الأحجار الكريمة، ﻓﺄﺧﺮﺝ ﺑﻀﻊ ﻗﻄﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻴﺲ، ﻓﺎﻧﺪﻫﺸﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ لجودتها، ﻓﺎﺑﺘﺎﻋﺖ ﻣﻨﻪ كلّ ما قدّمه لها،ووعدته ﺑﺄﻥ ﺗﻌﻮﺩ ﻟﺘﺸﺘﺮﻱ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ،ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﺎﺩﺕ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻳﺴﺮ ،وبدأت تجارته ﺗﻨﺸﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ .ﻓﺘﺬﻛّﺮ ﺑﻌﺪ ردح من ﺍﻟﺰّﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ الذي نسي ﺣﻖّ ﺍﻟﺼّﺪﺍﻗﺔ ،ﻓﺒﻌﺚ ﻟﻪ ﺒﻴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺸّﻌﺮ يؤنّبه على فعلته معه ،ﺟﺎﺀ ﻓﻴﻬﻤﺎ:
ﺻﺤﺒﺖ ﻗﻮﻣﺎ ﻟﺌﺎﻣﺎ ﻻ ﻭﻓﺎﺀ ﻟﻬﻢ
ﻳﺪﻋﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺑﺎﻟﻤﻜﺮ ﻭﺍﻟﺤﻴﻞ
ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺠﻠﻮﻧﻨﻲ ﻣﺬ ﻛﻨﺖ ﺭﺏ ﻏﻨﻰ
ﻭﺣﻴﻦ ﺍﻓﻠﺴﺖ ﻋﺪّﻭﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﻞ
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮﺃ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼّﺪﻳﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺑﻴﺎﺕ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻭﺭﻗﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺑﻴﺎﺕ، ﻭﺑﻌﺚ ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺟﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ :
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻗﺪ ﻭﺍﻓﻮﻙ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻲ
ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﺒﺒﺎ ﺍﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻞ
ﺃﻣّﺎ ﻣﻦ ﺍﺑﺘﺎﻋﺖ ﺍﻟﻤﺮﺟﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪﺗﻲ
ﻭﺍﻧﺖ ﺃﺧﻲ ﺑﻞ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻣﻠﻲ
ﻭﻣﺎ ﻃﺮﺩﻧﺎﻙ ﻣﻦ ﺑﺨﻞ ﻭﻣﻦ ﻗﻠﻞ
ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻚ ﺧﺸﻴﻨﺎ ﻭﻗﻔﺔ ﺍﻟﺨﺠﻞ
كان كيس المرجان والمرأة من صنيع صديقه ليردّ الوفاء له دون ان يراق ماء وجهه بالسؤال ..
...
لا تسئ الظن دائما بمن حولك ،فإن بعض الظن إثم

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Aya elyabany
المستخدم أخفى الأرباح

المقالات

19

متابعين

26

متابعهم

2

مقالات مشابة