"أسطورة حب لا تموت"
في مدينة صغيرة هادئة تحيط بها الجبال من كل جانب، عاش رجل يدعى كريم. كان كريم شابًا وسيمًا، طيب القلب، يعمل رسامًا. كان يقضي أيامه في مرسمه الصغير، يرسم الطبيعة الخلابة التي تحيط به. لكن رغم الجمال الذي يحيط به، كان كريم يشعر بفراغ داخلي، لم يكن يعلم سببه.
ذات يوم، بينما كان كريم جالسًا في مقهى صغير على ضفاف النهر، لمحت عيناه فتاة جميلة كانت تجلس بمفردها، تقرأ كتابًا. كانت ملامحها ناعمة، وشعرها الأسود ينسدل على كتفيها. كان في نظراتها شيء ما أسر قلبه من اللحظة الأولى. كانت الفتاة تبتسم ابتسامة خفيفة وكأنها تعيش في عالم آخر مع كتابها.
لم يستطع كريم أن يبعد نظره عنها. شعر بشيء يجذبه نحوها، وكأنها الشخص الذي كان يبحث عنه طوال حياته. لكنه لم يكن يعرف كيف يقترب منها أو كيف يبدأ الحديث. ظل جالسًا هناك لساعات، يراقبها من بعيد، حتى غادرت المكان دون أن ينتبه.
عاد كريم إلى مرسمه تلك الليلة، لكن لم يكن يستطيع التركيز على الرسم. كانت الفتاة تشغل كل أفكاره. تساءل عن اسمها، عن حياتها، وعن السبب الذي جعله يشعر بهذا الانجذاب العميق نحوها.
في اليوم التالي، قرر كريم العودة إلى المقهى في نفس التوقيت، على أمل أن يراها مرة أخرى. وبالفعل، جاءت الفتاة وجلست في نفس المكان. لكن هذه المرة، قرر كريم أن يتخذ خطوة. نهض من مكانه وتوجه نحوها.
"مرحبًا،" قال كريم بصوت هادئ. "ألاحظ أنك تأتي هنا كثيرًا. هل يمكنني أن أجلس معك؟"
رفعت الفتاة نظرها من الكتاب وابتسمت له ابتسامة دافئة. "بالطبع،" قالت برقة. "أنا اسمي ليلى."
شعر كريم بفرحة غامرة وهو يجلس بجانبها. بدأ الحديث بينهما عن الكتب والفن والحياة. اكتشفا أن لديهما الكثير من القواسم المشتركة، وأنهما يشاركان حبًا عميقًا للأدب والفن.
تكررت لقاءاتهما في المقهى يومًا بعد يوم. كان كريم يشعر بسعادة لم يشعر بها من قبل. كانت ليلى تمتلك قدرة سحرية على فهمه دون أن يتكلم، وكأنها تستطيع قراءة أفكاره. وكلما قضيا وقتًا أطول معًا، كلما ازداد تعلقه بها.
لكن كان هناك سر يحمله كريم، سر كان يخشى أن يكشفه لها. كان كريم يعاني من مرض نادر، جعله يعرف أن حياته قد لا تكون طويلة. لم يرغب في أن يجعل ليلى تعاني من فقدانه، لذلك حاول الابتعاد عنها. لكنه لم يستطع. كانت ليلى جزءًا منه الآن، ولم يكن يستطيع تخيل حياته بدونها.
أخيرًا، قرر كريم أن يخبرها بالحقيقة. دعاها إلى مرسمه، حيث جلسا معًا بين لوحاته. أمسك بيدها ونظر في عينيها وقال: "ليلى، هناك شيء يجب أن أخبرك به. أنا أحبك، لكنني لا أريد أن أكون سببًا في ألمك."
نظرت ليلى إلى عينيه بعمق، وقالت بصوت هادئ: "كريم، الحب ليس فقط في اللحظات السعيدة. الحب الحقيقي يعني أن نكون بجانب بعضنا في كل الظروف. مهما كان ما سيأتي، أنا أريد أن أكون معك."
شعر كريم بالدموع تملأ عينيه. كانت كلماتها بمثابة بلسم لروحه. لم يكن يتوقع أن يجد شخصًا يفهمه ويقبله كما هو.
مرت الأيام، وازداد حبهما قوة. كان كريم يرسم لوحات تعبر عن حبه العميق لليلى، وكانا يقضيان الوقت في الحديث عن المستقبل والأحلام التي يتمنيان تحقيقها معًا. لكن القدر كان له خطط أخرى.
في يوم ممطر، اشتد مرض كريم فجأة، ونُقل إلى المستشفى. كانت ليلى بجانبه طوال الوقت، لم تترك يده للحظة. رغم الألم، كانت تبتسم له، تشجعه وتمنحه القوة.
في الليلة الأخيرة، نظر كريم إلى ليلى وقال بصوت ضعيف: "لقد كنتِ أجمل هدية في حياتي. شكرًا لأنكِ جعلتني أعيش الحب الحقيقي."
ابتسمت ليلى رغم الدموع التي كانت تملأ عينيها. "وأنتَ، كنتَ وستظل دائمًا حب حياتي."
في تلك الليلة، رحل كريم بهدوء، تاركًا خلفه قلبًا محبًا، وذكريات لا تُنسى. لم يكن الوداع نهاية لحبهم، بل كان بداية لأسطورة حب ستظل تروى لسنوات.
بعد رحيله، عادت ليلى إلى المقهى الذي جمعهما لأول مرة. جلست في نفس المكان، تحمل بين يديها دفتر كريم الذي كان يرسم فيه. كانت كل صفحة فيه تعبر عن جزء من حبهما. وفي كل مرة تفتح الدفتر، كانت تشعر بأن كريم لا يزال معها، يرسم ابتسامة على وجهها من السماء.
وهكذا استمر حب كريم وليلى في العيش، ليس فقط في قلب ليلى، بل في كل مكان زاراه، وكل لحظة جمعتهما. كان حبهما قصة خالدة، تذكرنا بأن الحب الحقيقي لا يموت، بل يبقى حيًا في القلوب والذكريات.