صلاح شعيشع الطبيب المجنون الذي ادعى النبوة مؤسس طائفه غريبه في الاسكندريه
صلاح شعيشع: من طبيب إلى مدّعي النبوة – حكاية أغرب من الخيال
بداية الحكاية
وُلد صلاح شعيشع في الإسكندرية عام 1922. منذ ولادته، توفي والده، ليكبر في بيئة مليئة بالتحديات. تميز شعيشع بطولٍ شاهق وجسدٍ قوي، وكان دائم السخرية من زملائه ومن حوله، مما خلق انطباعًا غريبًا لدى كل من تعامل معه. بعد أن أكمل دراسته الثانوية، التحق بكلية الطب وتفوق فيها، ولكن بسبب لسانه الطويل وسخريته الدائمة، لم يحقق منصبًا أكاديميًا. عُيّن في الصحة المدرسية، إلا أن الشغل لم يرق له، فاستقال وفتح عيادة في منطقة محرم بك.
التحول إلى طب النساء والتوليد
في البداية، تخصص شعيشع في طب الباطنة، لكن العيادة لم تنجح ماليًا. فقام بتغيير التخصص بنفسه، وفتح عيادة للنساء والتوليد، حيث تخصص في عمليات الإجهاض التي كانت مربحة جدًا في تلك الفترة، خاصة في الستينيات.
صلاح والدجل
كان شعيشع شخصًا غريبًا في تصرفاته واهتماماته. في يوم من الأيام تعطلت سيارته وذهب إلى الميكانيكي، وهناك سمع قصة غريبة من الميكانيكي حول رجل يدعى "محمد الدجال" في كرموز. صلاح كان دائمًا يشكك في الدجل والشعوذة، ولكنه قرر مرافقة الميكانيكي لمواجهة هذا الرجل. حينما وصلوا إلى منزل "الدجال"، قدم له الأخير تحديًا غريبًا: إذا عرف صلاح ما بيده، سيعطيه السبعة جنيهات التي طالبه بها. ما كان في يد الدجال كان كتابًا يحتوي على تفاصيل غريبة ودقيقة عن حياة صلاح، مما صدمه ودفعه للتعلق بالرجل لمدة خمس سنوات، حيث غاص في عالم التصوف والشعوذة.
ادعاء النبوة وتأسيس الطائفة
بعد تلك التجربة، قرر صلاح شعيشع أن يسير في طريق أبعد من الدجل. أعلن أنه نبي وأن روح النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، حلت فيه. حاول إقناع زوجته بأنه النبي الجديد، وأطلق عليها اسم "خديجة"، لكنه لم ينجح في إقناعها، فتزوج من ممرضته بدلاً منها.
انتقل صلاح بفكره إلى أحياء الإسكندرية الفقيرة، حيث بدأ بنشر دعوته بين البسطاء. أسس ما أطلق عليه "الطريقة الصالحية الشاذلية"، حيث جمع مجموعة من الأتباع وقسمهم إلى "ملوك" و"صُعَيق"، وكان يمارس طقوسًا غريبة مثل "القبلة الصلاحية"، التي كانت عبارة عن سلسلة من القبلات التي كان يتلقاها من أتباعه، سواء الرجال أو النساء.
أشهر أتباعه وفضائحه
من أشهر الأتباع الذين انضموا لدعوته كانت "الدكتورة نشوة"، التي أطلق عليها اسم "أم المؤمنين". كان صلاح يعقد جلسات تحريف للقرآن ويزعم أنه يتلقى "تنزيلات" من السماء. بدأ بتفسير الأحلام لأتباعه وادعى أنها وحي.
وصل الأمر إلى حد أن بعض أتباعه سمحوا لزوجاتهم بإقامة علاقات محرمة مع صلاح، بدعوى أن ذلك جزء من "الطريق إلى الجنة". كان يوزع أرباح تجارته في الحديد والإسمنت تحت مسمى "النفحات"، والتي كانت إما نقودًا أو قبلات، وكان أتباعه يفضلون القبلات.
نهاية القصة
في عام 1985، وبعد مراقبة طويلة، ألقت الشرطة القبض على صلاح شعيشع وأتباعه. وكانت القضية واحدة من أشهر قضايا ادعاء النبوة في تاريخ مصر الحديث. في التحقيقات، أصر أتباعه على أنه نبي، حتى أن بعضهم استمر في الدفاع عنه بشراسة، رغم الأدلة الواضحة. أُدين صلاح بخمس سنوات سجن، وبعد الإفراج عنه، اختفى من الأنظار.
رغم كل هذا الجنون، تبقى حكاية صلاح شعيشع واحدة من أغرب القصص التي شهدتها مصر في القرن العشرين، وتظل محفورة في ذاكرة المجتمع كقصة تدعو إلى التساؤل حول طبيعة العقل البشري وكيف يمكن لأشخاص متعلمين ومثقفين أن يقبلوا بمثل هذه الأفكار.