"سر المدينة المهجورة"
في قرية صغيرة تقع على أطراف مدينة هاتاي، تناقل السكان منذ زمن بعيد قصصاً غريبة عن مدينة مهجورة تقع في الجبال القريبة، مغلفة بالضباب ويقال إنها تحمل سرًّا غامضًا. كان السكان يخافون الاقتراب منها، حيث اعتقدوا أنها ملعونة، وأن كل من يجرؤ على دخولها لا يعود أبدًا.
لكن هناك شاب يُدعى علي، معروفٌ بفضوله وشجاعته بين أهل القرية. كانت الحكايات التي تدور حول المدينة تجذبه دومًا، وأراد أن يعرف حقيقة الأمر بنفسه. قرر علي ذات يوم أن يذهب إلى المدينة المهجورة ليكتشف أسرارها. حمل حقيبته، وتوجه إلى جبال المدينة المهجورة في وقت مبكر من الصباح، على أمل أن يعود قبل مغيب الشمس.
بعد مشي طويل بين الأشجار والوديان، وصل علي أخيرًا إلى مشارف المدينة. رأى المنازل القديمة المغطاة بالطحالب، والشوارع الملتوية التي تبدو وكأن الزمن توقف عندها. ولكن ما لفت انتباهه أكثر هو الهدوء المخيف الذي يغمر المكان؛ لا طير يغرد، ولا ريح تحرك الأغصان. كان الصمت عميقًا لدرجة أن كل خطوة يخطوها كانت تُسمع بوضوح.
وبينما كان علي يستكشف المدينة، سمع صوت خطوات خلفه. التفت ليجد فتاة صغيرة، ترتدي فستانًا قديم الطراز وتبدو وكأنها ظهرت من عالم آخر. قالت له بصوت خافت: "لماذا أتيت إلى هنا؟ هذا المكان ليس للغرباء". تراجع علي خطوة للخلف، متعجبًا من ظهورها. حاول أن يسألها عن المدينة وعن سرها، لكنها لم تجبه سوى بابتسامة غامضة.
بعدها، طلبت منه الفتاة أن يتبعها، قائلة إنه إذا أراد معرفة الحقيقة فعليه أن يرى شيئًا هامًا. قادته عبر الشوارع الضيقة إلى قصر قديم يقع في قلب المدينة. كان القصر ضخمًا وجدرانه مغطاة بنقوش غريبة، أشكال ورموز لم يرَ مثلها من قبل. أدخلته الفتاة إلى الداخل، حيث كانت القاعات مليئة بالتحف القديمة واللوحات التي تحمل وجوه أشخاص مجهولين، لكن عيونهم كانت تشع بنظرات حزينة.
في إحدى القاعات، توقفا أمام لوحة لرجل يحمل ملامح نبيلة، يرتدي ثيابًا فاخرة ويبدو وكأنه كان ملكًا. قالت الفتاة بصوت خافت: “هذا هو الأمير هارون، صاحب المدينة. في يومٍ ما، كانت هذه المدينة تزدهر وتملأها الحياة، حتى أتى شخص غريب وألقى لعنة جعلت الجميع يختفي.”
دهش علي من كلام الفتاة، وسألها: "لكن لماذا لم تختفِ أنتِ أيضًا؟ ومن هو الغريب الذي ألقى اللعنة؟" نظرت إليه بحزن وقالت: “أنا لست من البشر... أنا روح حبيبة الأمير، ووجودي هنا مرتبط بذكراه. أما الشخص الغريب فهو ساحر شرير، كان يريد الاستيلاء على المدينة، ولما فشل ألقى هذه اللعنة.”
بدأ علي يشعر برغبة ملحة لمعرفة المزيد عن اللعنة وكيفية كسرها، فسأل الفتاة عن الطريقة. أجابته قائلة: “اللعنة مرتبطة بمفتاح سحري، يجب أن تجده وتعيده إلى هذا القصر. هذا المفتاح يوجد في غابة عميقة خلف الجبال، وهناك حراس يحرسونه. لكن عليك أن تكون حذرًا، فالحراس أقوياء ولا يسمحون لأي أحد بالاقتراب من المفتاح.”
تردد علي قليلاً، لكنه أدرك أن هذه فرصته ليصبح بطلاً ويعيد الحياة إلى المدينة. شكر الفتاة وودعها، ثم انطلق في رحلته للعثور على المفتاح السحري. كانت الغابة مظلمة ومليئة بالأشجار الكثيفة، وأصوات الحيوانات تتردد في كل مكان. وبعد مسير طويل، وجد علي الكهف الذي قيل له إن المفتاح بداخله.
دخل الكهف بحذر، وهو يتلفت حوله بترقب. وفعلاً، وجد المفتاح المعلق وسط الكهف، لكنه كان محاطًا بتماثيل لرجال ضخام يبدو أنهم في وضعية الدفاع. وما إن اقترب منه، حتى تحركت التماثيل ببطء، لتتحول إلى حراس حقيقيين يمنعونه من أخذ المفتاح. أدرك علي أن عليه مواجهة هؤلاء الحراس، ولكن بدلًا من القتال، حاول أن يتحدث إليهم.
قال لهم: "لا أريد أن أسبب لكم الأذى، أنا هنا لأحرر المدينة من اللعنة." سمع الحراس كلماته، وتوقفوا عن التحرك. فكر أحد الحراس، وقال بصوت عميق: “إذا كنت حقاً ترغب في تحرير المدينة، فأجب عن هذا السؤال: ما هو الشيء الذي يجمع الناس، ويشفي الجروح، ويمنح الأمل في أصعب الأوقات؟”
فكر علي لبعض الوقت، وأجاب: "إنه الحب." عندها انحنى الحراس بإجلال، وسمحوا له بأخذ المفتاح.
حمل علي المفتاح وعاد إلى المدينة المهجورة، حيث كانت الفتاة في انتظاره عند بوابة القصر. قدم لها المفتاح، وقالت له: "الآن، علينا وضعه في المكان المناسب." قادته إلى غرفة سرية تحت القصر، حيث وجدوا بوابة ضخمة منقوشة بعبارات قديمة. وضع المفتاح في الفتحة، وفجأة أضاء المكان بنور قوي، وبدأت المدينة تستعيد الحياة تدريجيًا.
ظهرت الألوان على الجدران، وعادت النباتات تنمو، وبدأت أصوات الناس تعلو في أرجاء المدينة. نظر علي إلى الفتاة، لكنه لاحظ أنها بدأت تتلاشى ببطء. قالت له بابتسامة: “شكرًا لك. الآن يمكنني أن أرتاح بسلام.”
تلاشت الفتاة بين يديه، لكن علي شعر بالطمأنينة. خرج من القصر ليجد المدينة تعج بالحياة والأصوات، وعاد إلى قريته محملاً بقصة غريبة، وأصبح بطلًا بين أهل القرية، حيث روى لهم مغامرته وكيف حرر المدينة من اللعنة.