في البيت المهجور
قصة الرعب: “البيت المهجور“
في أحد الأحياء القديمة، حيث تعانق الأشجار العتيقة المنازل، كان هناك منزل مهجور يقف في زاوية الشارع. كان قديمًا، مهدمًا، وكأنه يحمل في جدرانه أسرارًا مظلمة. كان سكان الحي يتجنبونه، ويشاع عنه أنه مسكون بالأرواح، حتى أن الأطفال كانوا يمرون بالقرب منه مسرعين، يبتعدون عن نظراته الحادة والمظلمة. لكن، على الرغم من تلك الشائعات، كان هناك ثلاثة أطفال يختلفون عن بقية أطفال الحي: يزن، رامي، وفاطمة.
كانوا يترقبون هذا المنزل العتيق دائمًا، وفي كل مرة يمرون بالقرب منه، يتوقفون للحظات يتبادلون الأحاديث عن السر الذي يخفيه. كانوا يسمعون القصص عن الأرواح التي تسكن فيه، وعن أصوات غريبة في منتصف الليل، لكن فضولهم كان أكبر من خوفهم. في كل مرة يمرون بجانبه، يتخيلون ما يمكن أن يكون داخل ذلك المنزل المهجور.
في يوم من الأيام، قرروا أن يتجاوزوا حدود الخوف. قال يزن، وهو الأكثر جرأة بينهم: “لنذهب إلى هناك اليوم، ولن نعود إلا بعد أن نكتشف ما يحدث في ذلك المنزل.” أجابته فاطمة بنبرة مترددة: “هل أنت متأكد؟ الجميع يقولون إنه ملون بالشر.” لكن رامي، الذي كان يثق بشجاعة يزن، قال: “لن نعرف ما فيه إذا لم نذهب. وإذا لم نذهب اليوم، لن نذهب أبدًا.”
كانت السماء تميل إلى اللون البرتقالي مع غروب الشمس، وعندما بدأت الرياح تعصف بالأشجار، اجتمعوا عند حافة الشارع حيث كان يقف المنزل المهجور. كانوا يقفون لحظة في صمت، وكل واحد منهم كان يفكر في ما قد يحدث، ولكن في النهاية، نزلوا عبر الطريق المظلم وتوجهوا نحو المدخل المكسور.
عندما دخلوا، شعروا على الفور بشيء غريب. كانت الأرض مغطاة بالغبار، وأصوات خطواتهم تتردد في أرجاء المنزل كما لو أن المكان كان يراقبهم. جدران المنزل كانت مليئة بالصور القديمة، بعضها مكسور، والبعض الآخر عفن ويغطيه العناكب. كان الهواء خانقًا، وأشعة ضوء قليلة تتسلل عبر النوافذ المكسورة. لكن ما لفت انتباههم بشكل خاص كان بابًا خشبيًا ضخمًا في الزاوية البعيدة للغرفة.
“ما الذي وراء هذا الباب؟” تساءل يزن، وهو يحاول الوصول إليه. فاطمة كانت مترددة، لكن رامي شجعهم على الاقتراب، قائلًا: “لن نعرف إلا إذا دخلنا.”
عندما فتح رامي الباب، فاجأتهم الغرفة التي خلفه. كانت مظلمة جدًا، وكأنها تحتوي على سحابة من الظلال التي تبتلع أي ضوء يدخل. بينما كانوا يقتربون بحذر، اكتشفوا شيئًا غريبًا: دمية قديمة موضوعة في وسط الغرفة، على الأرض. كانت ملامح الدمية مشوهة قليلاً، وعيناه الزجاجيتان كانتا متوهجتين في الظلام وكأنها تنظر إليهم بعيون مليئة بالشر. كانت هذه الدمية غريبة، كما لو أنها كانت جزءًا من شيء أكبر وأخطر من مجرد لعبة قديمة.
فاطمة، التي كانت أكثر خوفًا من البقية، قالت بصوت مرتعش: “أعتقد أن هذه الدمية كانت ملكًا لأطفال عاشوا هنا من قبل. ربما هم من يراقبوننا الآن.” لكن يزن ورامي لم يهتما بكلامها. كان فضولهما أكبر من خوفهما، وكانا يرغبان في اكتشاف المزيد.
لكن في تلك اللحظة، انغلق الباب فجأة خلفهم، ووجدوا أنفسهم في غرفة مظلمة تمامًا. حاولوا فتح الباب، ولكن المفتاح اختفى وكأن الأرض قد ابتلعته. بدأ الرعب يتسرب إلى قلوبهم. كانت الأنفاس ثقيلة، والأصوات من حولهم تزداد غموضًا. في الزوايا، كانوا يسمعون أصواتًا خافتة، همسات تزداد بمرور الوقت وكأن المكان نفسه يحاول أن يخبرهم بشيء ما.
“من هناك؟” صرخ يزن، لكن لم يكن هناك رد. فقط همسات تتسرب من بين الجدران، كأنها أصوات أرواح محبوسة في هذا المكان منذ زمن طويل. كلما اقتربوا من الباب، كانت الأصوات تتعالى، وكأنها تحاول أن تمنعهم من الهروب
ثم بدأ شيء غريب يحدث. الأرضية تحت أقدامهم بدأت تتحرك، والهواء أصبح ثقيلًا. شعرت فاطمة بشيء يلمس ساقيها، وعندما نظرت، رأت أيدًا صغيرة تظهر من بين الشقوق في الأرضية، كما لو أنها تحاول جذبهم إلى الأسفل. الجميع بدأ يركض في كل اتجاه، لكنهم كانوا محاطين بالظلام. أصوات الرياح، والهمسات المتسارعة، جعلتهم يشعرون وكأنهم محاصرون في مكان غير مرئي.
“أهربوا!” صرخ رامي، وهو يركض بأقصى سرعته. لكن الجدران كانت تضيق أكثر، وكانت الأيدي تتسارع لتلتقطهم.
فجأة، وقبل أن يفقدوا الأمل، شعروا أن الأرض توقفت عن الحركة، والظلام بدأ يتلاشى. وجدوا أنفسهم في الغرفة نفسها، والدمية جالسة في وسطها كما كانت من قبل، وكأن شيئًا لم يحدث. كان كل شيء ساكنًا، والكلمات التي كانوا يهمسون بها من خوف قد اختفت في لحظة.
ركضوا بسرعة للخارج، وتركوا المنزل وراءهم. عندما عادوا إلى الحي، لم يتحدثوا عما حدث. كانوا يعلمون أن شيئًا غريبًا قد مر عليهم، وأنه لا يمكنهم العودة إلى هناك أبدًا. ومنذ تلك الليلة، أصبح المنزل المهجور أسطورة بين أطفال الحي، يذكرونه في قصصهم في المساء كأحد الأماكن التي يجب تجنبها.
وفي كل مرة مروا بجانب هذا المنزل، كانوا يسمعون همسات خافتة تأتي من الداخل، وكأن الدمية ما زالت تنتظر أحدًا يعود إليها. ولكن الأطفال الثلاثة، يزن، رامي وفاطمة، لم يعودوا أبدًا. والبيت المهجور، بقي يحفظ أسراره، ولم يعرف أحد حقيقة ما كان يحدث فيه.
هل كانت تلك الدمية مجرد خرافة؟ أم أن هناك شيئًا مظلمًا يخفيه هذا المكان؟ في النهاية، ظلت الإجابة محجوزة خلف جدران ذلك البيت، الذي ربما لا ينبغي لأحد أن يقترب منه مجددًا.