
قصة حب: حين يهمس القدر
المقدمة
الحب ليس مجرد مشاعر عابرة أو كلمات تقال في لحظات الشوق، بل هو قصة تُكتب بمداد الزمن، وتُسطرها المواقف، وتثبتها الأيام. هو لقاء أرواح قبل أن يكون لقاء أجساد، هو انتماء عميق يجعل العالم بأسره يبدو مختلفًا حين نكون بقرب من نحب.
هذه قصة حب لم تكن عادية، بل كانت حكاية امتزجت بالقدر، صاغها الزمن بتفاصيلها الفريدة، وأثبتت أن الحب الحقيقي لا تحده المسافات، ولا تكسره العقبات، بل يزهر رغم كل شيء…
قصة حب: حين يهمس القدر
في أحد الأحياء القديمة، وسط شوارع ضيقة تحكي جدرانها قصص الماضي، كانت "سلمى" تمشي بخطوات هادئة متأملة في العالم من حولها. لطالما أحبت هذا الحي العريق، حيث تعكس الحجارة صدى الضحكات والقصص التي مرت عبر الأجيال. كانت فتاة هادئة، حالمة، تحمل في قلبها عشقًا للكتب والرسم، وتؤمن بأن للحياة مفاجآت جميلة، حتى وإن تأخرت في الظهور.
أما "عمر"، فكان شابًا طموحًا يعشق المغامرة والسفر، لم يعرف الاستقرار يومًا، بل كان يرى الحياة ككتاب مفتوح يجب أن يُقرأ بكل تفاصيله. لم يكن الحب ضمن خططه، بل كان يظن أنه يحتاج إلى وقت لاحق، حين يستقر، حين يكون جاهزًا... لكنه لم يكن يعلم أن الحب لا ينتظر أحدًا ليكون جاهزًا، بل يأتي فجأة، دون إنذار، ويغير كل شيء.
البداية: لقاء الصدفة الذي لم يكن صدفة
بدأت الحكاية ذات صباح خريفي، حين كانت سلمى تجلس في مقهى صغير يطل على ساحة قديمة تزينها الأشجار المتراقصة مع الريح. كانت غارقة في صفحات كتابها، بينما كان عمر يجلس في الجهة المقابلة، يتحدث مع صديق له عن خططه المستقبلية، عن المدن التي يريد أن يزورها، والأحلام التي يسعى لتحقيقها.
لم يكن هناك أي رابط بينهما في البداية، سوى أن عينا عمر التقتا بعيني سلمى لثوانٍ قليلة، لكنها كانت كافية ليشعر وكأنه رأى وجهًا مألوفًا، وجهًا لم ينسه أبدًا رغم أنه لم يره من قبل. شعور غريب جعله يحدق بها قليلًا، محاولًا أن يفهم سر هذا الانجذاب المفاجئ.
أما هي، فلاحظت نظراته لكنها لم تبدِ أي اهتمام، فقد كانت غارقة في عالمها الأدبي، حيث كان الحب مجرد فكرة جميلة تعيشها بين صفحات الكتب، لا في الواقع.
لكن القدر كان لديه خطط أخرى...
اللقاء الثاني: عندما يقرر القدر التدخل
بعد أيام قليلة، وبينما كانت سلمى تزور معرضًا فنيًا، فوجئت بأن أحد اللوحات التي وقفت أمامها طويلاً كان يقف أمامها شخص آخر، يتأملها بنفس الانبهار... كان عمر. التفت إليها، وابتسم قائلاً:
- "يبدو أننا نشارك الإعجاب باللوحات نفسها!"
نظرت إليه بدهشة، ثم ابتسمت بخجل:
- "ربما... إنها تعبر عن أشياء لا يمكن للكلمات وصفها."
وهكذا بدأ الحوار بينهما، حوار امتد لساعات، لم يكن مجرد حديث عن الفن، بل كان حديثًا عن الأحلام، عن الأماكن التي يتمنيان زيارتها، عن الكتب، عن الحياة... كان هناك شيء في حديثهما جعل كل منهما يشعر بأنه أخيرًا وجد شخصًا يفهمه.
التقارب: حين تنسجم الأرواح
لم يكن من السهل على عمر أن يعترف بمشاعره سريعًا، فهو الذي كان يرفض فكرة الحب، وجد نفسه يفكر في سلمى طوال الوقت. أما هي، فكانت تخشى أن يكون مجرد إعجاب عابر، لكنها لم تستطع إنكار أن شيئًا ما بداخلهما كان ينمو يومًا بعد يوم.
كانا يلتقيان كثيرًا، يتحدثان لساعات، يكتشفان معًا زوايا جديدة في مدينتهما، ويشاركان لحظات خاصة جعلتهما أقرب مما تخيلا. ومع مرور الوقت، بدأ قلباهما يدركان أن ما بينهما لم يكن مجرد صداقة، بل كان شيئًا أكبر، شيئًا يشبه الحكايات التي طالما قرآها في الكتب.
لكن كما هو الحال في كل قصة حب، لا بد من اختبار...
الاختبار: قرار قد يغير كل شيء
في يوم من الأيام، أخبرها عمر بأنه تلقى عرضًا للسفر والعمل في الخارج، فرصة قد لا تتكرر، لكنه لم يكن يعلم كيف يخبرها بذلك دون أن يشعر بأنه قد يخسرها.
حين سمعت سلمى الخبر، شعرت بأن قلبها انكمش، لكنها أخفت حزنها خلف ابتسامة خافتة، وقالت بصوت حاولت أن تجعله ثابتًا:
- "يبدو أنك ستحقق حلمك أخيرًا..."
نظر إليها طويلًا، وكأنه يبحث عن شيء في عينيها، شيء يؤكد أنها تريده أن يبقى. لكنه لم يجد سوى تشجيعها، فشعر بحيرة لم يعهدها من قبل.
أما هي، فكانت تخوض معركة داخلية بين عقلها وقلبها. هل تطلب منه أن يبقى؟ هل تخبره بأنها لا تستطيع تخيل الحياة بدونه؟ أم تتركه يذهب، لأنه قد يكون هذا الأفضل له؟
الوداع المؤقت: حين تصمت الكلمات
جاء يوم الرحيل، ووقفت سلمى في المطار، تحاول أن تبدو قوية. قال لها عمر وهو يمسك بيدها:
- "هل تعتقدين أن القدر سيفرقنا بهذه السهولة؟"
نظرت إليه بعينين مليئتين بالدموع، وهمست:
- "أؤمن أن الحب الحقيقي لا يُهزم بالمسافات."
ابتسم عمر، وقال بحزم:
- "إذا كان هذا حبًا حقيقيًا، فسنجد طريقنا لبعضنا البعض مجددًا."
ورحل...
الانتظار والعودة: حين يعود الحب أقوى
مرت الشهور، لم يكن الأمر سهلًا، لكنها كانت تؤمن بأن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى إثباتات، بل يظهر في التفاصيل الصغيرة، في الرسائل الطويلة، في الاهتمام الذي لم ينقطع، في الشوق الذي لم يبرد رغم بعد المسافات.
وعاد عمر... عاد وهو يدرك أن قلبه لم يكن في أي مكان آخر سوى معها. وقف أمام بابها، وحين فتحته، لم يحتج إلى كلمات، فقط نظر في عينيها، وقال بصوت مفعم باليقين:
- "أنا هنا... ولن أرحل مجددًا."
احتضنته كما لو أن العالم توقف، وكما لو أن كل الأيام التي قضتها في انتظاره اختفت في لحظة.
هكذا انتصر الحب، ليس لأنه لم يُختبر، بل لأنه اجتاز كل الاختبارات، وأثبت أن القلوب التي خُلقت لتكون معًا، ستجد دائمًا طريقها، مهما طال الزمن. ❤️✨








