
" نغاليما" الرجل الذي لا يظهر في المرايا
ظلّ نغاليما: حكاية إفريقية عن الرجل الذي لا يظهر في المرايا
في قلب إفريقيا، حيث يلتقي السحر بالحياة اليومية، وتتمازج الأساطير مع الواقع، تنمو الحكايات كما تنمو أشجار الباوباب في السافانا — عميقة الجذور، شاهقة الغموض. ومن بين هذه القصص التي تروى همسًا بين أهل القرى، تبرز حكاية "نغاليما"، الرجل الذي لا يملك ظلًا... ولا يظهر في المرآة.
تدور هذه القصة في قرية نائية تقع على ضفاف نهر النيجر، حيث لا تزال الأرواح، حسب اعتقاد السكان، تتجول بيننا، مختبئة في الرياح، أو في نظرة عابرٍ لا نعرف له أصلاً.
ظهر نغاليما في أحد مساءات القرية، لا أحد يعلم من أين جاء، أو إلى من ينتمي. كان طويل القامة، له هيبة تجعل الأطفال يبتعدون، وهدوء يربك من يحاول التقرّب منه. سكن كوخًا عند أطراف الغابة، لا يخالط الناس إلا نادرًا، وغالبًا بعد غروب الشمس.
مع الوقت، بدأت الشائعات تنتشر. تقول امرأة من السوق إنها رأته في الظهيرة ولا ظل له على الأرض. وقال شيخ القرية: "نظر في مرآة المحل ولم يظهر له أثر". وهنا تحوّل الخوف إلى حكاية تُروى: نغاليما ليس رجلًا عاديًا.
في المجتمعات الإفريقية التقليدية، لا يُنظر إلى الغريب بعين الاتهام فقط، بل أحيانًا بعين الاحترام والرهبة. وسرعان ما وُصف نغاليما بأنه "حارس الأرواح"، كائن أتى من عالم الأسلاف، ليعيد التوازن في زمن الجفاف والمرض.
الغريب أن كل من لجأ إلى نغاليما طلبًا للمساعدة عاد حاملًا معجزة. امرأة عاقر أصبحت أمًّا، وصبي أعمى استعاد بصره، ومريض كان على وشك الموت شُفي خلال ليلة واحدة.
وفي واحدة من الليالي القمرية، قرر شيوخ القرية مواجهته. ذهبوا إليه حاملين مرآة كبيرة، وأخبروه أنهم يريدون الحقيقة. نغاليما لم ينكر شيئًا، بل نظر إلى المرآة بابتسامة وقال:
"أنا ظلّ منسي من زمنٍ بعيد. عوقبت ألا أُرى في المرايا، حتى أُتمّ مهمتي في الأرض. أنا لست بشرًا، ولست شيطانًا. أنا حارس أرواحكم."
في اليوم التالي، اختفى نغاليما كما جاء. لم يُرَ بعد ذلك أبدًا. لكن الغريب أن المطر بدأ يهطل بعد سنوات من الجفاف، وعادت الأرض لتخضر، وكأن بركته لا تزال تسكن المكان.
وحتى اليوم، يُقال في تلك القرية:
"إذا رأيت يومًا شخصًا لا يملك ظلًا... فلا تهرب. ربما نغاليما عاد ليطمئن على أرواحنا."
🌑 في إفريقيا، لا تموت القصص، بل تتحول إلى ظلال تسير بجانبنا.
ربما نغاليما لم يكن سوى رمزًا لكل الأرواح التي لا نراها، لكنها ترانا. لكل الغرباء الذين يحملون شفاءنا، ثم يختفون قبل أن نسألهم من هم. وربما، فقط ربما… هناك دائمًا ظلّ لا نراه، يحرسنا بصمت.