
منزل الأشباح في قرية الظلال الجزء الثالث -- الكيان الذي يسكن الأرواح
منزل الأشباح في قرية الظلال الجزء الثالث -- الكيان الذي يسكن الأرواح
كان الظلام الذي ابتلعهم هذه المرة مختلفاً، لم يكن مجرد غياب للضوء، بل كان أشبه بغطاء ثقيل يضغط على صدورهم، يجعل التنفس صعباً والحركة أبطأ. لم يدروا كم مضى من الوقت قبل أن يعود إليهم ضوء خافت، لم يأتِ من مصباح أو لهب، بل من جدران المنزل نفسها، وكأنها تتوهج ببطء مثل نبض قلب ضخم يحيط بهم.
وقفوا في نفس الممر العلوي، لكن شيئاً كان مختلفاً… الأرضية صارت أغمق لوناً، وكأنها امتصت دماءً أو سوائل لا يعرفون مصدرها. الجدران متشققة، ومن الشقوق تتسرب خيوط دخان أسود تتلوى في الهواء ثم تختفي.
"إحنا… في نفس الليلة اللي بدأ فيها كل حاجة" قالت سارة وهي تحاول السيطرة على ارتجاف صوتها.
أحمد كان يتقدم ببطء، عيناه تراقبان الباب الموارب. في المرات السابقة، كان يشعر بالخوف، لكن هذه المرة كان هناك شعور آخر… انجذاب غريب، كأن شيئاً ما بداخله يريد الدخول.
ليلى أمسكت بذراعه فجأة:
"أحمد، ما تقربش… البيت بيجذبك، مش أنت اللي بتقرر."
لكن قبل أن تكتمل كلماتها، انفتح الباب من تلقاء نفسه. الغرفة بداخلها كانت مختلفة عن ذاكرتهم… لم يعد هناك السرير المغطى أو الخزانة القديمة، بل مرآة ضخمة تملأ الحائط المقابل، زجاجها أسود يعكس فقط ظلالهم بلا ملامح.
خطا كريم خطوة للأمام، لكنه توقف حين لاحظ أن انعكاسهم يتحرك ببطء، غير متزامن مع حركاتهم. الانعكاسات كانت تبتسم، حتى عندما لم يفعلوا هم.
ثم خرج من المرآة ظل يشبه أحمد تماماً، لكن ملامحه كانت مائلة قليلاً، وعيناه خاليتان من أي حياة. اقترب الظل منه، ووقف أمامه وجهاً لوجه، قبل أن يبتسم ابتسامة واسعة. همس الظل بصوت أحمد نفسه:
"حان وقت التبديل."
في لحظة خاطفة، انطفأ وهج الجدران، وغرقت الغرفة في ظلام تام، ثم عاد الضوء مجدداً… لكن أحمد لم يكن هو نفسه. عيناه كانتا معتمتين، وصوته حين قال "أنا بخير" كان بارداً، خالياً من أي شعور.
كريم أدرك الأمر أولاً، فتراجع للخلف، لكن الأرضية أسفل قدميه تشققت، وبدأت أصابعه تتسرب خلالها كأنه يغرق في الرمل. سارة حاولت جذبه، لكن الظل الذي يشبه أحمد وقف بينهما، مانعاً إياها بنظرة واحدة جعلت جسدها يتجمد.
ليلى، التي كانت لا تزال تمسك بالدفتر، لاحظت أن صفحاته أصبحت بيضاء تماماً، عدا سطر واحد كُتب بلون أحمر قاتم:
"كل من يرى وجهه في الظل… يصبح منه."
بدأت الانعكاسات الأخرى في المرآة تتحرك بحرية، تخرج واحداً تلو الآخر. نسخة من ليلى، نسخة من كريم، وحتى نسخة من سارة… كلها تبتسم بنفس الابتسامة الملتوية، وتتقدم نحوهم ببطء.
الأرضية تهتز، والجدران تتشقق أكثر، والهواء يزداد ثِقلاً. شعور بالدوار سيطر عليهم جميعاً، وكأن وعياً آخر يحاول الدخول إلى عقولهم.
صرخت ليلى: "إحنا لازم نكسر المرآة!"
اندفع كريم نحوها بكل قوته، وضربها بكرسي قديم، لكن الزجاج لم ينكسر… بل ابتلع الكرسي كأنه دخان، وبدأ يبتلع الحائط نفسه، مكوّناً دوامة مظلمة تسحب كل شيء.
شعروا بقوة لا يمكن مقاومتها، أجسادهم تنجر نحو الدوامة، أصوات ضحكات الكيانات تملأ أذانهم، والهمس يتكرر بلا توقف:
"أنتم منا… أنتم منا… أنتم منا…"
في آخر لحظة، قبل أن تبتلعهم الظلال تماماً، انفتح الضوء فجأة، ووجدوا أنفسهم في منتصف الطريق المؤدي إلى القرية، تحت المطر الغزير. لم يكن هناك أثر للمنزل… ولا حتى للأرض التي كان يقوم عليها.
تنفسوا بعمق، يحاولون استيعاب ما حدث، لكن حين نظروا إلى بعضهم، لاحظوا شيئاً واحداً جعل الدم يتجمد في عروقهم:
كل واحد منهم كان بلا ظل. يتبع……………