كارثة هيندينبرج 1937: 35 ثانية غيّرت مستقبل الطيران

كارثة هيندينبرج 1937: 35 ثانية غيّرت مستقبل الطيران

Rating 0 out of 5.
0 reviews

المقدمة:

في السادس من مايو عام 1937، اشتعل المنطاد الألماني هيندنبرج لنقل الركاب ، بينما كان يحلّق على ارتفاع 300 قدم في السماء مدعومًا بسبعة ملايين قدم مكعب من غاز الهيدروجين، وذلك أثناء استعداده للرسو في المحطة الجوية البحرية في "ليكهرست، نيوجيرسي". 

فماذا حدث؟؟

ولادة سفينة السماء


 • سفينة "هيندنبورغ" ثورة في صناعة المناطيد:

ربما قد تري وصف "سفينة" بالعنوان مبالغ فيه، ولكن  الحقيقة وصف هذا النوع من المناطيد بالسفينة هو وصف دقيق. فقد كان منطادنا تُدعي هيندنبورغ (LZ 129 Hindenburg). وكان يصل طولها حوالي 245 متر (أي بطول ملعب كرة قدم!)أي ما يُعادل حجم ال "تايتنيك" تقريبًا، ولكن أقل بحوالي 24 متر. قطرها حوالي 41 متر ومساحتها تساوي 200,000 متر مكعب. تستطيع أن تستوعب من 50 إلي 70 راكب بجانب الطاقم من 40 إلي 60 شخص. رغم ضخامتها علي المستوي البصري ولكن وزنها خفيف نسبياً، حيث يتم ضخها عادتاً بغاز الهيليوم أو الهيدروجين قليلا الكثافة، مما يساعدها علي الأرتفاع هذا العملاق إلي السماء.

 والأن دعنا من هذه الأرقام. 

• الخلفية التاريخية:

سُميت سفينة هيندنبرج بهذا الأسم تيمّنًا بـ بول فون  هيندنبورغ(Paul von Hindenburg)، كان رئيس ألمانيا عام 1925 إلي وفاته عام 1934. هيندنبرج كان جنرال مشهور في الحرب العالمية الأولى، وبعدها أصبح شخصية سياسية كبيرة. بعد وفاته، تم تكريم أسمه بإطلاقه على أكبر منطاد ركاب في العالم وقتها.

• النشأة:

في بداية القرن العشرين كانت ألمانيا رائدة في مجال صناعة نوع من المناطيد الصلبة يُدعي "Zeppelins". بعد الحرب العالمية الأولى، "معاهدة فرساي" قيّدت صناعة الطائرات عند الألمان، لكن في العشرينيات والثلاثينيات سُمح لهم بتطوير مناطيد لأغراض مدنية، فعادةً لا يتعدي أستخدامها لأهداف سياحية وليس لها منفعة كغرض عسكري، وكانت وسيلة مسالمة إلي حد ما. شركة تُدعي Luftschiffbau Zeppelin (شركة بناء المناطيد زبلن) في مدينة فريدريشسهافن، ألمانيا كانت العقل المدبر للمشروع.

"تايتنيك" السماء تعبر الأطلسي: لحظات من الكارثة


 

image about كارثة هيندينبرج 1937: 35 ثانية غيّرت مستقبل الطيران
صورة للمنطاد هيندنبرج فوق سماء نيوچيرسي، الولايات المتحدة بتاريخ 6 مايو 1937 قبل الكارثة بفترة وجيزة 

• صباح يوم 6 مايو بتاريخ 1937:

أنه يوم مميز فقد أنطلق المنطاد هيندنبورغ ذو الهيكل المدعوم بكميات هائلة من غاز الهيدروچين ووقود الديزل، أستعدادًا لرحلة طويل عبر المحيط الأطلسي من ألمانيا إلي نيوچيرسي، الولايات المتحدة الأمريكية. علي متنها 97شخصًا (36 راكب + 61 من الطاقم).

• ظهر-العصر:

كان من المفترض أن يصل المنطاد مبكرًا، ولكن وقعت عاصفة رعدية في أجواء مدينة نيوچيرسي أجبرتهم علي رُّسُوّ المنطاد في السماء لعدة ساعات حتي تتحسن الأجواء.

• الساعة 6:00 مساءً:

بدأ الطقس بالتحسن، ويشرع القبطان ماكس بروس بإجراءات الهبوط في محطة ليكهرست الجوية. في حضور جماهيري وأعلامي حافل يترقبون هيندنبرج وهي ترسو علي الأراضي الأمريكية. 

• الساعة 7:00 مساءً:

أقترب المنطاد إلي سطح الأرض بمسافة 90 مترًا تقريبًا

• الساعة 7:21 مساءً:

ألتقت طاقم أرض المحطة حبال المنطاد لتثبيته بالأرض وتمهيد للهبوط الأخير، ولكن في هذه اللحظة حدث شئ غير معتادًا. ظهر لهيب صغير في الجزء الخلفي العلوي (خلف زعنفة المنطاد).

• بعد الأشتعال بلحظات:

وفي لحظة ألتهم الحريق المنطاد بأكمله علي مرأي ومسمع الحضور، وفي غضون 35 ثواني فقط، وراح ضحيتها 36 شخصًا (35 من الركاب/الطاقم + 1 من عمال الأرض).

أصبحت هيندنبرج من الماضي لتسقط رمادًا علي الأرض أمام ذهول الحاضريين...

image about كارثة هيندينبرج 1937: 35 ثانية غيّرت مستقبل الطيران
صور من محطة ليكهرست تصرد لحظات سقوط هيندنبرج  والنيران تلتهم هيكلها بأكمله

أوه، الإنسانية!!…

كانت هذه الجملة الشهيرة التي أطلقها مذيع إذاعي شهير "هيربرت موريسون" بنبرة ذهول وصدمة:

 لتصبح بعد ذلك رمزًا تاريخيًا يشهد على  إنتكاسة أكبر ثورة بشرية في مجال الصناعية تتحول من أرثٍ يمرر لأجيال إلي هلاك محتوم.

 •أسباب الكارثة:إلي أين وُجهت أصابع الأتهام؟

بعض جميع الخبراء بلا شك غرقوا في تساؤلات عن الشرارة الحقيقية التي أدت إلي هذه الكارثة. 

1. النظرية الرسمية (لجنة التحقيق الأمريكية والألمانية):

السبب: شرارة كهربائية (static electricity).

الجو كان ممطرًا ورطب. عندما رمي المنطاد الحبال المعدنية إلي لأرض، حدث تفريغ كهربائي.

أقتربت الشرارة لغاز الهيدروجين أثناء تسربه من أحد الخزانات الخلفية ثم اشتعل.

2. نظرية طلاء المنطاد (المواد القابلة للاشتعال):

بعض الباحثين (ومنهم ناسا لاحقًا) أفادوا بأن طلاء قماش المنطاد نفسه كان مشبعًا بمواد كيميائية قابلة للأحتراق (أكسيد الحديد + سيلفر + سيليكون).

هذه  المواد جعلت القماش يشتعل تقريبًا مثل مادة الوقود الصلب المستخدمة في الصواريخ.

بمعني ( شرارة كهربية ⇐ أشتعال الطلاء⇐ أشتعال مخزون الهيدروچين)

3. فرضية التخريب (Sabotage Theory)

تعتبر أضعف النظريات لأفتقارها للأدلة التي تدعم السيناريو، فكان الناس يرون أن الحادث قد يكون تخريب من أعداء النظام النازي أو حتى مقاومة داخلية من شخص في الطاقم.

لكن التحقيقات لم تعطي أي دليل مؤكد يدعم النظرية، وظلت مجرد فرضية سياسية.

الخلاصة:

يظل رغم صحة بعض النظريات، لكن يظل السبب الرئيسي هو الأختيار المتهور لغاز الهيدروچين لدعم المنطاد، نعم؛ فهو عنصر شديد القابلية للأشتعال، حيث كان من المفترض أستخدام غاز الهيليوم؛ غاز خامل لا يتفاعل كيميائية مع محيطه، لا يشتعل (خيار أكثر أمانًا لدعم هذه المناطيد).

• إذا السؤال هنا: لماذا حدث رغم علم المهندسين والعلماء بمدي المخاطرة؟

في الحقيقة هناك عده أسباب أدت إلي ذلك، ونتطرق إليها:

1. الأحتكار الأمريكي:

في عشرينيات القرن العشرين، أكتشفت الولايات المتحدة إمتلاكها أكبر احتياطي هيليوم في العالم. سنة 1927، الكونجرس الأمريكي أصدر قانون يمنع تصدير الهيليوم لأي دولة أجنبية (خصوصًا ألمانيا، اللي كانت عدو محتمل بعد الحرب العالمية الأولى). 

لم يكن لدي ألمانيا أي فرصة لشراء الهيليوم.

image about كارثة هيندينبرج 1937: 35 ثانية غيّرت مستقبل الطيران
مبني الكابيتول الخاص بالكونجرس الأمريكي عام 1956

2.المتوفر والرخيص:

الهيدروجين كان متوفر بكثرة ورخيص التصنيع (من الماء أو الفحم).

الهيليوم غاز نادر جدًا حينها، واستخراجه صعب ومكلف.

3. الاعتقاد بالتحكم في المخاطر:

المهندسين الألمان كانوا واثقين أن لديهم قدرة السيطرة  على خطورة الهيدروجين بتصميمات أمان وطلاءات خاصة.

ويؤمنون بأن فرصة الأشتعال ضعيفة جدًا لو تم إتباع إجراءات السلامة، لكن كارثة هيندنبرج أثبتت العكس تمامًا.

4. سياسة وهيبة وطنية:

منطاد ضخم مثل هيندنبرج كان رمزًا للقوة لدي ألمانيا النازية. والكبرياء النازي جعلهم يؤمنون بأن أستخدام الهيدروجين رغم خطورته أفضل مئة مرة من الخضوع والتنازل لأمريكا للحصول علي الهيليوم.

image about كارثة هيندينبرج 1937: 35 ثانية غيّرت مستقبل الطيران
صورة لمنطاد هيندنبورغ  وهي تحمل شعار النازية بأحدي المحطات الألمانية


 

إنعكاس الكارثة علي العالم:


 • أنتهاء عصر المناطيد:

قبل الكارثة كانت المناطيد من أهم الوسائل الفاخرة للسفر والسياحة حول العالم، وآمنة نسبيًا لعبور المحيطات خاصًة بعد نكبة تيتانيك، أعتبر العالم أن المستقبل لصناعة المناطيد بديلاً عن السفر عبر السفن والبواخر.

ولكن الكارثة أطاحت بصمعة المناطيد حول العالم، وفقد الناس الثقة بها بشكل واسع حتي ينتهي عصرها بطريقة تراچيدية.

• مسار جديد لصناعة الطيران:

رغم العوائد السلبية من الكارثة، إلا أنها ساعدت في توجية تركيز العالم نحو تطوير صناعة الطيران؛ خصوصًا التطور الذي شهده العالم في صناعة طائرات الركاب الكبيرة حينها. إذًا بدون الكارثة كان من المرجح بأن لا نري تطور الطيران كما نراه اليوم.

• السلامة والهندسة:

فبعد الفشل الألماني في أختبارات عوامل السلامة والأخطاء الجسيمة التي وقع فيها المهندسين بسبب الضغوط النازية والأطماع السياسية. 

شركات الطيران بدأت تركز أكتر على:

1. مواد مقاومة للحريق.

2. أنظمة أمان للركاب.

3.اختبارات صارمة قبل الإطلاق.


الخاتمة:

بالطبع الكوارث التي تنجم عن الأخطاء البشرية التي تتعلق بالمشاريع الضخمة قد تسبب صدمات نفسية وأحباط بشري  يترك آثاره علي وجداننا عقودًا، ولكن هناك دروس في كل فاجعة. فيشهد لنا التاريخ دائمًا حين يتحدي طمع وكبرياء الإنسان الحضاري الطبيعة القاسية لتحقيق مراده دون تريَّث وصبر، تصبح النتيجة واحدة، كوارث علي حساب أرواح الأبرياء.


 المراجع:

  • H. Morrison, WLS Radio (Chicago):

https://www.americanrhetoric.com/speeches/hindenburgcrash.htm

 on Jan. 3, 2017.

  • Hindenburg Disaster من تأليف Jill Sherman‏:                         

https://books.google.com.eg/books?id=U_EtquHdHksC&lpg=PP1&dq=info%3AhZJv2n48e6oJ%3Ascholar.google.com%2F&lr&hl=ar&pg=PP1#v=onepage&q&f=false
 

هذا المقال من تأليف: [Hossam Khaled]

جميع الحقوق محفوظة © 2025.
 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

4

followings

3

followings

8

similar articles
-