السحر و الشعوذة

السحر و الشعوذة

Rating 0 out of 5.
0 reviews

                     السحر والشعودة

المقدمة:

منذ فجر التاريخ، شكّل السحر والشعوذة جزءاً من التجربة الإنسانية، سواء كأداة للسيطرة على المجهول أو كوسيلة للتعبير عن القلق الوجودي والخوف من قوى الطبيعة. لم يكن السحر مجرد طقوس غامضة أو أعمال خفية، بل ارتبط بالثقافة والدين والسياسة والاقتصاد، وأثر في حياة الأفراد والجماعات. ومع مرور الزمن، تطور مفهوم السحر من طقوس بدائية مرتبطة بالديانات القديمة إلى ممارسات شعبية ومعتقدات متوارثة، ثم إلى موضوع مثير للجدل في الفكر الفلسفي والديني والعلمي.

 

أولاً: تعريف السحر والشعوذة

يُعرَّف السحر لغةً بأنه كل ما خفي ولطف سببه. أما اصطلاحاً، فهو استخدام وسائل غير طبيعية يُعتقد أنها تؤثر في الأشياء والأشخاص والأحداث، سواء عبر كلمات وأدعية، أو عبر أدوات ومواد معينة، أو عن طريق استعانة بقوى غيبية.

أما الشعوذة فهي نوع من الدجل والخداع الذي يُمارس بغرض الإيهام، وقد يكون خالياً من أي أساس اعتقادي أو قوة غيبية، بل يعتمد غالباً على الخداع البصري والحيل النفسية لاستغلال عقول الناس ومشاعرهم.

image about السحر و الشعوذة

ثانياً: السحر في الحضارات القديمة

1. مصر القديمة

كان المصريون القدماء من أكثر الشعوب التي اشتهرت بممارسة السحر، حيث عُثر على نصوص في البرديات تحوي تعاويذ لعلاج الأمراض، ووسائل لطرد الأرواح الشريرة، وحتى طقوس للحماية في الحياة الآخرة. وقد ارتبط السحر لديهم بالدين، فالكهنة كانوا يجمعون بين العبادة وممارسة الطقوس السحرية.

2. حضارة بلاد الرافدين

في بلاد ما بين النهرين، كان السحر جزءاً من الممارسات اليومية. فقد اعتقد السومريون والأكاديون والبابليون بوجود آلهة قادرة على الخير والشر، وكان السحر وسيلة للتقرب من تلك القوى أو لدفع أذاها. وُجدت ألواح طينية تحتوي على نصوص سحرية تُستخدم في العلاج أو اللعن.

3. اليونان والرومان

ارتبط السحر عند اليونان بالفلسفة أحياناً وبالأساطير أحياناً أخرى. كان يُمارس لأغراض متعددة مثل الحب والانتقام والسيطرة. أما عند الرومان، فقد كان هناك تمييز بين السحر المشروع (المربوط بالآلهة) والسحر الممنوع (المضر بالناس).

image about السحر و الشعوذة

ثالثاً: السحر في الأديان السماوية

1. في اليهودية

ذُكر السحر في التوراة على أنه محرم، حيث وردت نصوص تنهى عن ممارسته وتعتبره رجساً. ورغم ذلك، استمرت بعض الممارسات السحرية في التراث اليهودي، خصوصاً في التيارات الغنوصية والقبّالية.

2. في المسيحية

أدانت المسيحية السحر منذ بداياتها، واعتبرته ضرباً من أعمال الشيطان. خلال العصور الوسطى، شنّت الكنيسة حملات قاسية ضد من اتُّهموا بممارسة السحر، وحدثت محاكمات شهيرة أودت بحياة الآلاف، خاصة النساء اللواتي وُصِفن بالساحرات.

3. في الإسلام

جاء الإسلام بتحريم واضح للسحر، واعتباره من الكبائر التي قد تخرج صاحبها من الملة إذا اقترنت بالكفر. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: 102].

كما حذّر النبي محمد ﷺ من السبع الموبقات ومنها السحر. ورغم ذلك، انتشرت بعض الممارسات الشعبية التي تقترب من الشعوذة، كالتمائم والعزائم، والتي لا تستند إلى نصوص شرعية صحيحة.

 

رابعاً: أنواع السحر

1. سحر التأثير في القلوب: مثل سحر المحبة أو التفريق، حيث يُعتقد أن الساحر يستطيع جذب المحبة أو زرع الكراهية بين الأشخاص.

 

2. سحر الأمراض: يُزعم فيه أن الساحر يسبب أمراضاً جسدية أو نفسية للضحية.

 

3. سحر التخيل: يعتمد على إيهام الشخص برؤية أشياء غير حقيقية، مثل ما فعله سحرة فرعون حين خُيّل للناس أن الحبال والعصي تتحرك.

 

4. سحر الكواكب والنجوم: ربط قديم بين مواقع الكواكب والتأثير في المصائر.

 

5. سحر الاستعانة بالجن: وهو الأكثر انتشاراً في الثقافة الشعبية، حيث يُعتقد أن الساحر يعقد اتفاقات مع الجن لتنفيذ رغباته.

image about السحر و الشعوذة

خامساً: الشعوذة والدجل

على عكس السحر الذي يرتبط غالباً باعتقاد غيبي، فإن الشعوذة تعتمد على الخداع البصري والنفسي. قد يستخدم المشعوذ أساليب الإيحاء، أو يلجأ إلى استغلال جهل الناس بالعلوم الطبيعية ليُظهر نفسه قادراً على فعل ما يعجز عنه غيره. ومن أبرز مظاهر الشعوذة:

قراءة الكف والفنجان.

ادعاء القدرة على معرفة الغيب.

استخدام الطلاسم والرموز غير المفهومة لإيهام الناس.

بيع الأحجبة والتمائم باعتبارها وسائل للحماية أو جلب الرزق.

 

سادساً: الأسباب الاجتماعية لانتشار السحر والشعوذة

1. الجهل والأمية: في المجتمعات التي يقل فيها التعليم، يسهل انتشار الخرافات والمعتقدات الباطلة.

 

2. الفقر والبطالة: تدفع الناس أحياناً إلى اللجوء للسحر أملاً في تحسين أوضاعهم المعيشية.

 

3. الاضطرابات النفسية: قد يجد البعض في السحر تفسيراً لمعاناتهم النفسية أو أمراضهم.

 

4. الرغبة في السيطرة: بعض الأشخاص يلجؤون إلى السحر كوسيلة لتحقيق نفوذ أو انتقام.

 

5. ضعف الوازع الديني: حيث يؤدي إلى الانجراف وراء ممارسات محرمة أو مشبوهة.

 

سابعاً: الموقف العلمي من السحر والشعوذة

العلم الحديث ينظر إلى السحر والشعوذة باعتبارهما ممارسات لا تستند إلى أسس علمية أو تجريبية. كثير من الحالات التي تُنسب إلى السحر تفسَّر اليوم من خلال علم النفس أو الطب العصبي. مثلاً:

حالات التشنج أو الإغماء قد تكون مرتبطة بالصرع أو الهستيريا.

الهلاوس قد ترتبط بأمراض عقلية كالفصام.

تأثير التمائم أو الأحجبة غالباً ما يُفسر بما يُعرف بتأثير "البلاسيبو" (الإيحاء النفسي).

 

ثامناً: السحر والشعوذة في العصر الحديث

رغم التقدم العلمي والتكنولوجي، لم يختف السحر والشعوذة من حياتنا. بل إن بعض المجتمعات شهدت ازدياداً في هذه الممارسات عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي. نجد إعلانات لمشعوذين يدّعون القدرة على حل مشكلات الحب والزواج والعمل، كما تُباع كتب وأدوات سحرية على الإنترنت.

وفي المقابل، هناك اتجاه متزايد نحو فضح هؤلاء المشعوذين عبر برامج تلفزيونية أو حملات توعية دينية وثقافية.

 

تاسعاً: الآثار السلبية للسحر والشعوذة

1. اقتصادية: إهدار أموال الناس على أوهام لا جدوى منها.

 

2. اجتماعية: إثارة الشكوك والخلافات بين الأسر والمجتمعات.

 

3. نفسية: زيادة القلق والاكتئاب لدى من يعتقدون أنهم مسحورون.

 

4. دينية: الابتعاد عن التعاليم الصحيحة واللجوء إلى ممارسات محرمة.

 

5. قانونية: استغلال حاجة الناس والاحتيال عليهم.

 

عاشراً: سبل مواجهة السحر والشعوذة

1. التوعية الدينية: عبر نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة التي تحذر من السحر والدجل.

 

2. التعليم ونشر العلم: فكلما ارتفع مستوى الوعي العلمي، قلّ تأثير الخرافات.

 

3. الرقابة القانونية: من خلال محاسبة من يمارس الشعوذة والاحتيال.

 

4. العلاج النفسي والطبي: لتفسير الظواهر التي يُعتقد أنها سحرية بشكل علمي.

 

5. الإعلام المسؤول: بدلاً من الترويج للمشعوذين، يجب كشفهم وتعريف الناس بحقيقتهم.

 

الخاتمة

يبقى السحر والشعوذة موضوعاً مثيراً للجدل بين الإيمان والإنكار، بين الأسطورة والعلم، وبين الموروث والدين. وما هو مؤكد أن هذه الممارسات، على اختلاف صورها، تعكس حاجة الإنسان الدائمة لفهم المجهول والسيطرة على مصيره. غير أن الوعي الديني والعلمي يشكّل الحاجز الحقيقي أمام انتشارها. فالمجتمعات التي تُسلّح أفرادها بالمعرفة والإيمان هي الأقدر على تجاوز الخرافات ومواجهة من يسعى لاستغلال حاجات الناس ومخاوفهم.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

5

followings

3

followings

18

similar articles
-