السماء لا تتسع لنا -الفصل الثالث عشر (الكاتبة علا ابراهيم)

السماء لا تتسع لنا -الفصل الثالث عشر (الكاتبة علا ابراهيم)

Rating 0 out of 5.
0 reviews

في الطابق العلوي من تلك العمارة العالية، كانت أروى تجلس في ذلك المنزل الغريب تمامًا عنها. منذ أن أتى بها ليلة أمس... لم يأتِ! لم يحضر طعام حتى كأنه ليس فاضيًا لها، أو لديه ما هو أهم.

 

لكنها، ومنذ الأمس، لم تأكل شيئًا. والمنزل فارغ. لم تجد أحدًا. حتى ، وفي جوف الليل، كاد التفكير أن يقتلها. وقعت ضعيفة، مستسلمة لهذا القدر اللعين، خائفة من ذلك الظلام الدامس الذي حلّ عليها عندما انقطعت الكهرباء فجأة.

 

كان المكان مظلمًا تمامًا.

 

أرادت أن تحدّثه في الهاتف، لكنها تذكّرت أنها لا تمتلك رقمه. خرجت لتجلس في البلكونة، لكن هذا أيضًا لم يحل الأمر، فالشارع أسفل العمارة كان ظلامًا دامسًا، ولا يوجد أي صوت أو نفس من المارة. حتى أنه لا يوجد مارة أصلًا.

 

المكان هناك لأشخاص أغنياء… لا يمشون، بل يمرّون بسيارات مغلقة.

 

تنهدت، وظلّت تردّد كتاب الله، القرآن الكريم. وكلما تصمت أو تنهي آية، كانت تهمس بالأذكار، وهي ما أراحتها كثيرًا.

 

وفجأة… وجدت شيئًا صغيرًا يتحرّك. يبدو أنه في البلكونة التي بجوارها تمامًا.

السماء لا تتسع لنا 

ابتلعت ريقها بخوفٍ فظيع، ولكن ترديدها لكلام الله جعلها تمسك الهاتف بيدين مرتعشتين، وتسلّط الضوء على تلك الحركة الضعيفة بالرغم من وجود ضوء القمر الساطع... لتتفاجأ!

 

طفل صغير، يزحف… وهو على حافة الرخام. يلعب، أو لا ينتبه لأنه سيقع للأسفل.

 

صُدمت بشدة، ونادت بصوت عالٍ، محاولة أن تُلفت انتباهه، أو أن تمنعه من التقدّم أكثر.

 

لكنها كانت تنادي وتتحدث بصوت عالٍ جدًا، والطفل لا ينتبه لها… ولا يهتم!

 

حتى أنها شعرت أن الجيران سمعوا صوتها. فزعت. الآن، سيخرجون من الداخل ليروا صراخها.

 

صمتت بإحراج، وشعرت باليأس. الولد لم ينتبه لها حتى... يبدو أنه مثل فاروق! لقد ذكّرها بغِلاظته كثيرًا.

 

نظرت بجوارها، لتجد علبة بها مشابك كثيرة للغسيل. ابتسمت بحماس، لأنها وجدت "الخطة".

 

أمسكت بالمشبك، ورمته على شباك البلكونة بحذر، كي لا يجرح الطفل إن سقط عليه.

 

ولكن… لم يسمع أحد من الداخل.

هل من المعقول أنهم لا ينتبهون إلى ذلك الصغير؟

 

شعرت بالغضب منهم… ومن أعمالهم.

 

أخذت تُسقِط المشابك في تلك البلكونة، وهي تصدر أصواتًا متتالية… حتى ينتبه الولد لها. وبالفعل… نظر لها الطفل باستغراب وذهول.

 

ابتسمت له وارتاحت… عندما انتبه، وتوقّف عن التقدّم نحو حافة السور.

 

لكن… يجب أن يستيقظ من في الداخل!

 

أمسكت بالأشياء التي في البلكونة —جرادل وأدوات تنظيف— وأخذت ترميها بسرعة. الطفل عاد يتقدّم نحو الحافة مجددًا!

 

وفجأة… خرج رجل في الثلاثين من عمره، لاحظ الطفل، وحمله سريعًا.

 

أما هي، فما زالت تدور في البلكونة، وتمسك بأشياء لترميها، ولم تنتبه إلى أن الكهرباء قد عادت فجأة!

 

ظلّت ترمي، حتى وجدته يقف مذهولًا. سقطت الحديدة من يدها، فوقعت على أرضية بلكونتها أمامها.

 

توقّفت، واقفة بخجلٍ واستحياء، تبرّر فعلتها بابتسامة محرجة:

— “الولد كان هيقع... فحبيت أساعده.”

 

وعلى كلمتها، خرجت امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها، يبدو أنها كانت نائمة. مرتدية رداءها، وسألت بقلق:

— “في إيه يا حبيبي؟ إيه اللي حصل؟”

 

كان الرجل ما زال مصدومًا. فأروى، عندما كانت الكهرباء منقطعة، كسرت زجاج البلكونة... وهذا ما جعله يستيقظ!

والأدهى... أنها لم تنتبه لما فعلته حتى الآن!

 

أروى، وهي تنظر إلى تلك الفتاة، بتصحيح مستغربه من ذهول الرجل الغريب:

— “أنا بصراحة كنت برمي مشابك عشان الولد كان هيقع… ومحدش كان شايفه.”

 

— "آه حبيبتي، شكرًا جدًا!" قالتها الفتاة بابتسامة ممتنّة.

 

أروى، بابتسامة واسعة وقد تلاشى خجلها قليلًا:

— “لا، عادي… أنا كان لازم أعمل كده.”

 

دخل الرجل للداخل، ومرّ من أمام الشباك المكسور. لمحتْه أروى، فشهقت بفزع وخوف:

— “إيه دا؟ أنا اللي عملت كده؟!”

 

نظر الرجل وزوجته إلى بعضهما، لتنفِ المرأة ضاحكة:

— “لا يا حبيبتي، عادي، مفيش أي حاجة! ده إنتي صح كده إنك نبهتينا… نخلي بالنا من أسر أكتر.”

 

ابتسمت لها أروى.

يبدو أنهم عائلة جميلة… وهي امرأة نظيفة وطيبة.

لكن أروى شعرت بالأسف لما فعلته دون أن تنتبه.

 

وما كادت أن تدخل حتى نادتها تلك المرأة مرة أخرى:

— “إنتي تعرفي فاروق بيه؟”

 

هذا السؤال… صدمها.

استدارت تنظر لها بارتباك، وعلى وجهها التوتر.

 

أكملت المرأة:

— “أصل بصراحة… أنا ورامي جوزي عارفين إن الشقة دي بتاعة السيد فاروق، وده من حُسن حظّنا إننا ساكنين جنبكوا.”

 

فكّرت أروى... ماذا ترد عليها؟

لابد أن تقول إنها زوجته في هذا الوقت… كي لا يظنّ العالم بها شيئًا.

 

— “أنا مرات السيد فاروق.”

قالتها أروى بابتسامة باهتة.

 

— “بجد؟ مبروك! ألف مبروك!”

— “أنا لينا، وجوزي رامي اللي جوا، وإنتي شفتيه… وده بقى يبقى ابني، اسمه أسر.”

 

— "ربنا يخليكم لبعض." قالتها أروى بحنان.

 

— “لينا: بكرة الصبح ابقي تعالي اقعدي معايا شوية.”

 

— “حاضر… بأي يا أسر!”

قالتها أروى بابتسامة، وهزّت يديها لذلك الصغير.

الكاتبة :علا ابراهيم 

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

12

followings

0

followings

0

similar articles
-