رواية: بيوت على شاطئ الذاكرة

رواية: بيوت على شاطئ الذاكرة

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

رواية: بيوت على شاطئ الذاكرة

 

الفصلين الأول والثانى


الفصل الأول – أيام في تل الربيع


كانت شمس يافا تشرق كل صباح على بيت آل الكرمي في تل الربيع.


بيت واسع من الحجر الأبيض، تحيطه شجرة برتقال كبيرة تملأ المكان بعبقها كلما تفتحت أزهارها. في الساحة الداخلية نافورة صغيرة تتلألأ مياهها تحت الضوء، وحولها مقاعد حجرية يجلس عليها الجد ليسرد الحكايات القديمة.

 

في الطابق العلوي، كانت الشرفة تطل على البحر.
كان يوسف، الأب، يوقظ أبناءه باكرًا، ثم يذهبون سويًا إلى السوق.


يوسف يملك دكانًا لبيع الأقمشة. يعرفه الناس بابتسامته وصدقه. يفتح دكانه ويعلق الأثواب المطرزة والحرائر القادمة من دمشق وحلب، فتتجمع النساء لتختار أثواب العرس والمناسبات.

أم خليل، زوجته، تبدأ يومها بخبز الطابون. يملأ رائحة الخبز أزقة الحي، ويمتزج مع رائحة الزعتر الطازج وزيت الزيتون. بعد الإفطار، تخرج لزيارة جارتها أم حسن. النساء يتبادلن الأحاديث: عن زواج البنات، عن المدارس الجديدة، عن موسم الزيتون.

الأطفال، خليل وأخته ليلى، يركضون نحو الشاطئ. يلعبون على الرمال، يبنون قلاعًا صغيرة، ثم يعودون وأقدامهم مبللة، وقلوبهم مليئة بالضحك. في المساء، يجتمعون جميعًا في فناء الدار، يستمعون لصوت الحاج يوسف وهو يقرأ القرآن أو يروي قصصًا عن أبطال فلسطين.

كانت الحياة تبدو مستقرة، دافئة، مليئة بالأمل.
كانوا يعتقدون أن البحر سيبقى شاهدًا عليهم، وأن البرتقال سيظلّ يثمر جيلاً بعد جيل.

الفصل الثاني – أصوات الميناء

كان صباح يافا مشرقًا، البحر يلمع تحت أشعة الشمس كأنه مرآة زرقاء واسعة. حمل يوسف ولده خليل من يده، بينما تبعته ليلى وهي تضحك وتجرّ طرف ثوبها الصغير كي لا يبتل بالرمال. قصدوا جميعًا الميناء، حيث تختلط رائحة السمك الطازج بنفحات الملح، وتتعالى أصوات البحّارة وهم ينادون على بضائعهم.

المكان يعجّ بالحركة؛ سفن شراعية تقترب من الرصيف، وسفن أخرى تستعد للرحيل. أصوات الحبال وهي تُسحب، وصفير النوارس فوق الرؤوس، وصياح الباعة يملأ الأجواء. خليل يحدّق بدهشة في الصناديق القادمة من بعيد: بهارات ملونة من الهند، قماش سميك من الإسكندرية، وزيتون معبّأ في جرار فخارية.

اقترب يوسف من أحد التجار يعرفه منذ زمن، وتبادلا السلام والحديث عن التجارة والبحر. أما ليلى فكانت مشدودة إلى مشهد بحّارة يجرّون شبكة مليئة بالأسماك الفضية، تتلألأ تحت الضوء كأنها حبات زينة.

جلسوا قليلًا عند مقهى صغير مطلّ على الميناء. اشترى يوسف كأس شاي بالنعناع، وجلس يشرح لأطفاله:
"هذا الميناء يا خليل، يا ليلى… هو قلب يافا النابض. من هنا يخرج برتقالنا إلى الدنيا، ومن هنا تصلنا أخبار البلاد البعيدة."

هزّت ليلى رأسها وقد شبكت يديها بحماسة، بينما خليل ظلّ صامتًا، عينيه تلاحقان الأفق البعيد حيث تختفي السفن. كأنه يحاول أن يتخيل ما وراء البحر، وما تحمله تلك الأمواج من أسرار.

حين عادوا إلى البيت، كانت أم خليل قد أعدّت الغداء، وامتلأ فناء الدار برائحة الملوخية والخبز الطازج. اجتمعوا حول المائدة، يتحدثون عن أصوات الميناء وما شاهدوه، فيما ابتسم الجد وقال:
"الميناء يا أولادي، ليس مجرد خشب وسفن، إنه نافذة على الدنيا… ومن لا يعرف البحر، لا يعرف قلب فلسطين."image about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرةimage about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرةimage about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرةimage about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرةimage about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرةimage about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرةimage about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرةimage about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرةimage about رواية: بيوت على شاطئ الذاكرة

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
mahmoud soliman تقييم 5 من 5.
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.